الأراء

الفرويدية الجنسية وتكميم الأفواه!

د. علي السويد

معهود على البشر منذ نشأتهم أنهم لا يجرؤون على السؤال أو التشكيك في نصوص الكتب المقدسة، ولا أقاويل الحكام والساسة، وهذا غير مستغرب كون الأولى ترجع لخشيتهم من السهام التي ستـنتثـر على صدورهم بمجرد الاقتراب من الحدود الدينية المحظورة، والثانية راجعة لخوفهم من الأساور الفضية التي قد تضمّ أياديهم في زنزانة لا تُمَدّ بها القدَم مترا.

هذه الأيام تشهد ضيفا جديدا على قوائم المحظورات التي لا يمكن المساس بها، وهي الأطروحات العلمية التي يتبنّاها العلماء!.

يشكّل لنا الطبيب ومؤسس علم النفس الحديث - سيغومند فرويد - مثالا صريحا للجرأة المنزوعة من الناس، حيث يستقر هذا الطبيب النمساوي في برج عاجيٍّ عالٍ لا تصله الأيادي ولا حتى الأصوات، من هناك يرمي النظريات والأفكار التي وإن كان كثيرا منها مطبّق وقائم حتى الآن، إلا أن جزءا ليس بقليل لا يخلو من النظريات الساخنة سخونة تستدعي التشكيك والسؤال والبحث، لكن هذا لا يحدث كثيرًا!.

ينظر فرويد للإنسان على أنه كائن جنسيّ بحت، تحرّكه الغريزة الجنسية مُذ أن يصبح نطفة في رحم والدته حتى يضُمه رحم الأرض، وهذا قول معنيٌّ بالحرف، حيث يرى بأن الرضيع يتمسّك بثدي أمه لا لأجل الحليب فقط، بل لإشباع جزء من رغبته الجنسية.

لا يكتفي طبيبنا هنا، بل يزيد على ذلك بتفسيره لكل تصرّفات الطفل بكون دافعها جنسيا، حينما يبكي، حينما يضحك، حينما ينام وحينما يصحو، كل ذلك سببه جنسي!، وهذه الفكرة تجسّدت واقعيا في أدبيات اليونان الكلاسيكية التي احتضنت تراجيديا "أوديب ملكا"؛ حيث قدّمت النظرة الجنسية الفرويدية للإنسان صوتا وصورة.

إن كان ينظر فرويد بأن كل هذا يحدث للإنسان وهو طفل، كيف هي نظرته للمراهق وما يعلوه، كل ذلك مطروح، وعليك رفع سقف خيالك.

ليست مشكلة سيغموند أن هذا ما يؤمن به، فهي قناعته التي توصل إليها بدراساته، فهو لم يحمل السوط ويمر به على الناس ملوّحا بخيارين، إما الاقتناع أو تحمّل حرارة السوط، بل إنها مشكلتنا نحن الذين بنينا للأوائل والمؤسسين أبراجا عاجية دون سلّم يصل بنا إليها، ثم نلوم كل من يطرح سؤالًا أو تشكيكا.

في مسحٍ سريع لمنصات الأبحاث العلمية، تتفاجأ بأن نسبة الأبحاث المفنِّدة لأطروحات فرويد ضئيلة جدا وهذه إشارة بفقدان الجرأة العلمية، فلا الباحث يجرؤ على مناهضة فرويد، ولا المجلات العلمية تقبل بأن تنشر ما يمس نصوص فرويد "المقدسة" مهما بلغت من استقلالية!.

فرويد كان مثالًا فقط، فالقائمة مليئة بالأسماء التي عُلِّقت كتاباتهم على جدران المنازل، لا لحقيقتها بل لأن كاتبها من المتربعين في ذات البرج.

لك عناية المولى يا إنسان، فإن دخلت في معسكر الدين قُصَّ لسانك، وإن جَنَحت على الساسة وأفعالهم كُبِّلت يداك، وإن سوّلت لك نفسك بالإطلالة الناقدة على العلماء الأوائل لُبِّست عينيك نظارة لا ترى منها سوى السواد!.

مرر للأسفل للمزيد