طالبان 
أخبار الساعة

عام على حُكم «طالبان».. إحكام القبضة داخليًّا وانسداد الأُفق خارجيًّا

فريق التحرير

عام مضى على سقوط الحكومة الأفغانية في 31 أغسطس عام 2021م واستسلام الجنود الأفغان أمام حركة طالبان، التي سبق أن تعهّدت بإقامة إمارة إسلامية جديدة، بعد اتفاق السلام مع الولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة.

ذلك العام الذي مضى اتسم بأعمال عنف وأزمة إنسانية، وتحديات داخلية وخارجية، مما طرح تساؤلات حول السيناريوهات المستقبلية لأفغانستان.

وقال المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في تقرير نشره بمناسبة مرور عام على في الجزء الأول من التقرير، إن هناك خمسة محاور على الجبهة الداخلية من خلال خمسة محاور رئيسية:

أولًا: التفاعلات الداخلية

1. الديمقراطية وتشكيل الحكومة تحت حكم «طالبان»:

بعد ثلاثة أسابيع من سيطرة «طالبان» على العاصمة كابول، شكّلت الحركة حكومة انتقالية متشددة تمخضت بعد مناقشات حادة بين الفصائل المتنافسة داخل الحركة، عُيّن على إثرها الملا حسان أخوند رئيسًا لوزراء الحكومة الانتقالية مع اثنين من النواب، هما: الملا عبد الغني باردار، ومولوي عبد السلام حنفي.

أما زعيم الحركة الروحي أو مَن يسمّى بـ«أمير المؤمنين» فهو هبة الله أخوند زاده، وهو أيضًا القائد الحالي لحركة طالبان. وعُيّن أيضًا سراج الدين حقاني وزيرًا للداخلية، وهو قائد حركة «حقاني» المصنّفة في «قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية الأجنبية»، التي قادت معظم الهجمات على قوّات الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى المدنيين الأفغان، قبل انسحاب القوّات الأجنبية من البلاد.

وعلى الرغم من وعودها للاعتدال، لم تُبدِ حركة طالبان أيّ شفافية، واستمرّت علانيةً في نزعتها نحو الحكم المتسلّط، وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية.

احتكارها للسلطة وإبعاد معارضيها أجهض فرصة «طالبان» للبدء بحوار سياسي مع الفصائل المنافسة بعد الانسحاب الأمريكي، وسرعان ما تحوّل المشهد السياسي في أفغانستان إلى ساحة تنافس حامية الوطيس بين «طالبان» ومنافسيها من الفصائل والمجموعات المسلحة، وبدأت المعارضة الداخلية لحكم «طالبان» وميولها المتسلطة بالغليان.

ولم تستطِع الحركة تثبيت أركان حكمها بسرعة للتمكن من إدارة البلاد بفاعلية، لافتقارها إلى الدعم الشعبي اللازم. وعلى الرغم من كل هذا، فإن الحركة لا تزال القوة السياسية والعسكرية المهيمنة بلا منازع في البلاد. ومن جانبها، تبرّر حركة طالبان بأنها ورثت نظامًا سياسيًّا مفلسًا، مضيفةً بأن العقوبات الدولية عرقلت جهودها لحكم البلاد وتوفير الخدمات اللازمة للشعب الأفغاني لحل أزمته الإنسانية المتفاقمة.

حقوق المرأة والتعليم تحت حكم «طالبان»:

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن النساء في أفغانستان يواجهن انتهاكات متزايدة في حقوقهن منذ استيلاء «طالبان» على السلطة في 15 أغسطس 2021م.

في البداية، وعدت الحركة إعطاء النساء حقوقهن المنصوص عليها في الإسلام، مثل إكمال التعليم للمرحلة الإعدادية والثانوية والتعليم العالي (أي الجامعي)، لكن تحولت هذه الوعود إلى استثناءات ممنهجة على يد الحركة، طالت النساء في التعليم وفي الوظائف الحكومية. وحرمت النساء من المشاركة السياسية، على الرغم من تحركاتهن لنَيل دور سياسي في المجتمع الأفغاني. وحسب تقرير تحليليّ صادر من اليونيسيف، كلّف حرمان الفتيات من التعليم الثانوي الاقتصاد الأفغاني خسارة لا تقل عن 500 مليون دولار، بمقدار 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وحسب تقارير أخرى، تمارس «طالبان» نظام «الفصل العنصري الجنسي»، أو ما يسمّى بـ«الفصل بين الجنسين». وتعاني النساء اللاتي سُرّحن من عملهن الحكومي وفقدن مصدر دخلهن فجأةً على يد «طالبان» من عوز شديد. وعمومًا، تُمنع النساء من السفر وحدهن، ويجري تطبيق الفصل بين الجنسين.

