قال تعالى ( وقضى ربك الا تعبدو إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) صدق الله العظيم
صورة والدي الشيخ / عبدالرزاق صالح بوقري رحمه الله تعالي لا تزال تلوح في خيالي ويسر بها خاطري فهي ومنذ وفاته قبل شهر يرحمه الله لم تغيب ولن تغيب مادمت حيا، وصوته العذب المليء بالعطف والحب والحرص والتربية أسمع صداه يتردد بين أوتار قلبي ودهاليز فؤادي، هذا أبي الكريم لن أوفيه ولو جزءاً قليلاً من بحر صدفات حبه لنا وخوفه علينا وتضحيته من أجلنا مهما قلت فيه ، يسيل غيث العين دموع حزن ويجف مداد قلمي قبل أن توفيك حروف كلماته حقك ، وتنتهي الأوراق ، وما عساي أن أقول في سيدي ووالدي وصديقي وأخي وحبيبي ودليل دربي ونوره ومعلمي وصاحب الفضل الأول بعد الله علي ، أنني واخوتي نفخر ونتشرف ونتعهد بحمل المسؤولية التي تركتها لنا إرثاً يرفع هامات رجال صنعتهم بتوفيق الله وزرعت فيهم النجاح والعزيمة، نعم أنا أعتز وأنتمي إسماً ونسباً لرجل أعمال ناجح فاق طموحه المستوى المحلي داخل الوطن الغالي المملكة العربية السعودية وذهب إقليمياً صوب آفاق الخليج العربي بل واتجهت سحب نجاحه وذكاءه نحو خارطة الشرق الأوسط، ليتولد لديه الطموح ويزفه عشق التجارة والأعمال للوصول إلى قارة أوروبا، ويتجاوز المحيطات إلى أمريكا ، واليابان والصين وكوريا وشرق قارة آسيا، رجل ناجح بكل المقاييس يرحمه الله، بالطبع كل ذلك التجوال وممارسة التجارة والأعمال كانت وسيلة تنقله سفينة ( الأمانة والصدق وأحترام الآخر ) التي ورّثها له والده (جدي) المرحوم الشيخ / صالح عيسى بوقري.
حِرص والدي الشيخ عبدالرزاق البوقري رحمه الله على تواجدي في اجتماعاته الدائمة
والتاريخ وذاكرة من تعامل معهما لا يستطيع انكار ذلك، إلا أن يكتب بصماتهما بأحرف من ذهب. وقطعاً سأسعى جاهداً كي أكون تلك الموجة المسالمة الآمنة التي تثري بحرهما بمزيد من العمل والجهد ليزخر بأجود أنواع صدفات البحر ولؤلؤه الأصيل لوالدي وجدي العملاقين، رحمهما الله، وأعمامي رحمهم الله مرجعي الأول وطبعاً لا قيمة لأحد بدون نسب بيت (البوقري) العائلة المكية البسيطة في منطقة الحجاز عبر تاريخ طويل والتاريخ والبيوت شواهد على ما أقول.
والدي وسيدي الكريم إن يوم 21- 10- 2020م، يسجل شهراً كاملاً على فراقك وغيابك عنا جسداً ولكنك تبقى في قلوبنا روحاً، أسأل الله أن يجعل لك في قبرك نوراً ويجعله روضة من رياض الجنة.
صورة تجمعني بوالدي رحمة الله عليه وشقيقي الأصغر محمد في مناسبة خاصة
والدي يا حبيبي كم كانت تلك اللحظة مؤلمة وقاسية علينا ونحن في وداعك الأخير نحثو على جسدك الطاهر التراب ونوسدك الثرى ولكنها سنة الحياة، فثرى قبرك تحت الأرض أحب إلى قلبي وروحي من كوني فوق الأرض. والحمد الله على كل حال وإنا لله وإنا اليه راجعون . وكل نفس ذائقة الموت نرجو الله أن يتولاك في من عنده من الصالحين الأخيار، وإنا بك ان شاء الله من اللاحقين.
