الأراء

المحقق كورونا

فهد بن جابر

ولا يزال كورونا متربعًا على قمة أخبار العالم بأسره. فيروس أوقف حركة الطيران، وأقفل حدود الدول، وتدخل في أسعار النفط، وفضح دولًا ورفع أخرى. كورونا ليس كأي فيروس، لكورونا الصدارة في كثير من الأمور.

حتى على المستوى رسائل الأصدقاء، وأحاديث العائلة، وجهود أصحاب الأعمال؛ لا يرضى بغير الصدارة، والسؤال الأهم: هو ما ماهية تلك الرسائل والأحاديث؟ وفي أي جهة تصب؟

ما لا شك فيه أن الناس تتباين في التعاطي مع أي حدث؛ ولكن التمييز بين المصيب منهم والمخطئ- عادة- يكون بعد انتهاء الحدث. كثيرًا ما يصلني حول كورونا من أصدقائي- باختلاف اطلاعهم الثقافي، ومستواهم والتعليمي- ما لا يخدم المصلحة العامة، ولا يشد على يد الأسرة والفرد في تطبيق متطلبات الوزارات المعنية. أغلب ما يصلني هو إما سخرية من الحجر المفروض، وإما حظر التجول الذي كان لا بد منه لكبح جماح انتشار هذا الوباء. ما لا يعيه الجاهل هو أن الدولة- لأجله- تكبدت من الخسائر المادية ما لا يستطيع أن يُقدره، في حين أن الدُول المتشدقة بحقوق الإنسان سَقطت أمام المحك المالي. وفي حين أن الدول الراعية للإرهاب- والمتباكية على الشعوب خارج حدودها- تقتل شعبها بصمت مخيف تحت أجنحة الليل البهيم، والتضليل الإعلامي بسوء الإدارة تارة، وبضعف الإمكانيات تارة.

ما لا يعيه ذلك الجاهل أنه بتلك الطُرَف يرسخ في عقل أفراد الأسرة أن الحجر سجن، وأن الحظر كتم للحرية. ما لا يعيه ذلك الجاهل أن مُرتبات الموظفين لم تتوقف، وأن الاستقطاع تجاه القروض تم تأجيلها، وأن الخدمات لا تزال تُقدم إلكترونيًا. وما لا يعيه ذلك الجاهل أن هذه الاحتياطات الاحترازية هي الفيصل بين قتل شعب وحفظه. الدولة تدرجت في الخطوات الاحترازية حسب مقتضيات الوضع، وبلغت ما بلغت لأجلي وأجلك، لذلك فإن واجبنا الوقوف معها، لا ضدها وضد أنفسنا.

دروس وعِبر من هذه الجائحة العالمية، أولها كشف كثير من العقول، وثانيها مصداقية الدول حول ادعاءاتها، ويليها وعي الحكام بما يجب، وما يتنازلون عنه لأجل شعوبهم، وأخيرا مدى تفاعل تلك الشعوب مع توجيهات قياداتها.

للأمانة فإن الوعي الشعبي كبير جدا، وهو ما يتضح في استمرار انخفاض عدد الحالات المسجلة منذ بداية اتخاذ تلك الإجراءات الاحترازية؛ ولكن عَتَبي على استمرار العزف على وتر الطُرفة، التي هي أسرع وسائل ترسيخ المعلومات والقيّم.

أخ أصغر غيور على وطن وشعبه نزف حرفًا؛ يرجو أن يكون مكان تقدير وقبول.

اقرأ ايضأ :

مرر للأسفل للمزيد