كما تعاني النساء من حالات تعنيف متزايدة من الأسرة وفي الأماكن العامة، لا سيما أن حقوقهن غير محفوظة. ويواجهن أيضًا صعوبات في الحصول على الخدمات الاجتماعية، خصوصًا في القطاع الصحي، ما يعرّض عديدًا من النساء والأطفال لأخطار صحية. وفي مايو 2021م أصدرت «طالبان» قرارًا يلزم النساء ارتداء الحجاب وتغطية وجوههن بالكامل في الأماكن العامة.

«طالبان» والأقلّيات:

ادّعت «طالبان» أنها ستحمي جميع الأقلّيات في أفغانستان، لكن تشير موجة الهجرة إلى البلدان المجاورة إلى تعرّض الأقليات للتنكيل على يد الحركة، فلم توفّر لهم الحماية من الهجمات التي شنّها تنظيم «داعش -ولاية خراسان»، وهو فرع تابع لـ«داعش» ويُعرف أيضًا بـ«داعش-خراسان». أمّا شبَكة «حقاني» التي تشكّل أساس القيادة في حركة طالبان وتدعم البشتون، فلم تُظهِر أيّ اهتمام لإدماج الأقليات في الحكومة الأفغانية.

كما ظهرت التوترات العرقية جلية داخل حركة طالبان نفسها، فقد رفض أعضاء الحركة من الأوزبك إرسال مقاتلين للتصدي لأنصار المهدي. ويسعى الأوزبك للحصول على استقلال ذاتي كامل، خصوصًا في المناطق ذات الغالبية الأوزبكية في أفغانستان، وتصدّوا لمحاولات «طالبان» لنقل الأعضاء الأوزبك من «حركة أوزبكستان الإسلامية» من الحدود الشمالية الغربية في أفغانستان إلى مناطق بعيدة عن الحدود الأوزبكية.

قوّات المعارضة لحركة طالبان:

فاقمت حملة «طالبان» لتهميش الأقليات العرقية والدينية حالة التمرد في البلاد، بعد ستة أشهُر من استيلاء الحركة على الحكم في أغسطس 2021م.

وادّعت الحركة منح المجموعات المسلحة العفو، ومنها تنظيم «داعش–خراسان»، وعقدت محادثات مع قائد جبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان أحمد مسعود.

وأسفرت الاشتباكات العنيفة بين حركة طالبان وجماعة أحمد مسعود في وادي بنجشير عن سقوط عدد كبير من مقاتلي «جبهة المقاومة الوطنية»، ما أفقد الجبهة قدرتها على فتح محادثات مع «طالبان» للحصول على حقائب وزارية في الحكومة الجديدة. وأجبرت الجبهة على مغادرة شمال أفغانستان إلى طاجيكستان.

ودفع رفض «طالبان» تشكيل حكومة شاملة الجبهة للعودة إلى خطوط مقاومتها في الشمال الشرقي للبلاد في يونيو 2022م، لكن قد تفشل الجبهة في مقاومتها هذه، نظرًا إلى تفوّق قوّات «طالبان» عليها، وتردّد جيران أفغانستان في تسليح الجبهة. ونتيجةً للتوترات العرقية التي سبّبتها «طالبان»، لجأ أعضاء من الحركة للانضمام إلى جبهة المقاومة الوطنية في الشمال الغربي.

وفي 13 أغسطس 2022م قبضت «طالبان» على إسماعيل خان، أحد أبرز أمراء الحرب في أفغانستان والمعروف بلقب «أسد هرات»، في مدينة هرات المحاذية للحدود الإيرانية. وسلّمت جماعة إسماعيل خان مدينة هرات لـ«طالبان»، بعد أن وعدتهم الحركة بالسماح لقائدهم بالعيش بكرامة، دون الخوف من الاعتقال أو الموت. وبعد سيطرتها على المدينة، منحت «طالبان» العفو العام وأطلقت سراح 3000 سجين.

وحاول كلّ من حزب الوحدة الإسلامي في أفغانستان، ويُختصر بـ«حزب وحدت»، والحركة الإسلامية الوطنية في أفغانستان، وغيرهما من الجماعات، تجنيد مقاتلي «طالبان» من البشتون. ويقود الآن أحد عناصر قوّات الشرطة الذي فرّ إلى طاجيكستان جبهة مقاومة جديدة في مدينة بدخشان، ومن المحتمل أن يقود سياسيون سابقون جبهات مقاومة جديدة للإطاحة بـ«طالبان».

