رياضة

تقرير بريطاني: قطر تجبر عمّال المونديال على العمل في «ظروف قاتلة»

نظام تميم يبني منشآت البطولة على جثث العمال

فريق التحرير

لا تزال تفاصيل فاتورة تنظيم إمارة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 تتكشف يومًا بعد يوم، لكن الأمر تعدى التكاليف المالية التي يتم إنفاقها على بناء المنشآت الرياضية والفنادق وبقية مكونات البنية التحتية المرتبطة بالبطولة، ليصل الأمر إلى التضحية بحياة العمال الذي يقومون بالبناء في ظل ظروف يستحيل معها العمل وفق المعايير الدولية المتعارف عليها.

فلم يكد يمضي شهر على إطلاق قطر الشعار الرسمي لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، عبر حملة رقمية دولية روجت لها قناة الجزيرة، إلا وظهرت أزمة حقوق العمال بالمونديال مجددًا إلى الضوء، بعد تعرض الآلاف لخطر الوفاة نتيجة الإجهاد الحراري.

وتسبب تكدس مئات الآلاف من العمال المهاجرين وإجبارهم على العمل في ظروف قاسية، إلى تعرضهم لخطر الموت، بعد زيادة ساعات العمل إلى عشر ساعات يوميًا بعد تعليمات السلطات لإنجاز المنشآت المرتبطة بالمونديال بأقرب وقت، وفقًا لتحقيق استقصائي ترجمته «سكاي نيوز» عن صحيفة «جارديان» البريطانية.

وقال تقرير الصحيفة البريطانية إن درجات الحرارة التي يضطر العمال للعمل بها، تصل إلى 45 درجة مئوية، بينما تزعم السلطات أنها توفر حماية للعمال بحظر العمل تحت أشعة الشمس في فترة الظهيرة التي تشتد فيها الحرارة، وذلك من منتصف يونيو حتى أغسطس الماضي، بينما نشرت صحيفة «العرب» القطرية تقريرًا مفاده، ارتفاع درجات الحرارة ببعض مناطق الدوحة إلى 49 درجة مئوية.

ورصدت صحيفة «جارديان» البريطانية، بيانات الطقس في قطر على مدار تسع سنوات، فأكدت أن العمال لن يكونوا بأمان، أمام مستويات وصفتها بأنها قاتلة من الإجهاد الحراري بين شهري يونيو وسبتمبر، حيث يقول أطباء القلب إن تلك المستويات تؤدي سنويًا إلى أعداد كبيرة من الوفيات.

ويموت في قطر سنويًا مئات العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 35 سنة - أثناء العمل؛ بينما تُعزى هذه الوفيات إلى أمراض القلب والأوعية الدموية أو ما تزعم السلطات القطرية أنه وفاة طبيعية، بينما أكد بحث أجراه علماء بالمناخ ومختصون بالقلب ونشرته مجلة «كارديولوجي جورنال»، أن الوفيات يحتمل أن تكون ناجمة عن ضربات شمس،  مستدلين على ذلك بوفاة ألف و300 عامل نيبالي بين عامي 2009 و2017، حيث كان 22% من الوفيات على أساس سنوي، بسبب النوبات القلبية أو السكتة القلبية، أما في أشهر الصيف، فكانت لهذه الأسباب نصيب أكبر في الوفيات بنسبة 58%.

وكشف الباحثون أن حوالي 200 من بين 571 شابًا توفوا بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بين عامي 2009 و2017، فيما كان إنقاذهم متاحًا حال تنفيذ تدابير فعالة للحماية من الحرارة كجزء من برامج الصحة والسلامة المهنية، والتي تغيب عن السلطات القطرية في سبيل تحقيقها أغراضًا دعائية على حساب حياة العمال.

تأتي هذه المخاوف الجديدة على حياة العمال من الوفاة نتيجة العمل في ظل ظروف بالغة القسوة، لتضاف إلى الجرائم الأخرى التي يرتكبها النظام القطري الساعي إلى تنظيم بطولة لكرة القدم مهما كان الثمن، وكل هذا من أجل «تلميع» صورته أمام العالم ظنّا منه أن هذا قد يمنحه بعض الثقل أو الأهمية على الساحة الدولية، حسبما يتوهم.