صورة تجمعني بوالدي خلال عيد الفطر المبارك
والدي نم قرير العين ، مرتاح النفس مستقر البال لقد خلفت أبناء صالحين بإذن الله يدعون لك ويواصلون برهم لك كما كانوا وأنت على قيد الحياة، لك مني ومن توأم روحي شقيقي الحبيب والقريب إلى نفسي أخي محمد رعاه الله الدعاء، فلك منا العهد والوفاء ، فجل الوفاء يكون في الأموات قبل الأحياء.
صورة للدكتور أحمد البوقري في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة حول قبر والده عليه رحمة الله
والدي ورب الكعبة اني لفراقك لحزين ولا يعوضني عنك وعن والدتي حفظها الله ولو طوقت لي الدنيا وما عليها.
بعد مرور شهر من رحيل والدي الغالي في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة
أما والدتي الغالية أم أحمد، أسأل المولى عز وجل أن يطول في عمرها وهي ترفل بثوب الصحة ورداء العافية، ومن هنا نطمئنك أن رفيقة دربك وسندك بعد الله وشريكة حياتك في السراء والضراء بأنها ستكون في حباب العين سكناها وداخل دهاليز الفؤاد مستقرها ، (أم أحمد) في أيدي أمينه، فهي أمي وحبي الأول والأخير، الحب الصادق والذي يعطي بدون مقابل، وعطائها بسيل لا ينقطع. فوالدتي هي شرايين قلبي التي تمده بالحب نبضاً والحنان براً وطاعة. هي والدة الدكتور أحمد عبدالرزاق صالح بوقري.
نحن ابنائها نفخر ونتباهى بها ولا زلنا وسنظل في المجتمع، فلا تدري حفظها الله كيف أكون في قمة البهجة والسرور حقيقة لتشرفي بأنها أمي، كما وأنها تزيدني فخراً واعتزازاً كونها زوجة صالحه لمدار ستة وخمسون عاماً. ليت النساء مثلك يا أماه، حفظك ورعاك الله. وعهداً علي قبل أن أكون ابنها ، فأنا خادمها ومتباهين بكما أمام الله ثم عباده ، أليس الله عز وجل ينادي عباده فلان ابن فلان ، فالله أعلم بمكانة الأم ، كما أوصى رسول المحبة والسلام بالأم ثلاث مرات، حقك لي يا والدتي العرفان بالجميل في حياتك ابقاك الله ورحم قلبك كوني من أعلم الناس ما يشكل لك أبا أحمد.
خلال استقبال المعزين في الوالد الشيخ عبدالرزاق البوقري رحمه الله انا وشقيقي محمد
رحمك الله والدي وأسكنك فسيح جناته ، وحفظ الله والدتي أم أحمد ، وسأظل طوال ما بقي قلبي ينبض مترحماً لوالدي وأقدم له صالح الأعمال وأن يتقبل دعوتي، ففقدك والدي نعم كسر ظهري، ولن أضع مسمى قبل أسمي ، سأظل خادمكم والذي سعى ويسعى لبركم ورضاكم أبنكم احمد بن عبدالرزاق البوقري.
الدكتور احمد وبجانبة شقيقة الاصغر محمد خلال تلقي واجب العزاء وهو يعتبر الشقيق الوحيد للدكتور والمقرب له جداً
وتجسيداً لهذه المحبة التي وهبها الله هذا الرجل الفاضل تتجلى في أخي الأستاذ ابراهيم البهكلي كلمات الوفاء التي صدرت من قلب محب فهو شاهد عيان لبعض الوقائع وما نطق إلا صدقاً حيث كتب في والدي رحمة الله عليه يقول :
الشيخ عبدالرزاق البوقري أحد أشهر أعيان الأسر الكريمة بالمملكة وخاصة منطقة مكة المكرمة وأحد أشهر رجالات الأعمال المعروفين في داخل الوطن وخارجه، عرف عنه لدى كل من عرفه بالصدق والأمانة والتواضع وحسن الخلق وحب الناس.
وما لفت انتباهي من ذلك إلا موقف نبيل تمثل في ابنه الدكتور أحمد، عندما وقف وعرفني بشخصيتين كريمتين الأول المرافق والصديق المقرب للفقيد طوال أكثر من 45 عام، والأخر لا يبعد عنه في العمر وهو السائق الخاص لوالده وخزينة أسراره وهما من جنسية العربية، استأذنت أخينا العزيز الدكتور أحمد "أبا نواف" للحديث مع هاذين الرجلين الكريمين فإذن لي.