وفي هذا الصدد يرى عبد الرشيد دوستم، الذي يعيش الآن في المنفى، أن الحرب ليست الحل، ويدعو «طالبان» لفتح باب المفاوضات مع قوّات المعارضة ومع الائتلاف الذي تشكّل في أكتوبر 2021م تحت اسم «المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية لجمهورية أفغانستان الإسلامية». ويشدّد عبد الرشيد دوستم، وهو عضو في هذا الائتلاف، على أهمية تضافر جهود جميع الفصائل السياسية لصدّ نشوب حرب أهلية جديدة في أفغانستان.

ولاقت مناشدات دوستم دعمًا من جيران أفغانستان، الذين يريدون أيضًا من «طالبان» فتح باب المفاوضات الشاملة مع جميع جماعات المعارضة، فهم يرون أن هذا هو السبيل الوحيدة لضمان الاستقرار في أفغانستان، والحيلولة دون لجوء الأفغان للهجرة إلى بلدانهم، لا سيما أن موجات اللجوء سبّبت اضطرابات اجتماعية واقتصادية لبعض هذه البلدان.

ومن الشخصيات الأفغانية الأخرى التي تدعو إلى المفاوضات، زعيم «الحزب الإسلامي الأفغاني» قلب الدين حكمتيار المقرّب من إيران والداعم لحكم «طالبان». ولا يزال حكمتيار يعيش في أفغانستان، إلا أنه يدعو «طالبان» لفتح مفاوضات أوسع مع الجماعات والأحزاب السياسية، لنزع فتيل التوترات، وحل القضايا الملحّة في البلاد.

الوضع الاقتصادي:

تدهور الاقتصاد الأفغاني كثيرًا، ومعه حال عامّة الأفغان، خلال العام الأول من تولّي «طالبان» الحكم، خصوصًا بعد تجميد الولايات المتحدة للاحتياطات الأجنبية -المقدّرة بأكثر من 9 مليارات دولار- والمساعدات الخارجية لهذا البلد، الذي يعتمد عليها بالأساس للاستيراد ودعم عملته. وأصبح تدهور الناتج المحلي والعملة وتراجع الدخول والقوة الشرائية واضحًا في معالم التدهور الاقتصادي الملموس في شوارع كابول.

وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بقوة بعد تولّي «طالبان» وتوقّف الإنتاج وإغلاق الحدود، ومن المقدّر أن يتراجع بنسبة 34% بنهاية عام 2022م مقارنةً بعام 2020م، وفق تقديرات البنك الدولي، ما يعني مزيدًا من البطالة، ونقص المنتجات الأساسية. كما شهدت أسعار المنتجات الأساسية مضاعفات في أسعارها، نتيجة فقدان العملة المحلية لقيمتها، وتشير التقديرات الأممية إلى أن أكثر من نصف السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي.

وجاءت نظرة البنك الدولي لآفاق الاقتصاد الأفغاني على المدى القريب متشائمة للغاية، إذ وصف في أحدث تقاريره في أبريل الماضي آفاق الاقتصاد الأفغاني في ظل الظروف الراهنة بأنها «كارثية». وكشف التقرير عن تراجع دخل الفرد الأفغاني بمقدار الثلث في الأشهر الأخيرة لعام 2021م، ما قضى على التقدّم الاقتصادي، الذي أُحرز منذ عام 2007م. هذا، وتحتاج أفغانستان للتعافي الاقتصادي إلى إجراءات جدية لضمان حقوق المواطنين وإدارة اقتصادية رشيدة، ومساعدة مالية من المجتمع الدولي، وهذه أمور مفقودة حاليًّا.

ثانيًا: العلاقات الخارجية والمواقف الدولية

خلال هذا العام، لم يُلاحَظ حدوث اختراق كبير لحكومة «طالبان» نحو إرساء علاقات دولية تعيد أفغانستان إلى الحظيرة الدولية، ولم تظهر محاولات جادة لحلحلة المواقف الدولية تجاه الاعتراف بحكومة «طالبان».

واستعرض المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، العلاقات الخارجية لـ«طالبان» مع أهم الفاعلين من دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية، وأهم ردود الأفعال والعوامل الرئيسية التي سترسم الخطوط العريضة لمسار علاقات «طالبان» الخارجية في المستقبل، أو التي سوف تشكّل مصدرًا للتوترات بين الحركة والجهات الفاعلة.

1. دول الجوار:

2. باكستان:

منذ أن فرضت «طالبان» سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابول، اعترى باكستان القلق حول التهديدات الأمنية القادمة من أفغانستان، خصوصًا من حركة «طالبان-باكستان»، لا سيما مع تدفّق موجة جديدة من اللاجئين الأفغان، والأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد التي شكّلت مصدر قلق لإسلام أباد. وفي الوقت الذي عملت فيه باكستان على حماية مصالحها الخاصة ومصالحها المشتركة مع الصين، فإنها كانت تقيّم أيضًا ردود فعل دول المنطقة والقوى العالمية. وأبدى رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف موافقته مؤخرًا على استيراد الفحم من أفغانستان بالروبية بدلًا من الدولار الأمريكي. وفي ظل الجهود المضنية لسدّ الاحتياجات الإنسانية في أفغانستان، زوّد «منتدى التعاون الباكستاني-الأفغاني» السلطات الأفغانية بأكثر من 25 طنًّا من المواد الغذائية. وبعد الزلزال الذي ضرب أفغانستان، فتحت باكستان حدودها في جنوب وزيرستان لإنشاء مرافق طبية مؤقتة.

