ساهمت الحاجة إلى تسريع عجلة التنمية ومتطلباتها وتشجيع القطاع الخاص على النمو والمشاركة الفاعلة في سوق العمل، وقلة عدد السعوديين لشغل العديد من المهن والوظائف؛ في وضع السياسات العاجلة للحصول على الأيدي العاملة القليلة التكلفة؛ ما تسبب في تدفق أعداد هائلة من العمالة الرديئة وغير المدربة والأقل تعليمًا وتأهيلًا، وخلق لها تأثيرًا يمتد إلى العديد من الأمور ومقومات الحياة بالمجتمع السعودي، وعلى كافة الاتجاهات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بل والصحية.
ورغم الجهود الذي تبذلها الجهات الأمنية والوزارات المعنية، فإننا نشاهد ونعايش -سواء عبر وسائل الإعلام المسموع أو المرئي أو المقروء أو وسائل التواصل الاجتماعي أو تصاريح المتحدثين الرسميين للجهات الحكومية- العديد من الجرائم التي ترتكبها تلك العمالة دون اكتراث لا بالقوانين والأنظمة أو الأعراف أو حتى الأديان. والأخطر في الموضوع هنا وصول هذه الجرائم إلى معدلات ضخمة ومنظمة وأصبحت ترتبط بشكل مباشر بسلامة وأمن المواطن.
فالجريمة لم تعد قاصرة على التزوير والتهريب وتمرير المكالمات وصولًا إلى استغلال جائحة كورونا في محاولة لاحتكار السلع وإعادة تدوير المنتهي صلاحيته منها بعد تزوير تاريخ الصلاحية ورفع الأسعار، وإنما وصلت إلى الغذاء والدواء والصحة، وهو منعطف خطير قد يساهم بدرجة كبيرة في تردي الأوضاع الصحية وزيادة معدلات الأمراض الخطيرة والوفيات في المجتمع؛ ما يحتم ضرورة أن يكون هناك وقفة حازمة من جميع القطاعات الحكومية مع أهمية تعاون المواطن -الذي يعتبر رجل الأمن الأول- في التصدي لهذه الأعمال الإجرامية المؤثرة بلا شك على جودة الحياة، وهو التصدي الذي تسعى إلى تحقيقه حكومتنا الرشيدة، وعبر العديد من برامج رؤية المملكة 2030.
وإذا كان وجود هذه العمالة شرًّا لا بد منه، فلعلِّي أقدم بعض الاقتراحات حسب وجهة نظر متواضعة أتمنى أن تكون فيها حلول ناجعة قد تحد من هذه الجرائم ومنها:
1- ضرورة أن يحمل المواطن هم المسؤولية، ويدرك أنه هو المستهدف الأول في التنمية، وتوفير فرص العمل والحصول على الأمن الغذائي وا لصحي والاقتصادي والوظيفي؛ مما يجعله أمام مهمة وطنية عظيمة بالقضاء على التستر بكافة أشكاله.
2- ضرورة إعادة النظر في العقوبات والجزاءات، والعمل على تشديدها، على أن يتم التعامل مع بعض الجرائم باعتبارها جرائم إفساد في الأرض تؤثر تأثيرًا مباشرًا على النفس المعصومة، ولتصل عقوبتها إلى الإعدام تعزيرًا، كالجرائم المتعلقة بالغذاء والدواء.
3- تكثيف العمل الرقابي على الأسواق. ويمكن الاستفادة من العاطلين والمتطوعين والمتقاعدين في تشكيل فرق عمل رقابية وبمكافآت مقطوعة تصرف في حال اكتشاف
أي مخالفات أو تجاوزات.
4- ربط إصدار إقامة العامل بعد وصوله إلى المملكة بحصوله على دورة تثقيفية عن الأنظمة والقوانين والعادات والتقاليد والعقوبات والجزاءات المترتبة على مخالفة ذلك.
4- إنشاء قناة تلفزيونية متخصصة تبث برامج بعدة لغات لمخاطبة هذه العمالة وتثقيفها دوريًّا، ونشر كل ما يتعلق بالمخالفات والعقوبات المتخذة بحقها.
5- إلزام شركات الاتصالات بإرسال رسائل تفاعلية توعوية تثقيفية حسب لغة المشترك.
6.- ضرورة إلزام القطاع الخاص بمراعاة المسؤولية والحس الوطني من خلال توفير الأمن الوظيفي للمساعدة في دفع الشباب إلى شغل الوظائف وتوطينها.
7- ضرورة استمرار الحملات الأمنية لضبط وترحيل العمالة المتخلفة والسائبة أو تصحيح أوضاعها؛ فهي من يشكل الخطر الأكبر.
وختامًا، لا ننكر أن لغة التعميم غير منصفة، وأن هناك عمالة وافدة على مستوى عالٍ من المسؤولية، وكانت لها مساهمات فاعلة في تمكين القطاعين العام والخاص من النهوض بالمشاريع ودفع عجلة التنمية، ولكن للأسف هي الأقل، وخصوصًا في هذا الوقت، مع بروز القوى الوطنية العاملة والمؤهلة تأهيلًا أكاديميًّا ومهنيًّا محترفًا؛ ما يُوجب على الجميع -قطاعات حكومية وخاصة وأفرادًا- العمل التكاملي المتناغم في سبيل صون المجتمع وحمايته من عبث وخطر العمالة الوافدة..
ودُمتِ يا بلادي بخير وعزة ومنعة..
اقرأ ايضا :