الصحة والجمال

كل ما تريد معرفته عن «التنمر» وتشكيله لـ«الأدمغة»

يؤثر على مئات الملايين من الأطفال والمراهقين..

فريق التحرير

في السنوات الأخيرة ظهر حجم متزايد باطراد من البيانات، أن «إيذاء الأقران» وهو المصطلح السريري للتنمر يؤثر على مئات الملايين من الأطفال والمراهقين، مع التأثيرات التي تستمر أحياناً لسنوات وربما لعقود، ورغم الاعتراف بالمشكلة كتحدي صحي عالمي من قبل منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، مع ذلك يصرّ الباحثون على أنه لا يزال هناك فهم محدود لكيفية تشكيل السلوك جسدياً للدماغ النامي.

وحسب الخبراء عادة ما يتم تعريف البلطجة على أنها، سلوك لفظي وجسدي وغير اجتماعي متكرر ومتعمد يسعى إلى ترهيب أو إلحاق الأذى أو تهميش شخص ينظر إليه على أنه أصغر أو أضعف أو أقل قوة. بين الأطفال الأصغر سناً، وتشمل الأشكال الشائعة من البلطجة اللغة المسيئة والأذى الجسدي، وقد ينمو هذا السلوك مع تقدم العمر؛ حيث يستبعد المراهقون بشكل روتيني أهدافهم ويهينونها ويسخرون منها، وفي بعض الأحيان يتصاعد هذا السلوك إلى تهكم بين مجموعات من «الفتوات» في المدرسة أو العمل أو حتى الفضاء الإلكتروني.

ويعتقد الباحثون أن هذه الظاهرة في تَنَامي، فعلى سبيل المثال وحسب هؤلاء فإن أكثر من 3.2 ملايين طالب أمريكي يتعرضون للبلطجة كل عام، أي حوالي 1 في المائة من مجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بين هؤلاء الطلاب ما يقرب من 10 إلى 15 في المائة يعانون من البلطجة "المزمنة" أو المستمرة، التي تستمر لأكثر من ستة أشهر متواصلة، وترتبط تجربة إيذاء الأقران أو التنمر المزمن بانخفاض التحصيل الدراسي، ارتفاع معدلات البطالة، الاكتئاب، القلق، اضطراب ما بعد الصدمة، تعاطي المخدرات، إيذاء النفس والأفكار الانتحارية.

هندسة الدماغ

وحسب الخبراء فإن معظم الأبحاث حول العمليات الحيوية العصبية التي قد تساهم في هذه النتائج الصحية السلبية قد حدثت في العقد الماضي، وقد ركز معظمها على تأثير البلطجة والتنمر على نظام الاستجابة للإجهاد في الجسم، وقد ألقت دراسة نشرت في مجلة الطب النفسي الجزيئي بعض الضوء على مجال مختلف، ألا وهو هندسة الدماغ، قائلة بأنه يمكن أن تؤثر الصدمة الناتجة عن التنمر المزمن على بنية الدماغ، وفقًا لبيانات التصوير بالرنين المغناطيسي التي جمعها فريق دولي بكلية كينجز لندن، وكذلك وفقًا لنتائج البحوث السابقة التي أظهرت تغييرات مماثلة في الأطفال والبالغين الذين عانوا ما يعرف باسم "سوء معاملة الأطفال" أو الإهمال أو سوء المعاملة من قِبَل مقدمي الرعاية البالغين.

وحسب العلماء فإن التغييرات طويلة الأجل في بنية الدماغ والكيمياء هي مؤشر "لمدى البلطجة الشريرة"، فيما يأمل العلماء أن تكون هذه الدراسات عاملًا حفازًا لإجراء مزيد من البحوث التي يمكن استخدامها في نهاية المطاف لتوجيه القرارات السياسية ودعم التدخلات المضادة للتسلط.

وقد استخدم الباحثون في الدراسة المشار إليها مجموعة بيانات، تضمنت بيانات إكلينيكية وراثية وتصوير عصبي لـ 682 شاباً من فرنسا وألمانيا وإيرلندا والمملكة المتحدة، تم جمعها كجزء من مشروع بحث أوروبي يعرف باسم دراسة التخيل، وهو واحد من أوائل الدراسات الطولية للبحث عن نمو مخ المراهقين والصحة العقلية، وفي الدراسات الطولية يتم جمع البيانات على مدار عدد من السنوات، ويسمح هذا للباحثين بتتبع الأطفال بمرور الوقت وتحديد ما إذا كانت تجارب معينة مثل التعرض للتخويف، مرتبطة بالتغيرات الهيكلية في الدماغ، وأكمل الشباب الاستبيانات في سن 14 و16 و19 عامًا حول مدى وجود البلطجة في حياتهم اليومية، وتم الحصول على فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي في سن 14 و19 عامًا، وحدد الباحثون تسع مناطق في يسار ويمين المخ مرتبطة بالإجهاد وسوء المعاملة.

وعند تحليل التغيرات التي طرأت على حجم المخ في سن 19 عامًا، وجدوا أن المشاركين الذين عانوا من البلطجة المزمنة والتنمر لديهم انخفاضات كبيرة في حجم المنطقتين المنخرطتين في الحركة والتعلم، كما واجه هؤلاء المشاركون مستويات أعلى من القلق العام، وحسب الباحثون فإن العلاقة بين إيذاء الأقران والقلق العام كانت ترجع جزئياً على الأقل إلى هذه الانخفاضات الحادة في الحجم، وهذا يشير على غرار أدبيات سوء المعاملة إلى أن مناطق المخ هنا أصبحت صغيرة جداً تقريباً.

الدماغ البلاستيكي والإجهاد:

كما أفادت دراسة سابقة نشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي عام 2010 أيضاً عن خلل في مناطق معينة من الدماغ ترتبط بالإساءة اللفظية المبلغ عنها من قبل الأقران، وعلى الرغم من أن البحث لم يكن طولياً شارك فيه شباب تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وما فوق، إلا أنه لوحظت تغييرات بمرور الوقت، وهو ما علق عليه الباحثون بأن الدماغ بلاستيكي طوال حياتنا، وهي الطريقة التي نستمر بها في التعلم، وهكذا تستمر البيئة في تشكيل سلوكنا، ومن ثم لا يمكن معرفة ما إذا كان الحجم المنخفض المصور بالرنين المغناطيسي يمثل حالة دائمة أو مؤقتة.

وحسب الخبراء فإن الأبحاث التي أجريت حول بيولوجيا الأعصاب لإيذاء الأقران والتنمر تتعدى 15 عاماً تقريباً من الأبحاث المماثلة حول سوء معاملة الأطفال، وكلها تشير إلى أن وصف تأثير تعرّض الأطفال لسوء المعاملة بالحزن فقط لم يكن كافياً، بعد أن قدمت عمليات الفحص أدلة مقنعة على أن الأطفال يتأثرون بشكل ملموس بالإساءة والإهمال، ومن ثم اقترح الباحثون دراسة البلطجة المزمنة أو التنمر باتباع نفس المسار، حتى وإن لم يتمكن هؤلاء من تحديد الآلية البيولوجية التي غيرت حجم مخ الشباب في دراستهم.

فيما اقترح باحثون آخرون أن النتائج التي توصلت إليها أدبيات سوء معاملة الأطفال يمكن أن توفر تفسيراً واحداً ممكناً، وهو أن الإجهاد "السام" وهرمون الإجهاد "الكورتيزول" يغيران نمو الدماغ؛ حيث يتم تنظيم استجابة الإجهاد في الجسم عن طريق محور الغدة النخامية وما تحت المهاد، وهي منطقة بحجم اللوزة بالقرب من قاعدة الدماغ، تساعد في تنظيم البيانات الحسية الحيوية مثل التمثيل الغذائي، النوم، درجة الحرارة، الجوع، العطش والعواطف، ويتم تنشيط ما تحت المهاد عند اكتشاف الخطر، وبعد الإفراج الأولي عن الأدرينالين إذا استمر ظهور الخطر، فإن الغدة الكظرية تطلق الكورتيزول في مجرى الدم.

وتسمح المستويات الأعلى من الكورتيزول للجسم بالعمل بأداء أعلى عندما يتعرض لضغوط حادة، لكن الضغط المزمن مثل تجربة البلطجة المستمرة أو التنمر يمكن أن يكون له تأثير معاكس، ومستقبلات الكورتيزول موجودة في معظم الخلايا في جميع أنحاء الجسم، ولكن بعض الباحثين يعتقدون أن الضغط السام المتمثل في تجربة التنمر والتعرض المزمن للبلطجة يمكن أن يؤدي إلى إتلاف مواقع هذه المستقبلات أو حتى موت الخلايا العصبية، وبالتالي التعرض لمختلف النتائج السلبية الناتجة، مثل انخفاض التحصيل الدراسي والاكتئاب، وهنا يشير الباحثون إلي أن الشباب الذين تعرضوا للإساءة والتخويف عادة ما يكون لديهم كورتيزول منخفض، وهذا أمر مهم للغاية لأن توقيع الكورتيزول الفاسد يظهر مع مشكلات نفسية أخرى مرتبطة بالصدمة الشديدة، كما في اضطرابات ما بعد الصدمة، والأفراد الذين عادوا من القتال أو تعرضوا للاعتداء أو للاغتصاب.

وحسب الخبراء فإن من المثير للاهتمام التفكير في أن هناك مسارات فسيولوجية مباشرة للتجربة الاجتماعية تؤثر على الصحة العقلية، وبالنظر إلى الدراسات الأخيرة فإن واحدة من أكثر النتائج المثيرة للاهتمام هي مناطق الدماغ التي شهدت أكبر انخفاض في الحجم، والقشرة الحزامية الأمامية المعروفة اختصارًا (ACC) هي واحدة من مناطق الدماغ التي تعالج الألم البدني، ويتم تنشيط نفس الدائرة العصبية عندما يواجه شخص ما الألم الاجتماعي لأحداث مثل الحزن أو الرفض أو الإقصاء أو الإهانة أو البلطجة والتنمر، وفقاً لعدد من الدراسات على مدار العقد الماضي.

ويأمل الباحثون في إجراء خطوات تالية في البحث بمراجعة بيانات الشباب بعمر 22 عاماً، بنفس الطريقة ومن جنسيات وأعراق مختلفة مع جمع كمية كبيرة من بيانات تصوير الدماغ بالإضافة للبيانات الوراثية والجينية، للمتابعة لأعمار 25 و26 عاماً؛ لإثبات وتدعيم نتائج الدراسة، التي تفترض أنه عندما يصل الذين تعرضوا للتنمر والبلطجة وإيذاء الأقران لهذا السن تكون مناطق الدماغ المشار إليها أصغر بكثير، وهو ما سيتم اثباته أو حتى نفيه بتوفر بيانات المخ لفئات وأعمار مختلفة، يأمل الباحثون توفرها خلال الأعوام القادمة.

مرر للأسفل للمزيد