صرّح الناطق باسم وزارة الخارجية الباكستانية عاصم افتخار مؤخرًا خلال مؤتمر صحفي بأن نهج إسلام أباد تجاه أفغانستان سوف يكون «إقليميًّا وتوافقيًّا». ولدى باكستان أيضًا اتصال وثيق مع جيران آخرين في المنطقة للتباحث حول التطوّرات المتسارعة التي تجري في أفغانستان. وقد تحدّث وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال بوتو زرداري مؤخرًا مع الممثل الخاص للرئيس الإيراني لشؤون أفغانستان، حسن كاظمي قمي، لبحث آليات الحفاظ على السلام والاستقرار في أفغانستان. وشدّد الوزير أيضًا على أهمية التعاون الوثيق بين البلدين، بشأن الأمن الإقليمي، وتدفّق اللاجئين، والمساعدات الإنسانية. وأبقت باكستان على سفارتها في أفغانستان، وأعربت أيضًا عن قلقها الشديد إزاء الوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد. وفي ردّ على تقرير الأمم المتحدة الأخير، الذي يسلط الضوء على التهديدات المتزايدة من الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش-خراسان» وحركة «طالبان-باكستان»، قال افتخار مؤخرًا إنّ أحد أهمّ اهتمامات المجتمع الدولي والحكومة الباكستانية هو جهود «طالبان» من أجل منع استخدام الأراضي الأفغانية في التخطيط لشن العمليات الإرهابية.

وحسب ما أفادت به بعض التقارير، قُتل مؤخرًا عمر خالد الخراساني، أحد كبار قادة حركة «طالبان-باكستان» المعارِضة للحكومة الباكستانية، في مقاطعة باكتيكا جنوب شرق أفغانستان. وكشف عديد من التقارير عن إطلاق سراح المئات من مقاتلي حركة «طالبان-باكستان»، وعودتهم إلى معاقلهم في مناطق مثل سوات ووزيرستان ودير، الأمر الذي يشكّل خطرًا أمنيًّا شديدًا على باكستان. ونشبت المناوشات الأخيرة بعد أن وصلت محادثات السلام بين حركة «طالبان-باكستان» والحكومة الباكستانية التي أُجريت في 2018م إلى طريق مسدود، بسبب رفض الحركة التراجع عن مطلبها المتمثل في إدماج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية السابقة مع إقليم خيبر بختونخوا في باكستان.

ومن المحتمل أن تظل الخلافات حول خط دوراند سببًا رئيسيًّا للتوتر بين باكستان وأفغانستان، خصوصًا بعد عودة «طالبان» إلى سُدّة الحكم، وقد تؤثر تلك الخلافات في التفاعلات الثنائية في خضمّ التهديدات المتواصلة على طول الحدود.

* إيران:

في الوقت الذي أبقت فيه إيران على اتصالاتها مع «طالبان» على مدار السنوات القليلة الماضية، أصبحت الاشتباكات الأمنية على الحدود التي وقعت العام الماضي مصدر قلق خطير لطهران. وقد التقى مسؤولون إيرانيون في عدة مناسبات مع ممثلي «طالبان»، في ظل تنامي الاشتباكات الحدودية في إقليمي هيرماند ونمروز. وصرّح وزير الداخلية الإيراني مؤخرًا بأن النزاعات الحدودية، التي تحدث بين الفينة والأخرى مع حرس الحدود التابع لـ«طالبان»، تعود بالأساس إلى عدم معرفتهم بترسيم الحدود الإيرانية-الأفغانية. ومؤخرًا شهدت الحدود بين البلدين، الممتدة لأكثر من 900 كلم، اشتباكات اندلعت بتاريخ 31 يوليو 2022م بين قوّات «طالبان» وحرس الحدود الإيراني، إذ قُتل شخص واحد على الأقل. وعلى غرار عديد من الدول، لا تعترف إيران بالحكومة التي شكّلتها «طالبان»، ودعت إلى تشكيل سلطة جامعة يتشارك فيها مختلِف المكونات الأفغانية.

