ونحن نعيش هذه الأيام مع وسائل الإعلام حديثًا توعويًّا متنوعًا عن داء التنمّر والوقاية منه، نعيد سؤال المجتمع الوظيفيّ الذي يدور في مواقع التواصل بكثرة: هل في إداراتنا تنمّر؟
الغالب أن الإجابة نجدها عند من يمضون ساعات دوامهم مع مدير مزاجي أو متسلط أو متعسف لا يرى من الأنظمة واللوائح إلا ما ينتصر به على الموظف.
لا نختلف أن التنمر في الأصل لفظة ارتبطت بمجموعة غير راشدة، وتحصل بين أبناء المدارس في معظم الحالات، إلا أن أي شكل من أشكال الإساءة والإيذاء الموجّه من فرد إلى فرد أو إلى مجموعة في مكان واحد وإطار وظيفي موحد، ومهامّ مشتركة يُعدّ تنمرًا من وجهة نظري.
والعنوان العريض في القصة، هل التنمر يعيش في غير بيئته الأم؟
برأيي، أن ما نسمعه اليوم من قصص عن بعض المديرين من مضايقات للموظفين (وتطفيش) وتعسف وعدم احترام والتذرع بمصلحة العمل دون ضوابط، ما هو إلا صورة من صور التنمر المتعارف عليه في المدارس.
فقط كان صغيرًا وكبر، واستبدل العضلات التي كان يستعرض بها في الفسحة المدرسية بسلطته كمدير، وأيقونة مصلحة العمل مطرقةً يضرب بها متى شاء دون أسباب.
لا شك أن هذا الصنف محرج للمنظومة الإدارية، ومحرج للمسؤول الذي هو رأس الهرم، خصوصًا إذا تكرس لدى المنظمة أنه على علم بتلك الممارسات.
فضلًا عن أن ذلك النوع يؤخّر الرؤى التطويرية المستقبلية لبيئات العمل، ويجعلنا أمام حالة من الطوارئ تستدعي تحديث ضوابط ترشيح المديرين، طالما أنه هو المسؤول عن توجيه أعمال الفريق وتعزيز دورهم واستمرارهم.
فالسِّيَر العلمية لا تكفي، ما لم نكن قد اطلعنا على السِّيَر التي تكشف جوانب العلاقات الإنسانية والأخلاقية وسجلّ التاريخ الوظيفيّ والفكريّ والاتزان الانفعاليّ والنفسيّ للمرشح.
وهذا من أبسط حقوق المؤسسات والمجتمع الوظيفي علينا، فنحن إما أن نبني بيئةً تنمويةً منتجةً ومتوافقةً بمدير ناجح متزن، وإمّا أن ندمر بيئةً وظيفيةً بأكملها بمدير متسلط متنمّر، فلنحسن الاختيار، يا رعاكم الله! وندع التوصيات الفردية جانبًا، يومكم سعيد...