الأراء

التحوّل البيئي مفتاح لتحقيق اقتصاد دائري في المملكة

باسكال غرانت

منذ ما يناهز تسعة عقود، أي منذ اكتشاف المملكة العربية السعودية النفط فيها، لعبت المملكة دورًا محوريًّا في سوق الطاقة العالميّة، إذ حرّكت النموّ الاقتصادي التحويلي ليس على صعيد الوطن فحسب، وإنّما أيضًا على مستوى المنطقة والمجتمع الدولي.

وبينما كانت المملكة العربيّة السعوديّة دافعًا كبيرًا للتطوّر السريع بناءً على مواردها الهيدروكربونيّة، إلا أنّها شكّلت أيضًا عاملًا تحويليًّا في جهودها لتحقيق مستقبل مستدام، فقد اعتمدت المملكة سياسات واستثمارات وتخطيطاً وبنية تحتيّة في سعيها إلى تحقيق التحوّل البيئي، وهو العمل على تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك بشكل جذري ليصبح التركيز على البيئة أساسيًّا في كلّ عملية ومشروع.

وتشكّل رؤية المملكة 2030 الشهادة الأكبر لتلك المسيرة، فقد ألهمت رؤية 2030 هذه، من خلال معالجة تحدّيات الطاقة والمناخ الراهنة بإبداع ومسؤوليّة، البلدان والمجتمعات في جميع أنحاء العالم للعمل نحو الهدف المشترك المتمثّل في بناء غد مستدام.

وتتمثّل إحدى الركائز الأساسيّة لهذا الهدف في إنشاء اقتصاد دائري قوي يتلخّص في نموذج اقتصادي يقوم على التخلّص من النفايات وزيادة الموارد المستدامة إلى أقصى حدّ، ففي الواقع، وخلال رئاسة المملكة العربية السعودية مجموعة العشرين، وافق قادة المجموعة على إطار عمل الاقتصاد الدائري للكربون، وهو نظام مغلق الحلقة يعتمد على التقليل وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير والإزالة، يعالج مسألة التغيّر المناخي مع تعزيز التنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي في آن.

في هذا الإطار تواجه المملكة اليوم لحظة محوريّة، حيث يتوجّب عليها تجاهل النموذج القديم والخطّي الخاصّ بالتقدّم، والذي يعتمد على استخراج عدد متزايد من المواد الخام يتمّ تحويلها إلى منتجات يتمّ استهلاكها، ويجري التخلّص منها في نهاية عمرها الثابت.

وبناءً على ما ذُكر على كلّ من الشركات والوكالات والمؤسّسات الحكوميّة في المملكة تصميم النفايات من المنتجات والخدمات، وتقليل الموارد أو إعادة استخدامها أو إعادة تدويرها أو استردادها إلى أقصى حدّ ممكن. وعلى نحو مماثل، على المستهلكين أيضًا الاستهلاك بشكلٍ مختلف، أيّ بإعطاء الأولويّة للمنتجات طويلة الأمد، وللتأجير مثلًا على الامتلاك.

ذلك، وتواجه المملكة أيضاً تحدّيات أخرى لابدّ من التخفيف منها، ما دفع السياسات ومبادرات العمل إلى التحرّك بالفعل لتغطية تلك المجالات.

فبعض المدن في المملكة على سبيل المثال، معرّضة بشكل أكبر لمخاطر تغيّر المناخ، حيث إنّ توافر المياه العذبة والأراضي الصالحة للزراعة محدود فيها بسبب التركيز المكثّف على الزراعة والتحضّر. ولم تتحرّك السلطات للتصدي لهذه التحدّيات بشكل استباقي فحسب، بل سعت أيضاً إلى اعتماد أسلوب أكثر تنوّعاً بعيداً عن النفط، كذلك سعت إلى تطوير القطاعات على أساسيّ الاستدامة والابتكار، وهي أبرز سمات الاقتصاد الدائري.

وتتضمّن بعض المجالات التي من الواجب إعطاؤها الأولويّة لتسريع هذه المسيرة، التحوّل البيئي في قطاعات إدارة المياه والنفايات والطاقة وتنفيذ حلول مستدامة في إعادة التدوير التي تقوم بها البلديّات، إضافةً إلى معالجة نفايات الطعام والنفايات البيولوجيّة الخطرة.

وفي الوقت الذي تدعو به الحاجة الآن إلى بناء شراكات حيويّة وفعّالة بين القطاعين العامّ والخاصّ، أصبحت "فيوليا" (Veolia)، من خلال مسيرتها وبصمتها في المملكة على مدار 35 عامًا، بالفعل الشركة المرجعيّة لهذا التحوّل البيئي، حيث تتصدّر الطليعة في مهمّة تعجيل نشر الحلول القائمة وتوسيع نطاقها، مع عملها في الوقت عينه على التوصّل إلى حلول الغد لبناء اقتصاد دائري.

وقد كان لتعاون شركة "فيوليا" مع الحكومة السعوديّة دور حيويّ في المبادرة بالتغيير التحويلي في مجالات المياه والنفايات والطاقة، سواء بصفة فيوليا شريكة لشركة "أرامكو" السعوديّة في معالجة نفاياتها الصناعيّة وغير الخطرة، أم بإدارة خدمات المياه والصرف الصحّي في العاصمة السعوديّة الرياض و22 بلديّة نائية.

ومن ضمن المبادرات الأخرى البارزة، يجدر ذكر اتفاقيّة معقودة مع "شركة نقل وتقنيّات المياه" (WTTCo)، وهي شركة حكوميّة متخصّصة في التقنيّات الجديدة ونقل البيانات، وفي طرح حلول رقميّة مبتكرة لقطاع المياه، بإضافةً إلى تبادل الخبرات والتدريب.

كذلك يتّضح من النطاق الواسع للمشاريع المذكورة أعلاه، لا يمكن إحداث تغيير حقيقي ومستدام على مستوى القاعدة الشعبيّة إلّا من خلال شراكات هادفة بين القطاعين العامّ والخاصّ. فقد أصبح بإمكان الشركاء ذوي المهارات والقيم والخبرات المناسبة المساعدة في التغلّب على كلّ من التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة، وتحقيق مستقبل دائم ومزدهر في المملكة العربيّة السعوديّة، وذلك بالمحافظة على الطابع البيئي الفريد للمنطقة وعلى مواردها الطبيعيّة الثمينة التي أصبحت أيضاً أولويّة استراتيجيّة للمملكة.

مرر للأسفل للمزيد