وذهب وزير الطاقة الإيراني في وقت سابق إلى كابول، والتقى مسؤولي «طالبان»، لبحث سُبل تعزيز التعاون وحل القضايا المتعلقة بتقاسم مياه نهر هلمند. وانتقدت إيران أفغانستان في الماضي في عدة مناسبات، لعدم التزامها اتفاقية تقاسم مياه نهر هلمند 1973م، كما بحث المسؤولون الإيرانيون إمكانيات إمداد أفغانستان بالكهرباء والطاقة، وأعلنت حكومة «طالبان» مؤخرًا أن إيران أبرمت اتفاقية مع كابول لاستيراد 350 ألف طن من النفط الإيراني، في خضمّ ارتفاع غير معهود في أسعار النفط بأفغانستان.

وطلب المجلس النرويجي للاجئين العام الماضي مزيدًا من التمويل والمساعدة، وسط انتشار تقارير تفيد بأن ما يقرب من 4000 إلى 5000 أفغاني فرّوا من البلاد إلى إيران. وحثّ الأمين العام للمجلس النرويجي الدولي للاجئين على زيادة المساعدات التي يمنحها أفغانستان، خصوصًا بعد إجراء تقييم للوضع المتردي هناك. وأجرى القائم بأعمال وزير اللاجئين والعودة لدى «طالبان» زيارة لطهران، لبحث قضية زيادة تدفق اللاجئين إلى إيران، وسوء معاملة اللاجئين الأفغان في إيران، حسب ما أفاد به عديد من التقارير.

ويساور إيران القلق الشديد إزاء تهريب المخدرات عبر الحدود، خصوصًا أن عديدًا من التقارير أفاد بتورّط «طالبان» في استخراج الأفيون وتهريبه، رغم الحظر الذي تفرضه الحركة على المخدرات بعد أن وصلت إلى سُدة الحكم. ومن المرجح أن تواصل إيران تفاعلاتها البراغماتية مع «طالبان» في الأشهُر المقبلة.

* آسيا الوسطى:

ضاعفت البلدان المتاخمة لأفغانستان في آسيا الوسطى، مثل تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، عدد جنودها على الحدود، تأهّبًا لأي تهديدات قادمة من الأراضي الأفغانية. واستقبلت طاجيكستان بعض اللاجئين الأفغان، وأبدت موافقتها على إيجاد حل لقضية اللاجئين، بالتعاون مع منظمات متعدّدة الأطراف، إلا أن أوزبكستان وتركمانستان أبدتا مخاوف جدية إزاء اللاجئين. وعلاوةً على ذلك، وفي خضمّ التحديات الإقليمية والعالمية الأخرى، بما في ذلك الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، تعاملت دول آسيا الوسطى بحذر شديد إزاء فتح حدودها بالكامل أمام اللاجئين الأفغان، ومن المرجح أن تبقي تلك المحاذير على نفس النهج في الأشهُر المقبلة.

* الدول الإقليمية:

* الهند:

تتابع الهند من كثبٍ التطوّرات في أفغانستان منذ أن أحكمت «طالبان» سيطرتها على البلاد قبل عام. ولدى الهند مصالح كبيرة في أفغانستان، وتقدَّر المساعدة الإنمائية الهندية التي منحتها أفغانستان بأكثر من 3 مليارات دولار أمريكي. وقررت نيودلهي مؤخرًا إعادة فتح سفارتها في كابول، وصرّح وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار بأن بلاده قررت الشروع في مهمتها الإنسانية، ومواصلة تقديم الدعم الطبي واللقاحات لأفغانستان. كما صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية عبد القاهر بلخي مؤخرًا بأن المسؤولين من كلا البلدين يسعون جاهدين لحل المشكلات والمخاوف المتبادلة.

لقد حاولت حركة طالبان مرارًا التقرب من نيودلهي من أجل استئناف أعمال المشاريع والتواصل في مناطق البلاد، وهو أمر بالغ الأهمية لتحسين آفاق التجارة في أفغانستان، نظرًا إلى ما تتمتع به من موقع إستراتيجي مهم يربط جنوب آسيا بآسيا الوسطى. واستثمرت الهند في السنوات الأخيرة بشكل كبير في توسيع مدى شراكاتها التجارية والاقتصادية مع دول آسيا الوسطى، وأكدت الحكومة الهندية الأهمية الإستراتيجية لمشاريع التواصل. وحسب ما أفادت به التقارير، رحّبت حركة طالبان بالمساعي الهندية لإحياء التواصل مع آسيا الوسطى عبر ميناء تشابهار الإيراني، ولمحت إلى إنشاء آلية ثلاثية من أجل تحقيق هذه الغاية. ويعكس أيضًا عديد من التصريحات وردود الأفعال من جانب «طالبان» عزمها على إحياء مشروع خط أنابيب تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند. وتعجّل حركة طالبان جهودها الرامية إلى جعل أفغانستان طريقَ عبور حيويًّا لصادرات الغاز من تركمانستان عبر خط أنابيب تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند، إلا أن هذا المشروع لم يلقَ الدعم المناسب حتى الآن.

