الأراء

كل عام والوطن بخير

فهد عامر الأحمدي

الوطن ليس شعارا، ولا مزايدة، ولا انتماءات فكرية.. فالوطن هو حيث نولد، ونعيش، ونموت، ونكسب رزقنا.. هو الموقع الذي مات فيه أجدادنا، وسيعيش فيه أحفادنا، وتتراكم فوقه إنجازاتنا.. ارتباطه بالجذور والهوية والتاريخ، أعظم من ارتباطه بالسياسة، والأشخاص، وعلاقة العالم به...

هناك ثلاثة مفاهيم أساسية يجب أن نفرق بينها لندرك قيمة الوطن فعلا..

الأول هو مفهوم الحكومة..

والثاني مفهوم الدولة..

والثالث مفهوم الوطن..

صحيح أنها قد تتقاطع (ويستعملها البعض بنفس المعنى) ولكنها تظل مستقلة - ويفترض التفريق بينها..

فالحكومة هي الجهاز الإداري الذي يدير شؤون البلاد والقاطنين فيها..

أما الدولة فهي الهوية والكيان المعنوي الذي يوحد شملنا ويرعى شؤوننا ويمنحه وطنناً وجود وهوية وتميز..

لهذا السبب يمكنك انتقاد الخدمات الحكومية أو التصريح بعدم رضاك عن أدائها (كونها في النهاية جهاز إداري قد ينجح أو يفشل في تحقيق طموحات المواطنين). ولكن لا يمكنك الطعن في دولة شرعية تمثل هوية الوطن وترعى شؤون المواطنين ويرتضي أغلب الناس وجودهم تحت رعايتها..

أما الوطن فكيان جغرافي لادخل له بالسياسة ولا يحتاج لمن ينفي أو يؤكد وجوده.. لا يحتاج حتى إلى اعتراف دول العالم، لأنه يحظى باعتراف أهله وسكانه ومن يعيشون فوقه.. يسكن قلوبهم ويوحد مشاعرهم ويبرز هويتهم ويشكل ثقافتهم.. علاقة الناس بأوطانهم علاقة وجدانية خاصة وحقيقة تاريخية متجذرة يصعب التنصل منها بحيث لا يمكنك (حتى لو ادعيت ذلك) انكار ارتباطك بوطن ترسمه الجغرافيا ويشكله التاريخ.. تملك حياله حقوقا وواجبات ثابته غير معنية بتقلبات السياسة أو اداء الحكومات أو تغير المناصب والمسؤولين..

المشكلة في عالمنا العربي هي وجود خلط بين مفهوم الحكومة والوطن. لا يتردد البعض في تدمير وطنه بحجة عدم اتفاقه مع حكومة بلده. فالمواطن الواعي قد يختلف مع حكومته (ممثلة بوزارة أو جهة مسؤولة) ولكن ولاءه لوطنه يظل ثابتا وراسخا وغير مرهون بأداء الوزراء أو الأجهزة الحكومية..

صحيح أن الدول قد تشكل الأوطان وترسم هويتها (كالدولة السعودية التي رسمت وطننا الحالي).. وصحيح أيضا أن أوطانا قديمة أصبحت للبعض أوطانا جديدة (كأميركا التي كانت موطنا للهنود الحمر، وأصبحت موطنا لمهاجرين من شتى انحاء العالم) ولكن علاقة الفرد بوطنه تبدأ بمجرد ولادته فوقه، والتزامه بواجباته، واقتسامه خيراته ومكتسباته.

كان البعض (في السعودية) يتحسس من مفهوم الوطنية بحجة طغيانها على مفهوم الانتماء للأمة الإسلامية والعربية.. ولكن الحقيقة هي أن العلاقة تكاملية تبدأ من الخاص (الوطن) نحو العام (الأمة).. لا تعارض بينهما كون الانتماء للوطن لا يعني إنكارنا لهويتنا العربية والإسلامية.. ليس أدل على ذلك من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذي بعث للناس كافة) كان يفتخر بقومه وعترته وورد عنه قوله:

«إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى هاشماً من قريش واصطفاني من بني هاشم»..

من أجل هذا كله يصبح احتفاؤنا بالوطن حقا مشروعا لا يتعارض مع انتمائنا للأمتين العربية والإسلامية - ولكن، أولى لك فأولى..

على العكس تماماً، احتفاؤنا السنوي بيومنا الوطني يعزز هويتنا، ويعمق جذورنا، ويلغي اختلافاتنا، ويزيدنا قوة وتماسكا..

يعلم أطفالنا معاني الولاء، وأولويات الانتماء، وأهمية البقاء على قلب رجل واحد..

بدون شك، الوطن نعمة لا يعرفها غير من فقدها .. وفي حين تنهار منظومات الأوطان من حولنا، ليس أفضل من هذا الوقت للتمسك

بوحدة وطننا والإلتفاف حول قيادتنا .. وكل عام والوطن بخير..

مرر للأسفل للمزيد