الأراء

بوتين وساعات سِمانّ في السعودية.. ولي العهد.. دروس جديدة في الجيوستراتيجيات

فهيم الحامد

في روسيا مثل شعبي قديم وشهير يقول .. "القيصر دائما على حق". ويبدو أن قيصر روسيا فلاديمير بوتين كان على حق، عندما زار الرياض لعدة لساعات، حقق خلالها مخرجات لعقود من الزمن.. الرئيس الروسي بوتين كان على حقّ عندما وجَّه بوصلة الكرملين ؛ للسعودية  خصوصاً ان الزيارة ، جاءت بعد مرور أكثر  60 يوما على العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، حيث أكد مراقبون عرب وروس، أن الزيارة الخاطفة لبوتين ، ستغير الكثير من المعادلات في منطقة الشرق الأوسط ؛ كونها حملت أهداف و"رسائل" جيو استراتيجية ، للغرب ، ويعطي التوقيت و"الظرف الحساس"  والمعطيات على الساحة الفلسطينية الدامية ، أبعادا أكبر من "خطوة لمناقشة علاقات ثنائية ومشتركة" فحسب بل لمعطيات جيو- سياسية متعاظمة قادمة، تؤكد أن روسيا لا تزال قادرة على ممارسة النفوذ وحشد الدعم  مجددا لسياسة  تصفير أزمات المنطقة "والتي تبناها سمو ولي العهد ،ونجح في تحقيقها باقتدار على الأرض، حيث جاءت عملية طوفان الأقصى، وغيرت مسارات الأجواء في المنطقة، والتي وصفها عدد من الخبراء الغربيين؛ أنها جاءت لتغيير المسار السلمي، لتصفير مشاكل وأزمات المنطقة .. وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فإن  مخرجات "طوفان الأقصى"، اعادت المنطقة الىَ المربع صفر سياسيا، كون حل الدولتين الذي كانت تراهن عليه الدول العربية اصبح سرابا وصعب المنال  .. ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال، عدم ربط زيارة الرئيس بوتين، بمجريات الأحداث المأساوية في غزة، وإعادة تموضع روسيا  في المنطقة من بوابة القضية الفلسطينية  هذه المرة..

ومن الواضح أن الرئيس بوتين، حرص في لقائه مع سمو ولي العهد، على تمرير رسائل للعالم الغربي من الرياض، وتحديدا إلى واشنطن، التي اتخذت موقفا متخاذلا، من عملية الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.. ولم تحرك ساكنا، بل واستخدمت حق النقض الفيتو على مشاريع القرارات الإنسانية  التي تبنتها موسكو وبكين، لمصلحة الشعب الفلسطيني في مجلس الأمن وكان آخرها قبل أيام، رغم وجود الوفد العربي الإسلامي المشترك. وليس هناك شك في أن اجتماع الساعات الثلاثة بين الرياض بوتين، مع الأمير محمد بن سلمان، عظمّ الشراكة الاستراتيجية مع روسيا على كافة الأصعدة ورسخ التفاهمات المستقبلية للتعامل مع قضايا المنطقة، فضلا عن أن الرئيس الروسي، قدم دعوة لسمو ولي العهد لزيارة موسكو.. أن الأحداث المأساوية وجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، أعطت الرياض صورة متكاملة متجددة، لاصطدام المصالح الدوليّة، وتقاطعاتها السلبية وتعطيل الهيئات الأممية، وتهميش دورها في التزام وتطبيق القانون الدولي، وهو ما ذكره سمو ولي العهد في القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عقدت في الرياض الشهر الماضي،  عندما قال" هناك ازدواجية في المعايير بتطبيق القانون الدولي"، وأكمل ولي العهد: "إننا أمام كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد على الانتهاكات الإسرائيلية لتبرهن على ازدواجية المعايير". 

وعليه فإن الرياض وموسكو تنبهتا أن المنطقة أمام مرحلة مفصلية، تستوجب إعادة التموضع وإعادة التوازن لها   ، والتحوط، وتقدير الموقف من جديد ، إجمالا، لضبط التحركات المحيطة المتناقضة في الملفات المشتركة، وللخروج من التداعيات السلبية المحتملة للأزمة المعقدة الحالية في المنطقة، للتشويش والإرباك وتخريب سياسة تصفير أزمات المنطقة، في ظل أجواء ملتهبة للغاية، مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الثالث، دون وجود أي مؤشرات واضحة، على اتجاه الأوضاع الميدانية، وإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني .الرئيس بوتين كان  واضحا وشفافا، عندما أكد في حديثه مع ولي العهد ،على أهمية تبادل المعلومات والتقييمات، فيما يحدث بمنطقة الشرق الأوسط، في إشارة إلى العدوان الإسرائيلي على غزة، وضرورة حضور الدور الروسي الفاعل في المشهد الملتهب الحالي خصوصا أن الرئيس بوتين سيعقد  فور عودته إلى موسكو قمة ثنائية مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، وسط تصاعد مخاوف إقليمية ودولية من اتساع رقعة الصراع في غزة إلى مناطق أخرى في المنطقة . ويبدو جليا أن الرئيس بوتين يرغب  في إعادة  التموضع  في لعبة الشطرنج التي أفرزتها عملية طوفان الأقصى ،من خلال حراك هادئ بلا صخب، عبر عملية توازن دقيقة مع الشركاء في المنطقة، خصوصا أن  هناك إحباطا كبيرا موجودا في هذه المنطقة، بشأن رد الفعل الأميركي على أحداث  غزة" ، فضلا عن أن موسكو  تدعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني .. لقد أبرزت زيارة الرئيس بوتين درسا جديدا قدمه؛ سمو ولي العهد في فنون الدبلوماسية والحضور الذهني والتموضع الجيوستراتيجي ، لما يتمتع به الأمير محمد بن سلمان، من كاريزما قيادية وحنكة دبلوماسية وحضور ويقظة ذهنية، عندما رفض أي خطأ يمس المملكة وتاريخها حتى وإن كان غير مقصود، مقدمًا في ذلك درسًا عمليًا تاريخيًا في فنون الدبلوماسية عندما صحح ما قاله المترجم عن استقلال المملكة.. وثمة إجماع على أن حراك  السياسة الخارجية السعودية القائم  على الانفتاح المتوازن على القوى الكبرى في العالم شرقا وغربا، والذي ينطلق من قراءتها الواعية للتغيرات الجيوسياسية، التي طرأت على هيكل النظام الدولي، واستشرافها بدقة لمساره المستقبلي، وتكييف هذه التغيرات بما يحقق المصلحة الاستراتيجية السعودية، وكذلك الدفاع عن مصالح الأمتين العربية والإسلامية، انطلاقًا من دور الرياض القيادي والريادي في محيطها العربي والإسلامي. وهذا ما ظهر جليا في حراكها الرصين في التعامل مع الحرب.
الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ومن الواضح أن بوتين من الزعماء السياسيين القلائل، الذين فهموا فلسفة وكيمائية، الأمير محمد بن سلمان الجيوسياسية، كما أنه يعي جيدا أن صاحب السمو الملكي ولي العهد لديه المفتاح الاستراتيجي.

مرر للأسفل للمزيد