واستقبلت «طالبان» مؤخرًا الجنود الأفغان الذين تلقّوا تدريبات في الهند، عقب إتمام مهامّهم التدريبية هناك. وعندما تعرضت أفغانستان لزلزال مميت، طلبت «طالبان» المساعدة من الهند، خصوصًا المساعدات الإنسانية، لحل أزمة الغذاء الحادة التي تواجه البلاد. وفي يونيو الماضي استجابت نيودلهي للطلب الأفغاني بإرسال 40 ألف طن من القمح والمساعدة الطبية واللقاحات. وحسب ما أفادت به التقارير، أرسلت الهند وفدين للإشراف على توصيل وتوزيع المواد الغذائية والطبية إلى أفغانستان.

وتواصل الهند الاتصال الوثيق مع دول أخرى، مثل إيران وروسيا، بشأن التطوّرات السريعة في أفغانستان. وتعكس ردود أفعال «طالبان» حرصها على إحياء العلاقات مع نيودلهي، خصوصًا على الصعيد الاقتصادي، إذ تواجه أفغانستان أزمة اقتصادية خطيرة بعد سيطرة الحركة على البلاد وعزلها عن المجتمع الدولي. وستظل شواغل الهند الرئيسية في تعاملاتها مع «طالبان» تتمحور حول الأمن ومكافحة الإرهاب، التي سلّط الضوء عليها مؤخرًا مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال. أما علاقات الهند مع أفغانستان فستركّز على المشاريع المتعلقة بالأمن والتجارة وتطوير البنية التحتية والمساعدات الإنسانية.

* مجلس التعاون الخليجي:

من المتوقع أن تبرم «طالبان» اتفاقية أمنية مع قطر، وستستمر الحكومة القطرية في لعب دور الوسيط الرئيسي بين «إمارة أفغانستان الإسلامية» والدول الأخرى. وعقد سفراء دول الخليج اجتماعًا لتأكيد ضرورة ضمان حقوق المرأة في أفغانستان، في ظل المخاوف المتزايدة من قِبل المجتمع الدولي إزاء موقف «طالبان» من حقوق المرأة، حسب ما أفادت به التقارير، إلا أن أمام المرأة عوائق تمنعها من العمل والدراسة بسبب القيود التي تفرضها الحركة. وأكد دبلوماسيون خليجيون أهمية خطة المصالحة الوطنية، وضمان المساواة والحرية لجميع أفراد المجتمع. وينتاب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى القلق من احتمال انتشار الجماعات الإرهابية في أفغانستان، وأكد السفراء الخليجيون في اجتماع بالدوحة الحاجة الماسّة إلى التواصل مع أفغانستان لتقديم المساعدات الإنسانية، إذ يزداد الوضع في البلاد سوءًا بسبب تفاقم الفقر والجوع ونقص الرعاية الطبية.

وحسب ما أفاد به بعض التقارير الأخيرة، اتفق مسؤولون من الإمارات و«طالبان» على إبرام صفقة لتشغيل مطار كابول ومطارات أخرى. وعلى الرغم من إجراء «طالبان» محادثات في وقت سابق مع دول مثل قطر وتركيا إلى جانب الإمارات العربية المتحدة لتشغيل المطارات، فإنّ «طالبان»، حسب ما أفادت به التقارير، قررت تسليم إدارة تشغيل تلك المطارات إلى الإمارات العربية المتحدة، ووفق ما نصّ عليه الاتفاق سوف يُوظَّف المواطنون الأفغان في المطارات، وسوف تدير شركة «GAAC Solutions» -مقرها أبو ظبي- المطارات في قندهار وكابول وهرات.

ومن المحتمل أن تظل دول الخليج متوجسة حول مجموعة من التحديات المشتركة، مثل تهريب المخدرات، وتدفّق اللاجئين، والإرهاب، والعلاقات مع «طالبان»، التي لن تشهد أي تقدّم إلا بشكل تدريجي، إذ يعتمد ذلك على ما ستتخذه الحركة من تدابير لضمان السلام والاستقرار في أفغانستان وتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي.

* القوى العالمية:

* الولايات المتحدة:

بقيت علاقة الولايات المتحدة مع «طالبان» على مدار العام الماضي محدودة، وينصبّ نهج واشنطن تجاه أفغانستان على مواجهة التهديدات الإرهابية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبناء نظام سياسي شامل ومستقر، علمًا بأن نظام «طالبان» لم يتخذ أي إجراءات صارمة لتبديد المخاوف إزاء المسألتين الأُوليين، أما ما يخص بناء نظام سياسي شامل ومستقر فلم يتحقق أيّ شيء يُذكر في هذا الصدد، بسبب استثناء «طالبان» لقوى المعارضة والأقليات من مواقع النفوذ والسلطة.

