ألقى قرار الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات «وادا» بمعاقبة روسيا بالإيقاف 4 أعوام عن المشاركة في المسابقات الرياضية الدولية، بما فيها الألعاب الأولمبية، على خلفية التلاعب ببيانات مختبر موسكو لمكافحة المنشطات؛ بظلال قاتمة على الواقع الرياضي في قادم الأيام، خاصةً أن عام 2020 يأتي محملًا بالعديد من المواعيد الكبرى التي تفرض واقعًا يجعل موسكو رقمًا صعبًا في المعادلة.
وعندما تنطلق كأس أمم أوروبا «يورو 2020»، ودورة الألعاب الأولمبية «طوكيو 2020» -وهما أبرز حدثين رياضيين خلال العام المقبل- سيجري التعامل مع روسيا بطريقتين مختلفتين، في ظل العقوبات المفروضة عليها من قبل الوكالة العالمية.
الواقع أن المنتخب الروسي سيخوض نهائيات أمم أوروبا، الصيف المقبل، بشكل طبيعي تحت علم بلاده، وستشارك مدينة سان بطرسبرج بشكل طبيعي دون معوقات، في استضافة منافسات البطولة القارية، ضمن 12 مدينة أخرى في القارة العجوز.
إلا أنه بعدها بأسابيع قليلة، لن يكون الأمر متاحًا على هذا النحو أمام الرياضيين الروس لحساب المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020، بل سيتعين عليهم اللعب كرياضيين مستقلين تحت الراية الأولمبية، دون رفع العلم أو ترديد النشيد الوطني.
الحلقة الأحدث
وطبقًا للعقوبة، لا يحق لأي فريق روسي، المشاركة تحت العلم الوطني في المنافسات الدولية، كما لا يحق لموسكو التقدم بطلب استضافة أي بطولة كبرى خلال فترة الإيقاف، مع تجريدها من حق استضافة أي فعاليات كانت قد فازت بها لهذه الفترة؛ وذلك في حالة إمكانية ذلك من الجانب القانوني.
وكانت هذه هي الحلقة الأحدث في مسلسل فضيحة الانتشار الممنهج والمدعوم من قبل الدولة، للمنشطات بين الرياضيين الروس، التي شهدت إعلان وادا في عام 2015، إيقاف الوكالة الروسية لمكافحة المنشطات، قبل أن تعلن وادا قرارًا مثيرًا للجدل في 2018، يقضي بإعادة «روسادا» إلى وضع الامتثال، وفقًا لشروط تتضمن تقديم بيانات مختبر موسكو.
وأفلتت الرياضة الروسية من الحرمان من المشاركة في أولمبياد 2016 في ريو دي جانيرو، باستثناء اتحاد ألعاب القوى الروسي المتورط الرئيسي في الفضيحة، الذي أوقف من قبل الاتحاد الدولي لألعاب القوى منذ 2015. وشهد أولمبياد ريو 2016 مشاركة داريا كليشينا فقط محترفة الوثب الطويل.
أم الألعاب
ولا يزال الإيقاف المفروض من قبل الاتحاد الدولي لألعاب القوى قائمًا، مع السماح بمشاركة الرياضيين الروس كرياضيين مستقلين فقط، طبقًا لمعايير وشروط صارمة، وهو ما سيطبق في طوكيو 2020 إذا نجح استئناف روسيا لدى محكمة التحكيم الرياضي الدولية «كاس» ضد عقوبة وادا.
وأعلن مسؤولو الرياضة وكذلك الحكومة الروسية أنه سيجري التقدم باستئناف لدى محكمة كاس، وهو ما حظي بتأييد ودعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ووصف بوتين العقوبات بأنها «غير عادلة»، مؤكدًا أن لدى روسيا جميع الأسباب والدواعي للاستئناف، مشيرًا إلى أن قرار وادا لم يتخذ لمصلحة الرياضة النزيهة، بل جاء لاعتبارات سياسية ليس لها علاقة بـ«مصلحة الرياضة والحركة الأولمبية».
وتنافس رياضيون روس بالفعل في أولمبياد بيونج تشانج 2018 الشتوي، كرياضيين مستقلين لكن تحت العلم الأولمبي، ومع ترديد العزف الأولمبي عند مراسم التتويج بالميداليات الذهبية. وكان منتخب هوكي الجليد للرجال قد ردد النشيد الوطني بصوت عال إثر التتويج بالميدالية الذهبية.
