عندما نتطرق للحديث عن المرأة العاملة، فبإمكاننا أن نوجزها -بتعريف بسيط- بأنها ذلك الكائن البشري الذي يتحمل مسؤوليات عظيمة وهموم كثيرة هي أشبه بالأخطبوط، الذي عليه أن ينجز عدة مهامّ في وقت واحد، وما يتطلب إنجاز تلك المهام من جهد بدنيّ وضغط نفسي ومتابعة مستمرة، فقد تكون هي الأب في غيابه أو وجوده، وهي الأخت الكبرى في غياب الأخ أو في وجوده، هي مَن عليها أن تبادر، تعطي، تضحي بدون تقديم مبررات وبلا تهاون أو كسل، تخرج في الصباح الباكر لعملها بكلّ جدية ومثابرة، ولها من الحظوظ الجيدة أو السيئة نصيب، قد تكون تحت رئاسة مدير متسلط لا يقدّر الجهود ويتصيّد الأخطاء، أو قد تكون ضحية لبيئة عمل طارده أو فريق عمل سيّئ أو قد تكون المهامّ الموكلة لها فوق طاقتها وأكبر من قدراتها، ما يشكل لها تهديدًا نفسيًّا وتدميرًا لطاقاتها، ومع كل هذه الحظوظ أو بعضها، تعود إلى منزلها متعبة مرهقة، وتحتاج إلى أخذ قسط قليل من الراحة، ولكن للأسف يكون بانتظارها جدول جديد مليء بالمهامّ، فهذا الصغير المريض يحتاج إلى رعاية، وتلك الابنة تحتاج إلى متابعة دروسها، وذلك المراهق ينتظر منها أن تجلس معه، تحاوره، تصادقه وأن تظل محتفظةً بابتسامتها ورباطة جأشها أمام عناده وتزمّته، وذلك الزوج المتسلط يطلب منها أن تجهز له ما لذ وطاب من أصناف الطعام، وأن تكون بأحسن هندام وبمعنويات مرتفعة، وأن تشارك أهله أفراحهم ومناسباتهم، وإن كانت هناك مناسبة عائلية، فالكل ينتظر ما ستقدمه زوجة فلان الموظفة، فهي قادرة على تقديم ما غلا ثمنه وعلت قيمته، ومهما اجتهدت المسكينة في تقديم واجب الولاء والطاعة، فهي تظل بنظرهم مقصرة، فهي لم تقدم ما يليق بكونها موظفة. ويضاف إلى ذلك ضريبة جديدة تتحملها، وهي "ضريبة العمل"، فراتب العاملة المنزلية والسائق الشخصي هي مسؤولة عنه، ولا نغفل عن متطلبات الأبناء، فهذا يريد أحدث جهاز اتصال، وتلك الفتاة تريد أن ترتدي من ماركة معينة، فكونها ابنة موظفة لا يجوز لها أن تقبل بأقل من ذلك، وكذلك الزوج الذي يكون موضع تندّر من زملائه وأصدقائه، كيف تكون زوجتك موظفة وتقود سيارة بهذا الموديل!!؟؟
لتدخل تلك الزوجة المسكينة في دوامة من اللوم والعتب والمقاطعات العائلية والاستنزاف النفسي والجسدي وجلد الذات، وتغرق في بحر الديون والقروض لإرضاء الآخرين، ومداراة خاطر فلان وتحقيق رغبات علان، فنجد تلك المسكينة في المناسبات العائلية تبدو شاحبة اللون مشتتة الذهن في داخلها بئر عميق من الهموم، وترتدي أبسط الأزياء وأرخصها ليتهامسوا من حولها، لا نعلم لماذا تبخل على نفسها وتكنز تلك الريالات؟! ولمن تخبئها؟!.عجبًا لفئة من المجتمع لا يرحم ولا يقدّر تعب وشقاء وكفاح تلك المرأة المستنزفة، ويحضرني موقف في أحد البنوك لإحدى السيدات العاملات، والتي تنتظر دورها لأخذ قرض بنكي، وكانت تبكي بخفاء وحرقة وألم، وعندما سألتها عن سبب حزنها أجابت بحسرة، أنها مضطرة لاقتراض هذا المال تحت تهديد من زوجها. أما هذا القرض أو الاستقالة من الوظيفة، وغيرها كثير، اللواتي لا يملكن حق التصرف برواتبهن، وليس لديهن حتى الحق في امتلاك بطاقة الصراف الخاصة بهن.. الحديث بهذا الأمر ذو شجون، وكثير من المواقف المحزنة والمبكية، والتي ينفطر القلب وجعًا عند سماعها وتختنق الحروف حرقة عن التعبير عنها فقط، قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "رفقًا بالقوارير"، لكن قوارير بعض مجتمعاتنا كسرت وتحطمت على أيدي من لا يخافون الله فيهن.
رفقًا بقوارير نست نفسها في غفلة من عدالة البشر وقسوة جلاديها، لتنير طريق من حولها وتنطفئ هي بالإهمال والجحود والنكران والاستغلال.
اقرأ أيضًا: