يُعد إطلاق محطة الفضاء الدولية (ISS) إلى مدار الأرض المنخفض (LEO) عام 1998 أحد أبرز ثمرات التعاون الدولي في مجال الفضاء. ومن الأهداف الرئيسة لها هو إنشاء مركز للأبحاث العلمية يخضع لمستوى الجاذبية متناهي الصغر (microgravity) لا يُمكن الحصول عليه إلا عند الصعود إلى الفضاء؛ حيث تحتوي المحطة الفضائية على عدة مختبرات في مجالات العلوم الطبيعية، الفلك، الأرصاد الجوية، الأحياء، والطب.
قد يتساءل البعض عن مدى انعكاس التجارب العلمية في الفضاء على حياتنا على كوكب الأرض، وعن المغزى من تحمل تكلفة باهظة وجهد عالٍ لإجراء التجارب تحت ظروف مغايرة تمامًا لما نتعرض له على السطح. أحد التطبيقات المثيرة للتجارب الفضائية هو عمل التجارب الحيوية في مجال تطوير اللقاحات الطبية؛ حيث يقوم العلماء دوريًّا بدراسة خواص الجراثيم، إما في محطة الفضاء الدولية أو على متن مكوك فضائي حول مدار الأرض. تُعرَّف اللقاحات بأنها عبارة عن مستحضرات حيوية تكون المناعة ضد مرض معدي معين، وهي لا تعالج المرض وإنما تقي منه.
لمعرفة أهمية اللقاحات وعملية تطويرها، ينبغي فهم كيفية عمل المناعة في جسم الإنسان؛ عند حدوث العدوى بجرثومة معينة، يقوم الجهاز المناعي للإنسان بإنتاج أجسام مضادة جديدة لمقاومة الجراثيم، لكن هذه المناعة لا تقوم بدورها إلا بعد إصابة الشخص فعليًا بالمرض، حيث إن الجهاز المناعي يعمل على تذكر جميع الجراثيم التي تمت الإصابة بها مسبقًا كي يتمكن من مقاومتها بشكل فعال في حال حدوث العدوى مستقبلًا. بالتالي فإن الإصابة بالمرض شرط للحصول على المناعة في الحالة الطبيعية. تتكون اللقاحات بشكل رئيسي من جرعة معدلة من الجراثيم التي يُراد كسب مناعة ضدها؛ حيث تم إضعاف حدة هذه الجراثيم كي لا تُسبِّب المرض للشخص المستقبل للقاح. يعمل اللقاح على تحفيز آلية المناعة وإنتاج الأجسام المضادة كما لو تمت إصابة مستقبل اللقاح بالمرض، وبالتالي تكتسب المناعة دون الإصابة بالمرض فعليًّا أو التعرض إلى المضاعفات الخطيرة التي قد تحدث مستقبلًا في حالة الإصابة بالمرض، لا قدر الله.
لمستوى الجاذبية متناهي الصغر والموجود على متن محطة الفضاء الدولية أثر على الكثير من العمليات الحيوية، وأحد هذه الآثار هو زيادة حدة الجراثيم بشكل عام، إضافة إلى ارتفاع سرعة نموها وانتشارها. بالتالي فإن دراسة الجراثيم في الفضاء، وهي في أعلى حالات حدتها يزيد من فهم العلماء لآلية عمل الجرثوم وللجينات المسؤولة عن التحكم بحدتها بشكل أعمق؛ ما يمكن من استهداف تلك العناصر عبر الهندسة الوراثية، وبالتالي إضعاف الجراثيم بشكل أكثر فاعلية لاستخدامها في تطوير اللقاحات.
رغم الفرص المتاحة من الفضاء لتطوير مقاومة الأمراض داخل نطاق جاذبية الأرض، فإن انعدام الجاذبية في الفضاء يُمثل تحديًّا بحد ذاته نظرًا لقلة كفاءة أجهزة الجسم في التكيف مع هذه البيئة الغريبة على المدى الطويل. قد تكون التجارب الطبية الحالية على متن محطة الفضاء الدولية هي بداية تجاوز مصاعب الخروج من موطننا الوحيد وهو كوكب (الأرض) والانطلاق نحو العيش في كواكب أخرى.