أعادت تشكيلة منتخب قطر، المشاركة في بطولة كأس أمم آسيا المقامة حاليًا في الإمارات، قضية التجنيس الرياضي إلى واجهة الجدل العالمي، ذلك أن الفريق الذي وصل إلى قبل نهائي البطولة، بفضل لاعبين قادمين من دول أخرى، ذكّر الجميع بما جرى في مونديال كرة اليد عام 2015.
وعلى الرغم من تشديد الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» في قبوله بتجنيس اللاعبين، ووضعه عدة معايير حتى لا يكون اللاعب متلاعبًا بجنسيته، ومن ذلك ضرورة إقامة اللاعب المجنس في دولته الجديدة بعد بلوغه 18 عامًا لمدة 5 أعوام على الأقل قبل تمثيل منتخبها الوطني، وعدم وجود أي روابط للاعب ببلده الجديد قبل التجنيس، فإن شبهات كثيرة تحوم حول التزام قطر بهذه الضوابط.
وقدمت كوريا الجنوبية التي أقصيت من كأس آسيا على يد القطريين في ربع النهائي، استفسارًا للاتحاد القاري حول مدى مشروعية تمثيل اللاعب العراقي الأصل بسام الراوي للمنتخب القطري، بعدما توافرت شواهد على وجود فساد في عملية تجنيسه، فيما بدأت وسائل إعلام دولية في إثارة القضية من زاوية تأثيرها المؤكد على قواعد التنافس الرياضي الشريف.
و فضلًا عن الراوي، يضم منتخب قطر أربعة لاعبين من أصول سودانية هم: المعز علي، مهاجم الدحيل، وحامد إسماعيل، ظهير أيمن السد، وعبدالكريم حسن، ظهير أيسر الفريق نفسه، وعبدالعزيز حاتم، لاعب وسط الغرافة. وثلاثة لاعبين من أصول مصرية هم: أحمد فتحي، لاعب العربي، وعبدالرحمن مصطفى، لاعب الأهلي، وأحمد علاء الدين، جناح أيسر الغرافة، فضلًا عن لاعبين تنحدر أصولهما من الجزائر هما: خوخي بوعلام، لاعب السد، وكريم بوضياف، لاعب الدحيل.
أما الثنائي أكرم عفيف، جناح أيسر السد، وعلي عفيف، مهاجم الدحيل؛ فهما من أصحاب الأصول اليمنية التنزانية.
ويمثل مالي في التشكيلة القطرية اللاعب عاصم ماديبو لاعب وسط الدحيل، والبرتغال اللاعب بيدرو ميجيل ( مدافع السد).
وأثارت وسائل إعلام عالمية مخاوفها من تكرار قطر، التي تنظم كأس العالم المقبلة في عام 2022، ما فعلته في مونديال اليد عام 2015 حين استعانت بلاعبين من 11 دولة، للفوز بالمركز الثاني في البطولة التي يحتكر التنافس فيها عدد من المنتخبات الأوروبية .
التوطين والتجنيس
ومع أن منطق شراء المواهب بالإغراءات المالية والمعنوية هو العنوان الأبرز لتشكيلة المنتخب القطري، فإن هناك من يحاول التشويش عليه باستحضار أمثلة لمنتخبات كبرى فازت ببطولات عالمية وقارية، وهي تتشكل من لاعبين معظمهم من ذوي أصول أجنبية، وذلك على غرار ما فعل المنتخب الفرنسي في كأس العالم 1998 وأمم أوروبا 2002، عندما كان قوامه من لاعبين ذوي أصول أجنبية.
وحسب خبراء في القانون الرياضي الدولي، فإن هذا الاستشهاد غير صحيح؛ لأنه يخلط بين التوطين الطبيعي الذي يعني منح الدولة جنسيتها إلى أحد الأشخاص بناء على استحقاقه لها بشكل دستوري، ومن دون وجود غايات متعلقة بمشاركته في أي منافسات كانت، بحيث تكون هذه الجنسية الدائمة ويتساوى صاحبها بالحقوق والواجبات مع أي مواطن.