وفي خضمّ الصراع السياسي الداخلي بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، انتقدت المعارضة الأفغانية إدارة بايدن، بسبب الانسحاب الكارثي للقوّات الأمريكية من أفغانستان. وحسب ما أفاد به بعض التقارير الصادرة مؤخّرًا عن «لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي»، فإن نخبة من الجنود الأفغان والعديد من الضباط رفيعي المستوى والقوّات الخاصة ممن تلقّوا التدريب على يد القوّات الأمريكية قد فرّوا بالسلاح إلى إيران. وأضافت التقارير أيضًا أن روسيا والصين وإيران تتطلع إلى تجنيد هؤلاء الجنود، الأمر الذي يثير المخاوف بأنه قد يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي للولايات المتحدة. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون إن «طالبان» لم تفِ بالتزاماتها تجاه الشعب الأفغاني، ووصف إبرام اتفاق الدوحة بأنه خطأ كبير. وقدّم عديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين العام الماضي تشريعًا بعنوان «قانون مكافحة الإرهاب والرقابة والمساءلة في أفغانستان»، لفرض عقوبات على «طالبان» وجميع الحكومات التي تنخرط في علاقات مع الحركة. وتأمل «طالبان» الحصول على الاعتراف بها من الولايات المتحدة وحلفائها، وتسعى أيضًا لتخفيف العقوبات، ورفع تجميد الأصول الأفغانية.

ويسلّط تقرير صادر من الأمم المتحدة الضوء على عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والتعذيب، والاعتقالات التعسفية، وإسكات المعارضة، ومنع ممارسة حرية التعبير التي شهدتها أفغانستان في الأشهر العشرة الأولى من حكم «طالبان». وأبدى مسؤولون أمريكيون شكوكهم في التزامات الحركة تجاه مكافحة الإرهاب، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الدوحة المبرمة في عام 2020م. ويُظهِر مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري مؤخرًا في كابول، الذي كان يعيش في منزل آمن، عدم ثقة الولايات المتحدة وشكوكها حيال الحركة. وأدّى فشل «طالبان» في الوفاء بتوقعات القوى الغربية إلى إعاقة تدفّق المساعدات الإنسانية إلى البلاد.

وحسب ما أفادت به التقارير فإنه منذ فرض «طالبان» السيطرة على أفغانستان وقفت الولايات المتحدة تقديم الدعم لأفغانستان لإعادة إعمار البلاد، وانصبّ تركيزها بدلًا من ذلك على جهود تقديم المساعدة من أجل توفير الاحتياجات الأساسية. ونتيجة لذلك، قادت الولايات المتحدة جهود تقديم المساعدات الإنسانية من خلال وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، فقدّمت ما يقرب من 775 مليون دولار أمريكي حتى الآن.

حتى الآن، ينصبّ نهج واشنطن تجاه أفغانستان على إجلاء المواطنين الأمريكيين، وإعادة توطين وتأهيل الأفغان الذين عانوا من ويلات الأزمات الاقتصادية والإنسانية في البلاد. ومن المرجح أن تقدّم الولايات المتحدة بعض المساعدات الإنسانة لـ«طالبان»، على الرغم من التوترات التي شابت علاقة الطرفين، إذ لا يزال وضع أفغانستان الداخلي في تدهور مستمرّ، ما يشكّل تهديدًا أمنيًّا كبيرًا للدول المجاورة والعالم.

* الصين:

عملت الصين من كثب مع «طالبان»، حتى قبل فرض سيطرتها على أفغانستان، ودعت إلى تشكيل حكومة شاملة في كابول، لأهميتها في تحقيق استقرار طويل الأمد في البلاد. وفي حديثه عن أفغانستان في «قمة منظمة المؤتمر الإسلامي»، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن «الصين تدعم الدول الإسلامية لاستخدام الحكمة الإسلامية من أجل حل القضايا الراهنة». وعقد ممثلو السفارة الصينية عدة اجتماعات مع مسؤولي «طالبان» في عام 2022م، انصبّ معظمها على صياغة بنود الاتفاقيات، من أجل مواصلة أعمال مشاريع تطوير البنية التحتية في أفغانستان. وتحافظ الصين على علاقات وثيقة مع الشركاء الإقليميين الآخرين، من أجل التوصل إلى إجماع إقليمي حول أفغانستان. وقد شارك المسؤولون الصينيون في جميع الحوارات الإقليمية حول أفغانستان، وكثيرًا ما كانت الصين تتباهى بثقلها الدبلوماسي، من خلال التوسط بين الدول المختلفة ولبدء الحوارات حول أفغانستان.

