الأراء

قانون نيوتن في حياتنا

فهد عامر الأحمدي

ينص قانون نيوتن الثالث على أن: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة، ومعاكس له في الاتجاه..

وأبسط مثال على هذا القانون هو (البندقية)، التي تنطلق منها الرصاصة (من الأمام) فتعود البندقية (إلى الخلف) بقوة معاكسة، تساوي انطلاق الرصاصة..

وهذا المبدأ هو ما يجعل الصاروخ ينطلق (للأعلى)، بقوة مساوية ومعاكسه للغازات المتفجرة (التي تخرج من الأسفل)..

وأنا شخصيا أملك قناعة كبيرة بأن قانون نيوتن الثالث، ينطبق أيضا على حياة البشر والمجتمعات...

فسواء في حياتنا الخاصة أو العامة؛ نلاحظ دائما أنه «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه»...

خذ كمثال محاولات الإقلاع عن التدخين، والالتزام بالريجيم، وممارسة الرياضة، وكيف أننا نتعامل معها من خلال ردود الأفعال وحالات شد وجذب وردود فعل متعاكسة.. فبقدر التزامنا بهذه المحاولات، تظهر لاحقا حالات فتور (وردود فعل معاكسة)، من الكسل والشراهة والتدخين المفرط ...

أيضاً قانون نيوتن الثالث ينطبق على المجتمعات البشرية التي تمر خلال تاريخها بردود فعل فكرية وأيديولوجية مماثلة لها في القوة ومعاكسة لها في الاتجاه.. فـالحرب العالمية الثانية مثلاً ظهرت كـرد فعل لاستسلام ألمانيا المهين في الحرب العالمية الأولى، «حيث عزم هـتلر على رد الإهانة واستعادة كرامة الأمة الألمانية».. كما تسبب انهـيار الأنظمة الماركسية المنغلقة في روسيا والصين بردود فعل عكسية نحو الانفتاح الاقتصادي والتحرر الاجتماعي وإعادة بناء كل معـبد وكنيسة تم تدميرها في عهد ستالين وماوتسي تونج.. حدث هذا أيضاً في كمبوديا وفيتنام، ويحدث حالياً في كوبا وإيران، حيث كبت الحريات نجم عنه توجه معاكس نحو المزيد من التحرر والانفتاح ومقاومة التزمت الأيدلوجي..

وحين أتأمل حال مجتمعنا المحلي أرى أنه مــر بدوره بردود فعـل معاكسة للتطرف، والانفتاح، على حد سواء.. بدأ مع عهد الملك عبدالعزيز الذي أدرك استحالة بناء دولة عصرية بوجود الإخوان المتشددين (الذين انشقوا عليه بحجة رفضه محاربة الجيوش البريطانية في العراق والخليج).. وبعد تحييدهم دخل مجتمعنا في مرحلة انفتاح واعتدال حتى أتى غزو أفغانستان، وطغى التيار المتشدد مرة أخرى تحت مسمى الصحوة..

وخلال فترة الصحوة، تم اختلاق آلاف المحرمات الجديدة، والتضييق على الناس، والتدخل في حياتهم وعباداتهم، لدرجة تراكمت مواقف مضادة لدى غالبيتهم.. وعند حد معين انكسر جدار الصمت، ولمسنا بوادر انفتاح معاكسة «يظنها البعض مفاجئة» ولكنها ردود فعل معاكسة لحالة كبت وتضييق استمرت لثلاثين عاماً..

وما أخشاه هو أن حالة الانفراج الحالية ستولد حالات استياء مكبوتة ستنتهي «ربما بعد ثلاثين عاماً من الآن»، بـردود فعـل معاكسة تعيدنا مجدداً لحالة التشدد الفكري والاجتماعي التي مررنا بها مرتين... حتى الآن...

أرجو أن نعي هذه الظاهرة ولا نساهم «هذه الأيام» في بناء حالة كبت أو انفتاح مضادة قد تنفجر مستقبلاً في الاتجاه المعاكس.. يجب أن نتصرف باعتدال وعقلانية ونبني مجتمعاً طبيعياً (معتدلاً ومتفهمًا)، مثل مجتمعات عالمية كثيرة لا تملك مواقف فكرية حادة أو ردود فعل متذبذبة..

باختصار؛ يجب أن نـتنبه لنتائج قانون نيوتن في حياتنا الخاصة والعامة، ونحد من توجهاته المعاكسة وردود أفعاله القاسية.. أن نتعلم كيفية تجاوزه من خلال تفهم طريقة عمله - أو على الأقل التخفيف من حدته من خلال التدرج والتسامح وعدم المبالغة في ردود الأفعال ذاتها...

مرر للأسفل للمزيد