ويعد منتخب فرنسا عام 1998 مثالًا على هذا النوع من التوطين، فلاعبوه رغم أصولهم الأفريقية حصلوا على الجنسية الفرنسية قبل تحولهم لنجوم كرة قدم، وذلك بسبب هجرتهم مع أحد ذويهم أو كليهما إلى هناك، فمارسيل ديسايي على سبيل المثال، ولد في غانا عام 1968 لكنه بدأ حياته في فرنسا وعمره 4 سنوات، وحصل على الجنسية بشكل طبيعي قبل أن يركل كرة القدم، بينما ولد زين الدين زيدان لأب مهاجر، وكذلك بقية الأسماء المعروفة عالميًا.
وتوضيحًا للفارق بين التوطين والتجنيس، يشير الناقد الرياضي محمد عواد في تقرير نشره موقع «سبورت 360»، قبل أربع سنوات، إلى أن التوطين لا يشترط على المستفيد منه أن يسلك طريقًا بعينه، فأبناء المهاجرين في فرنسا أو غيرها من الدول، يمكن أن يصبحوا أطباء ومعلمين، مثلهم كباقي المواطنين.
وللتوطين وجه آخر يختلط كثيرًا بالتجنيس الرياضي، فقوانين كثير من الدول الأوروبية تساعد المقيمين فيها بشكل قانوني على الحصول على الجنسية بعد عدد معين من السنوات، يستوي في ذلك لاعبو الكرة بغيرهم من الأجانب، ولعل المثال الأقرب للذهن هو اللاعب دييجو كوستا، البرازيلي الذي حصل على الجنسية الإسبانية بشكل طبيعي وقانوني بعدما استوفى شروط موضوعة سلفًا، ويستفيد بها آخرون في مختلف المجالات.
أما التجنيس الرياضي فذو طبيعة تجارية/ عدوانية، وغالبًا ما يتعرض للانتقاد؛ ذلك أنه يقوم على الضغط والإغراء من جانب اتحادات وطنية بعينها لحصول أحد الرياضيين على جنسية مؤقتة أو دائمة، لتمثيل بلد آخر في المسابقات وتحقيق إنجازات أو تسجيل مشاركات باسمها، في حين لا يمكن لأي مقيم آخر ولو كان رياضيًا الحصول على نفس الجنسية إلا لو تم اختياره للمشاركة بقميص تلك البلاد، وفق ما أوضح عواد.
المنطق القطري
شهد تاريخ المنافسات الرياضية كثيرًا من حالات التجنيس الرياضي، فهناك مثلًا أكثر من 150 لاعب كرة سلة أمريكيًا مثلوا بلادًا أخرى، و50 صينيًا لعبوا بقمصان دول خارجية في كرة الطاولة، لكن ذلك لم يكن بفجاجة ما تقوم به الدوحة منذ سنوات، كما أن القائمين به لم يقروا بأنه يمثل خطة وطنية معتمدة، خلافًا لما يفعله الطرف القطري.
وفي عام 1999، ظهر سعود بن خالد، رئيس اللجنة الأولمبية القطرية آنذاك في برنامج تليفزيوني على قناة «الجزيرة»، قال فيه إن «التجنيس الرياضي حق لكل دولة ما دام يتم بتراضي الطرفين، والقضية لا تختص بقطر فقط، بل تجدون هذا التجنيس في كل دول العالم وفي كل المجالات، فهناك من يجنسون الأطباء والعلماء والعمال المهرة، والرياضة مجال كأي مجال آخر».
وفي مطلع عام 2015، تمكن منتخب قطر لكرة اليد، المكون من مجنسين، من تحقيق نتائج لافتة بالانتصار على النمسا وألمانيا وبولندا في الأدوار الإقصائية، قبل الخسارة أمام المنتخب الفرنسي بنتيجة 22-25 في المباراة النهائية.
ضم المنتخب القطري في هذه البطولة لاعبين من 11 جنسية، وقبل المباراة النهائية للبطولة، انتقدت صحيفة «لوموند» الفرنسية على سبيل المثال، ما فعلته قطر، وقال أحد كتابها «فرنسا تواجه منتخب مرتزقة يقودهم مدرب إسباني»، بينما كتبت صحيفة لكسبرس سبورتس كلمات أقوى، بقولها «لو فازت قطر بالمونديال فهذه نهاية التنافس الرياضي العادل».