أزمة الاستقلالية
وواجهت وادا انتقادات لعدم فرض حظر شامل على روسيا، لكن الوكالة لا تتمتع بالاستقلالية التامة؛ حيث يديرها مسؤولون حكوميون من دول مختلفة، وأعضاء في اللجنة الأولمبية الدولية.
وتعارض اللجنة الأولمبية الدولية، ورئيسها الألماني توماس باخ، فرض عقوبة الحظر الشامل؛ لأن العقوبة تلقي بظلالها في ذلك على الرياضيين الروس المتنافسين بنزاهة، فيما يرى آخرون أن المخالفات -ومنها التلاعب بنتائج مختبر موسكو، وكذلك استمرار عمل مدربين يخضعون للإيقاف- تظهر أن روسيا «لم تتعلم الدرس بعد».
وذكرت صحيفة «ذا تايمز» البريطانية، في عنوان نشرته بعد إعلان عقوبة روسيا: «وادا الضعيفة فشلت في فرض عقوبة تتناسب مع الجريمة».
أما ترافيس تايجارت رئيس الوكالة الأمريكية لمكافحة المنشطات «يوسادا»، فعبَّر عن معارضته بكلمات أكثر حدة؛ حيث نادى بـ«التمرد» ضد وادا، ووصف ما حدث بأنه «ضربة مدمرة أخرى للرياضيين المتنافسين بنزاهة لسلامة الرياضة وسيادة القانون. كل من يقدرون قيمة الرياضة أقل ما يقدمونه التمرد على النظام المحطم من أجل الإصلاح».
ومع ذلك، جاءت ردود فعل مختلفة من آخرين؛ حيث قال الألماني ماركوس إيزينبيخلر، بطل العالم ثلاث مرات في تزلج الوثب؛ إنه يشعر بالأسف من أجل منافسيه الروس «لأنني واثق بأنهم لا يتعاطون شيئًا».
ولن تؤثر عقوبة وادا في مشاركة روسيا في نهائيات يورو 2020 والمشاركة في استضافة مبارياتها أيضًا؛ وذلك بداعي أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا»، لم يوقع اتفاقية مع وادا، كما أن يورو 2020 تعد بطولة قارية وليست عالمية.
وكان يويفا ذكر، في بيان عقب إعلان عقوبات وادا، أنه يبدو أن يورو 2020 لن تتأثر بالعقوبات، فيما بدا الموقف أكثر غرابةً عند النظر إلى كأس العالم 2022 لكرة القدم، التي تقام نهائياتها في قطر.
أزمة سوتشي
التصفيات المؤهلة للمونديال تقام تحت مظلة الاتحادات القارية ومنها يويفا، وهو ما يعني إمكانية مشاركة روسيا في التصفيات بشكل طبيعي. ولكن في حالة تأهل المنتخب الروسي للنهائيات التي تندرج ضمن البطولات الدولية التي تشملها العقوبة، قد يشارك الفريق دون ارتداء لاعبيه قميص المنتخب الروسي أو رفع العلم الروسي.
كذلك يدور الجدل حاليًّا بشأن المستقبل القريب؛ حيث من المفترض أن تحتضن روسيا بطولة العالم للزحافات الثلجية في منتجع سوتشي، في فبراير المقبل.
وقال كريستوف شفايجر المدير التنفيذي للاتحاد الدولي، إنه يعتقد أن الاستئناف الذي سيقدم من قبل روسيا ضد العقوبات، لن يجري الحسم بشأنه على الفور، وهو ما يعني أن البطولة ستقام في موعدها في سوتشي.
وفي فبراير، يمكن للرياضيين الروس أيضًا المشاركة بشكل طبيعي في بطولة العالم للبياثلون في إيطاليا، ولم يتضح حتى الآن ما إذا كانت محكمة كاس ستصدر حكمًا نهائيًّا قبل حفل افتتاح أولمبياد طوكيو 2020 في 23 يوليو، أم لا.
وختم ستانيسلاف بوزدنياكوف رئيس اللجنة الأولمبية الروسية: «نواصل الاستعدادات للأولمبياد والمنافسات الكبرى الأخرى بكامل قوتنا»، مضيفًا أنه في أسوأ الأحوال، سيشارك الرياضيون الروس في المنافسات تحت مسمى «رياضيين أولمبيين من روسيا».