الأراء

مرحلة شد الحزام

فهد بن جابر

مما لا شك فيه أن الحياة لن تستقيم لأحد كما يشاء، وإلا لفعلتْ لمن هو خير منا من الأنبياء والصالحين.

ومن المعلوم أن عدم استقامتها هو ميزة لا عيب؛ فلن نستطيع العيش في ليل أبدي، ولا في نهار سرمدي.. نحتاج إلى الطعام وللنوم، كما نحتاج إلى اليقظة والصوم؛ وذلك لنعبد الله وهو ما خُلقنا لأجله، ولنَصِح ونعمُر الأرض.

أزمة كورونا وما تبعها من أثر على دول العالم كافة، حريٌ بنا أن نتفكر فيها، ثم نتدبر، وأخيرًا لنتخذ الإجراءات اللازمة.

تباينت الدول في تعاملها مع الأزمة، حسب نضوج خبراتها بالتعامل مع الحشود وتبعاتها، وحسب حزمها السياسي داخليًّا وخارجيًّا، وحسب بُناها التحتية وتجهيزات مستشفياتها، وحسب القدرة والمرونة في تغيير سياساتها حسب المتطلب للتأقلم مع الوضع. والأهم من كل ذلك: أجندة أولوياتها. وحمدًا لله أن حياة المواطن كانت أوليات بلادي، لا اقتصاد الدولة كما عند البعض.

ومع كل مستجد على الساحة، يعطينا الوطن الدروس في فنون التعامل.. تخيَّل لو أن لنا مواطنين عالقين في دول أخرى كما لبقية الدول.. تخيَّل أن الدولة لم تمنع السفر الخارجي والداخلي.. تخيَّل أن الدولة لم توفر تلك الفنادق للقادمين من الخارج إلى أن يتم التأكد من سلامتهم.. تخيَّل أن الدولة لم تتخذ الإجراءات الاحترازية بمنع المناسبات الاجتماعية، والتظاهرات الرياضية والثقافية، بل تخيَّل أن الدولة لم تعطِ فرصة لمواطنيها (المخالفين بالسفر للدول الموبوءة) بالتصريح، مع إسقاط العقوبة.. ما نوع الكارثة التي كانت ستحدث؟! تخيَّل وتخيَّل...

كل تلكم الإجراءات كانت تستنزف موارد الدولة المالية، وصادف ذلك انخفاض سعر برميل النفط. الجيد أن هنالك خططًا احتياطية، وأن هنالك موارد أخرى متاحة، وأن هناك خططًا بديلة.

شخصيًّا، كنت أتوقع إجراءات صارمة أكثر تخص الإلزام بالحظر الاحترازي، وكذلك توقع إجراءات مالية أشد لسببين هما: الأول- أن الأزمة أثرت على جميع قطاعات الدولة، كما فعلت مع بقية العالم، وأولها أسعار البترول، والانخفاض الكبير في المبيعات بشتى أنواعها. والحمد لله أن الحياة تسير هنا بشكل طبيعي؛ من ناحية توفر المنتجات، وثبات الأسعار، واستتباب الأمن تحت كل الظروف.

والثاني أن الدولة تكبَّدت الكثير من رواتب الموظفين، سواء في القطاع العام أو الخاص.. تحملت الكثير ودفعت من ميزانياتها رواتب العمال في القطاع الخاص مراعاةً لما مسَّه من الضرر بسبب هذه الجائحة.. تلك المبالغ لم تكن مخصصة لذلك.

الجيد أن الدولة تملك تلك السيولة، وإن كانت غير مخصصة لذلك. أتساءل: ماذا لو لم تكن للدولة مثل هذه الخطة؟ وماذا كان سيؤول له حال القطاع الخاص؟

لذلك كان من المتوقع خفض بعض التكاليف، وإيقاف بعض الهدر في بعض المصاريف. الجيد أن الخفض لم يكن في المرتبات الأساسية، بل في مزايا صُرفت بشكل مؤقت، وجاء الوقت الأنسب لإيقافها.

على المستوى الشخصي، تعلمتُ من الأزمة أن كثيرًا من مصاريفي الشهرية واليومية لم تكن ضرورية. وبسبب انخفاض عدد الزيارات للأسواق، اكتشفت كم أن من الجيد توفير تلك الميزانية لما هو أكثر أهميةً، مثل مصاريف أبنائي أو تجديد جزء منزلي.

ربما لم يلحظ البعض أثر قرار خفض سعر الوقود مؤخرًا، بسبب انخفاض الاستهلاك، لكن ذلك سيعود عليه بشكل غير مباشر؛ لأنه يشكل نسبة كبيرة من مصاريف المنشآت التجارية بأنواعها، باختلاف إحجامها، وتباين نوع الأعمال ومجالها.

ومع انتعاش التجارة الإلكترونية بسبب انتشار الفيروس، فإن مصروف الشحن والنقل أصبح من أكثر ما يؤثر في سعر المنتج، بل حتى المطاعم التي تقوم بإيصال الطلبات، ستحصل على فرصة ربح أكبر يساعدها على تجاوز الأزمة.

لا تزال الدولة تراهن على وعي المواطن.

يتضح ذلك في إصدار قرارات مثل فتح بعض الأسواق التجارية، وخطط رفع الحظر عن بعض المدن بشكل نسبي. إني أرى نورًا في نهاية النفق، والعبور ليس خيارًا بل لزام؛ لذلك وجب علينا أن نكون على قَدر المسؤولية المنوطة بنا، وأن نشرح لأبنائنا ما جهلوه مما يفعله الوطن وولاته لمصلحتنا. كذلك علينا أن نعي أن أعداء الوطن لا يزالون يتربصون الدوائر بنا وبوطننا، رغم أن ظنهم في كل مرة يخيب.

فهد بن جابر

@FahdBinJaber

مرر للأسفل للمزيد