وسألتهم عن ذلك الموقف الذي أثرهم به ابن الفقيد ليكونا ضمن صف المتقبلين للعزاء في والده، وهنا امتزجت دموع الحزن العميق مع دموع النبل والأخلاق والأدب والتعامل الذي زرعه وأصله المرحوم في أبناءه حيث اتفقا في ردهم بأنهما لم يستغربا هذا التصرف من الأبن الأكبر وشقيقه لأن من غرسه واعتنى به كبر فيهم وأصبح ديدن خلقهم وحياتهم ،وتابعا .. أن هذا الموقف المعنوي والإنساني قابله للأسف بعض الناس باستغراب. علما بأنهم يعرفون مدى علاقتنا بالمرحوم .
الدكتور احمد البوقري يطلب من المرافق الخاص لوالده وسائقه الخاص التقدم لمشاركتهم في استقبال المعزين في والده
هنا سائق الشيخ عبدالرزاق البوقري " رحمة الله " خلال تلقيه التعازي من المعزين بعد ان طلب منه الدكتور أحمد الوقوف جنباً الى جنب لتقي التعزية في والده
ولكن كل الذي يهمنا هو حبنا وولائنا لذلك الرجل الذي فقدناه أخا وأبا وصديقا وولي نعمتنا بعد الله .
فلا نملك له جزاء على ما قدم لنا وأبنائنا إلا الدعاء بأن يرحمه الله ويغفر له ويثبته ويدخله فسيح جناته.
أما أنا بالنسبة لي ومن خلال ما التقيت وسمعت من الرجلين، أعلق وأوجه سطور كلماتي الى هذه النوعية والفئة المغلفة بالإنسانية والمرتدية قناع الحقد أقول لهم، اتقوا الله فيما تحملون من حقد ومشاعر مزيفة تجاه بني الإنسان إن كان عربياً أو أعجمياً فالدين واحد.
وأسألهم أين تعليمكم وأين ما حفظتموه من القرآن ودرستموه في سنة نبيكم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .
فالله سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) لم يقل أغناكم ولا وجهائكم.
وجاء في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( ألا أنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد وحتى لا يتكبر أحد على أحد ، ومن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة وأورده رب العالمين النار) وموقف سيد الخلق نبينا محمد عليه أفضل السلام وأزكى التسليم، عندما أشتكى إليه بلال بن رباح ، أبا ذر الغفاري فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ( أنت أمرؤ فيك جاهلية ).
صورة تجمع الدكتور أحمد البوقري بالسائق الخاص لوالده عبدالخالق باصافي
وأختم بموقف سجله التاريخ واحتوته الكتب للملك فيصل يرحمه الله وهو الذي ألغى وأنهى حقبة الرق والاستعباد في المملكة، حيث كان يرحمه الله في زيارة الى مقر الأمم المتحدة بأمريكا لحضور اجتماع رسمي ، وبعد انتهاء الاجتماع خرج والوفد المرافق له لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم القريبة هناك ، ودخل معهم وكان معهم رجل بشرته سوداء ، وكانت في تلك الفترة العنصرية ضد السود منتشرة بكثرة حيث جلسوا في المطعم ثم قدم لهم جميعاً الخدمة وتقديم الطلبات، ولم يقدم لذلك الرجل أي خدمة أو طعام لأنه من ذوي البشرة السوداء، فما كان من جلالة الملك فيصل يرحمه الله إلا أن قام من مكانه أمام الجميع وأخذ يقدم الطعام والشراب بنفسه لذلك الرجل موضحاً الصورة الحقيقية عن التعامل والمساواة في ديننا الاسلامي.
والشاهد في هذا الموقف هو أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس سواسية وهو سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورنا ولا مناصبنا ولا شهاداتنا ولا إلى أموالنا بل ينظر الى أعمالنا، فلنعتبر ونتدارك ما بنا من تقصير.
وللأمانة مبادرة أخي وصديقي الغالي الدكتور أحمد البوقري بأن هاذين الرجلين رافقا والده لسنوات طويلة وكان والده كما قال يتعامل معهما معاملة الاخوان والأصدقاء والاحترام والمحبة، وكان غفر الله له يحرص على أن نحترمهم مثل احترامنا وتقديرنا له.
وختاماً أقول: أخي الكريم أحرص أن تنظف قلبك وتنقي سريرتك ، وتذكر أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. فمن أنت ؟؟؟ أرجوا أن تكون محبتي لكم وصلت في ثنايا هذه الرسالة.
أما ما قاله أخي وصديقي الإعلامي صالح سالم عن ذلك الموقف الذي حضره وعاينه بل ورصده بعدسة كاميرته حين قال لي لم أشاهد وفاءاً مثل وفاءك يا دكتور نِعم من رباك وهو حقيقة لم يكن يعلم بقدر هؤلاء الذين تحدث عنهم اخي ابراهيم البهكلي عند والدي.
حيث جسد لي هذه المقالة التي عايشها روحاً دون جسد عن الوالد فكتب:
لقد فقدت المملكة عامة ومكة خاصة رجلاً من أنبل رجالها وابنًا من أوفى أبنائها وإنسانًا من أحتار أنا شخصياً في كيفية كتابة رثائه ومن أين أبدأ بالتحدث عن أخلاقه الحميدة وتواضعه الجم الذي لا حدود له وترحيبه بك في بيته العامر رحمة الله عليه بأن يخجلك وهو واقفاً رغم مقامه الكبير عندي وعند كل من يعرفه.
هذا هو المرحوم العم عبد الرزاق بن صالح البوقري والذي حاولت وأنا واقف مع الواقفين المعزين في الصف لتقديم واجب العزاء في مكان مثواه الأخير أن أخفي دموع الحزن والألم عن كل من كان أمامي حتى فقدت سيطرتي عندما وقف أخي الشهم النبيل الدكتور أحمد بن عبد الرزاق البوقري ليطلب من أثنين مما رافقا والده طيلة حياته أن يتقدما اليه ويأخذا العزاء في والده هما مرافقه الدائم وسواقه الخاص حينها لم أستطع ايقاف دموعي وأتمالك نفسي بأن تتوقف دموع الحزن قبل الوصول إلى صفوف المعزين في العم عبد الرزاق.
من كان يعرف العم عبد الرزاق الذي يؤسفني أن عيني لم تراه ابداً ولم التقي فيه يوماً أن استشعر واعيش هذا الكم من محبه من حوله له، لكني اليوم أكتب لكم مما حدثني عنه أبنه البار الدكتور أحمد، فكتبت وكأنني اشعر أنني مرافقه دوماً في مجالسه ومستمع لحديثه ، له في القلب محبة ومعزة سمح الوجه والابتسامة من خلال ترحيبه يشعرك بالجلوس بجانبك ويتحدث معك حديث الرجال الوقورين الذين لا تمل من أحاديثهم وأنت لا تعرف ماذا يدور بخاطرك لمحبة هذا الإنسان الطيب بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
إن كل كلمة أقولها في رثاء المرحوم العم عبد الرزاق البوقري لا يمكن أن توفي فقيدنا الغالي في مايستحقه من ذكرى عطرة ستبقى خالدة في نفوسنا نتذكر هذا الرجل ولن يغيب عن بالنا لأن مثله يتمتع بدماثة الخلق وحسن المعشر، فالرحمة الواسعة له داعين الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يشمله بالعفو والمغفرة والسكينة في جناته.
وتعازينا الحارة لأهله وذويه وأصدقائه ومحبيه وأنا منهم والله يصبرهم ويصبرنا على الفراق الأبدي ويصبر رفيق طريقه وصديق عمره وابنه وحبيبه الدكتور أحمد وابناءه جميعاً وزوجته أطال الله في أعمارهم
هذا هو رثاء المحبة أقوله بصدق الكلام لمن يستحق أكثر مما قلته في حقه رحمة الله عليه. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وداعاً والدنا الغالي الشيخ عبدالرزاق صالح عيسى بوقري " رحمك الله "