من المؤكد أن ولوج الفكرة إلى العقل تبدو أسهل وأسرع في وقت مبكر من عمر الإنسان، ذلك أن "فلاتر" الوعي والعلم التي تتحقّق من كل معلومة قبل ركنها في إحدى رفوف العقل غير موجودة في بدايات العمر، ومن هنا تنطلق مقولة البليهي: "يحتل العقل من هو أسبق إليه"!.
المشكلة هنا، أن مايدخل العقل يصعب خروجه، فالفكرة التي تُعشعش في العقل لا يمكن التخلص منها بسهولة، وحتى وإن تمكّن الفرد من التخلص منها بعد جهد مُضنٍ، يبقى تخلّصه" داخلي"، بينما سلوكه الخارجي يظل كما هو أمام أهله، مجالسيه ومجتمعه الذي عهِد عليه صورته النمطية السابقة التي كانت تتبنى تلك الفكرة لصعوبة شقّ هذا التصوّر، وحتى لا يوصَم "بالمتغيّر"، والتي هي عادة ماتكون وصمة "عار"، كوننا نقدّس الثبات والركود ونخشى التجديد والتغيير.
لكن إذا ما حكمنا على أنفسنا بالخنوع، هل نرفع المنديل تمامًا؟!
حتى وإن رُفع المنديل، أظن أنه من المهم أن لا نمرر ذات المنديل لسلالتنا، فطالما أن العقل مُحتلّ لا محال، فمن الأفضل أن نكون السباقين باحتلاله، حتى نقلل قدر الإمكان من الأفكار المسلّحة التي تم احتلالنا بها سابقًا، وإن صّنِّف ذلك تعديًا على مبادئ الحرية، لكن ذلك هو أهون الخسائر!.
ثم لحظة لحظة، إذا ما حافظنا على عقول أبنائنا في البيت، هل يمكننا تحصينها في المدرسة من معلّم أعوج؟ أم في الشارع من سائر ضال؟، أم في بيت الأقارب من قريبٍ مُعتل؟!.
لا تبدو فكرة السيطرة والتحكم فاعلة، فلا يمكننا انتقاء المعلّم والصديق ولا حتى القريب، لا يمكن ذلك حتى في المدينة الأفلاطونية الفاضلة، فيبدو أن ترك الحياة تسير كما تشاء هو أمر حتمي، ليصبح ذلك المنديل الأبيض أثمن ميراث نتركه لأبنائنا!.
@A_ALSWEED