الأراء

في ظل التحول الرقمي المهيب.. الإذاعة والتلفزيون إلى أين؟

محمد الرساسمة

لعل السؤال الأبرز لدى أشد المتفائلين في كينونة الإذاعة والتلفزيون، هل سيأتي يوم وقد خسرت فيه بريقها؟ هل تنحدر إلى القاع بعدما كانت في القمة؟

بين الماضي والحاضر

خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي شهدت الإذاعة والتلفزيون أوج عطائهما، وتحديداً التلفزيون لا سيما بعد انتشار البث الفضائي، والذي كان نقلة نوعية وحلماً للملايين حول العالم، لكن التحول الرقمي الذي جاء مع نشأة الإنترنت قلب كل الموازين،وكان البداية لنهاية حقبة تسيدت فيها الإذاعة والتلفزيون الساحة.

فأصبح هذا التحول أداة تستخدمها عشرات الأيادي داخل كل منزل، وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي، فأي منا لا يملك حساباً في واحد من تلك الوسائل والتي كلنا يحفظها عن ظهر قلب، والآن أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عاداتنا اليومية، وأكاد أجزم أن أغلبنا لم يعد يرى في الإذاعة والتلفزيون الوسيلة الأولى لتحقيق الرغبات، فهواتفنا تعج بالصفحات الإخبارية والرياضية والثقافية والاقتصادية.

محاولة للحاق بالركب

لعل ما يحفظ ماء وجه الإذاعة والتلفزيون مواكبة التحول الرقمي، فبتنا نشاهد الإذاعات تبث أثيرها عبر الإنترنت، وكذلك أصبحنا نشاهد الفضائيات تشارك بثها المباشر في مواقعها الإلكترونية، ولكن السؤال الذي سيبقى دوماً إلى أي حدٍ يستمر تسلح هذه الوسائل؟ بيد أن التحول الرقمي أيضاً يسابق الزمن فبتنا نرى الواقع الافتراضي والميتافيرس والوسائط التفاعلية، والبودكاست وغيرها، فلم يعد المستخدم لتلك التقنيات مجرد مشاهد سلبي لا يقدم ولا يؤخر، بل أصبح لاعباً نشطاً في هذا العالم.

مآخذ وحوافز

إذا ما نظرنا إلى ما تتسلح به الإذاعة والتلفزيون فإننا نرى بأن الإذاعة موجهة للأفراد حيث أن المذيع يشعرك أنه يخاطبك وحدك، إضافة إلى أنها وسيلة مجانية، وأصبحت الآن متوفرة في جميع الهواتف النقالة، إضافة إلى أنها تستخدم في كافة الأوقات، فيمكنك الاستماع إلى الراديو سواء كنت في المنزل أو السيارة أو المكتب، بينما التلفزيون موجه للجماعة، وهو أيضاً لا يكاد يخلو منزل منه، ولعل بصيص الأمل في عالم التلفزيون هو القنوات الرياضية التي تبث الأحداث الرياضية والفعاليات والمسابقات الدولية، ومن المآخذ التي يتبناها رواد هذه الوسائل على التحول الرقمي، أنهم يروا بأن المنكبين على مواقع التواصل الاجتماعي فقدوا الاجتماعية مع ذويهم فقد باتوا فرادى منعزلين عن من يجاورهم وهذا لا يحدث مع التلفزيون البتة والذي يجمع العائلة أمامه ولطالما شهد الفشار بذلك، لكن الهاتف المقترن بوسائل التواصل الاجتماعي يفرقها ويمزق وحدتها.

لربما تبقى هذه الآراء مجرد ادعاءات قابلة للصواب أو الخطأ لكنها الدرع الذي يستخدمه المنظر للإذاعة أو التلفزيون.

إحصائيات وتوجهات

ترى بعض الإحصائيات أن كبار السن مرتبطون بالإذاعة والتلفزيون أكثر من أي وسيلة أخرى، فهم يرون فيها موروثهم وتاريخهم، إلا أن الشباب يميلون إلى خدمات البثّ مثل: "شاهد ونتفلكس" ومواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي.

من يردم الهوة

إذا ما أرادت الإذاعة والتلفزيون العودة لبريقهما فعليهما صياغة الحسابات مرة أخرى، التحدي أمامهم كبير، فهم أمام عملاق يطور في كل يوم من نفسه، ولعل الوسيلة الأبرز أن تلبس هذه الوسائل ثوباً جديد، لا يغير من أساسها لكنه يدمجها ويواكبها مع التطور الجاري، ببساطة نحن أمام مصطلح جديد وهو الإعلام المدمج، نعم إننا أمام واقع مغاير، فالإعلام الجديد سيكون منصة الإعلام التقليدي، فيا حبذا لو كان المختصون في الإعلام الرقمي والتقليدي متصالحين، واتفقا على حاجة كل منهما للآخر.

ومن هنا تنبع ضرورة تغيير الإذاعة والتلفزيون محتواها وتجعله مناسباً للجمهور الجديد من برامج أو مسلسلات، وأن تستثمر أكثر في اتجاه التحول الرقمي فهو الحاضر قبل المستقبل، ولعل هذا الموقف يذكرني بتجربة شركة نوكيا بعدما كانت في قمة العالم في صناعة وبيع الهواتف النقالة حتى آبت في مصاف المتأخرين..

مرر للأسفل للمزيد