فقد فضحت منظمة العفو الدولية «أمنستي»، النظام الحاكم في الدوحة، مسلطة الضوء في تقريرها الذي عنونته بـ«الجميع يعمل، ولا أجور»، على الأوضاع المأساوية لآلاف العمال الأجانب، متهمة الحكومة بالكذب، وقالت إنها لم تفِ بوعودها لتحسين ظروف العمال الأجانب الذين يعملون في منشآت استضافة مونديال 2022.

وقالت «أمنستي» أنه بالرغم من الوعود الكبيرة للإصلاح التي تعهدت بها قطر قبل مونديال 2022، إلا أنها تبقى مرتعًا لبعض أرباب العمل المجردين من المبادئ.

ووثق التقرير الدولي معاناة مئات العمال في ثلاث شركات للإنشاءات والتنظيفات في قطر لم يتقاضوا أجورهم منذ أشهر، وقال نائب مدير منظمة العفو للشؤون الدولية، ستيفن كوكبيرن إن العمال المهاجرين يذهبون إلى قطر على أمل إعطاء حياة أفضل لعائلاتهم، وبدلًا من ذلك، يعود الكثير منهم إلى أوطانهم فارغي الجيوب بعد قضاء أشهر وهم يلهثون لتحصيل أجورهم.

وكأنه ليس كافيًا أن يعمل العمال الأجانب في ظل ظروف بالغة القسوة، فقامت بعض الشركات بحرمان عمالها من الإجازات لفترات طويلة مثلما حدث لعامل كيني في شركة «يونايتد كلينينج»، الذي تم حرمانه من الإجازات لمدة عامين وخمسة أشهر، فضلًا عن عدم دفع راتبه، الأمر الذي أجبره على البحث عن الغذاء في مكبات النفايات.

وإزاء هذه الأوضاع المزرية، لم يجد العمال الوافدون مفرًا من التحرك للمطالبة لحقوقهم من خلال تنظيم مظاهرات احتجاجية في شوارع قطر على أمل لفت الانتباه إلى قضيتهم العادلة، إلا أن نظام تميم بن حمد تعامل بمنتهى القسوة مع تلك الاحتجاجات بدلًا من إعطاء كل ذي حق حقه، فأطلق عليهم عناصر الأمن لترتكب جريمة جديدة تضاف إلى سجل نظام تميم الإجرامي.

وتوثيقًا لهذه الجرائم، قال أحد العاملين في بناء ملاعب قطر: «ذهبت إلى عملي في الساعة الخامسة صباحًا، فوجدت الدِماء في كل مكان.. لا أعرف ما حدث، لكن تم التستر على الموضوع دون كتابة أي تقرير.. وعندما أبلغت عن الأمر، قيل لي: يجب عليك أن تتوقف عن الشكوى، حتى لا يتم فصلك...»، هكذا تحدث شاهد العيان أمام مسؤولي «الاتحاد الدولي لنقابات العُمال»، عما يحدث لآلاف الوافدين، الذين يشاركون في الإنشاءات الرياضية والفندقية ومشروعات الطرق الخاصة باستضافة قطر لبطولة كأس العالم 2022.

وأمام الشهادات التي يرويها العمال عما يتعرضون له، بادر «الاتحاد الدولي لنقابات العُمال» باتهام قطر بأنها بلدٌ بلا ضمير، نظرًا لتواصل سقوط الضحايا قتلى ومصابين في عمليات السخرة، التي تشرف عليها السلطات القطرية، ضمن عمليات التجهيز واسعة النطاق لاستضافة مونديال 2022.

وفيما التزمت وسائل الإعلام القطرية الصمت المطبق تجاه ما يحدث في المدن القطرية من جرائم يرتكبها الأمن القطري ضد العمال، فضحت وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي رد الفعل القطري الغاشم ضد آلاف العاملين، فيما كشف حريق نشب في 12 مارس الماضي في جانب من ستاد الثمامة القطري وهو أحد ملاعب المخصصة لاستضافة كأس العالم، عن الأجواء المشبوهة التي تدير بها قطر ملف منشآت كأس العالم، دون الإعلان عن إصابات وخسائر في الأرواح، على عكس الواقع المُر الذي يلقي بظلاله على هذا الملف.

مرر للأسفل للمزيد