لم تعترف الصين بعدُ بحكومة «طالبان»، إلا أن بكين تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع الحركة، فقد منحت الصين مؤخرًا أفغانستان مساعدات بقيمة 37 مليون دولار أمريكي، للوفاء بتعهّدها الذي قطعته في عام 2021م. كما حثّ الدبلوماسيون والمسؤولون الصينيون الولايات المتحدة على الإفراج عن الأصول الأفغانية، وحسب ما أفادت به التقارير فإن الولايات المتحدة صادرت ما يقرب من 9.5 مليار دولار من الأصول الأفغانية منذ أن فرضت «طالبان» سيطرتها على البلاد.

وبعد الاجتماع الذي عُقد مؤخرًا بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره من «طالبان» أمير خان متقي، على هامش قمة وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون، أعلنت الصين أنها لن تفرض رسومًا جمركية على 98% من السلع المستوردة من أفغانستان، سعيًا منها لإنعاش اقتصاد البلاد، وتعزيز العلاقات الاقتصادية الصينية-الأفغانية.

ألقت الصين باللوم على الولايات المتحدة بسبب هشاشة الوضع في أفغانستان، وكثيرًا ما شدّدت الصين من خلال المؤتمرات الدولية على أهمية الدور الأمريكي لتهيئة الظروف الملائمة في سبيل حل المشكلات التي تعصف بأفغانستان الآن. وتشعر الصين بالقلق إزاء الجماعات الإرهابية، التي تعيد ترتيب صفوفها وتخطط لعمليات إرهابية في أفغانستان، بسبب الخطر الذي تشكله تلك الجماعات على أمن الصين والمنطقة. وتشكّل «حركة تركستان الشرقية الإسلامية» تهديدًا أكبر على الصين من تهديد «طالبان»، وقد حثّت بكين «طالبان» على تضييق الخناق على «تركستان الشرقية الإسلامية».

ولدى الصين أيضًا مصالح اقتصادية كبيرة في أفغانستان، لا سيما في قطاع التعدين. ويُعَدّ منجم «مس عينك» للنحاس، والعقد المبرم من أجل استخراج النفط في ولايتي فراب وسربل، من الاستثمارات الصينية الرئيسية في البلاد. لذلك يُعتبر الاستقرار في البلاد أمرًا بالغ الأهمية لجني ثمار تلك الاستثمارات. ويُعتبر الموقع الإستراتيجي لأفغانستان أمرًا عظيم الأهمية لمبادرة الصين الطموحة «حزام واحد طريق واحد»، كما أن الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية الجيدة مع «طالبان» أمر مهمّ لإدماج أفغانستان في المبادرة، وبالتالي فمن المرجح أن توسع بكين نطاق تعاونها مع أفغانستان لحماية مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في السنوات المقبلة.

* روسيا:

ظلت روسيا تراقب بحذرٍ التطوّرات الداخلية في أفغانستان، لأن التهديدات المتزايدة من تنظيم «الدولة الإسلامية-ولاية خراسان» (داعش-خراسان) سوف تؤثر في اعتبارات موسكو الأمنية. وفي هذا الصدد صرّح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكو مؤخرًا بأن الاعتراف بحكومة تقودها «طالبان» في أفغانستان ليست مدرجة على «جدول الأعمال الحالي» لروسيا. وقال المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان زامير كابولوف، مؤخرًا، إنّ روسيا ستقرر الاعتراف بـ«إمارة أفغانستان الإسلامية»، بغضّ النظر عن رأي الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، كما صرّح أيضًا بأن حكومة سياسية تضم جميع الأعراق في أفغانستان تُعتبر الخطوة الأولى في اتجاه الاعتراف بالإمارة.

إنّ تلقّي حكومة «طالبان» لأي دعم اقتصادي هو مصدر قلق بالنسبة إلى روسيا، على الرغم من حقيقة أن روسيا والمسؤولين الأفغان قد أبرموا اتفاقية لتعزيز التعاون الاقتصادي. وتُعَدّ هذه الاتفاقات والصفقات أمرًا بالغ الأهمية لـ«طالبان» من أجل إعادة دوران عجلة الاقتصاد الأفغاني. كما التقى وفد من «طالبان» مسؤولين روسًا في موسكو لبحث آفاق تطوير العلاقات الاقتصادية، وتعزيز العلاقات التجارية المتبادلة. وحسب ما أفادت به التقارير، تُجري «طالبان» محادثات مع روسيا لاستيراد مليون طن من المنتجات البترولية لمقايضتها بالمعادن والمواد الغذائية والمواد الخام.

يبدو أن نهج روسيا يحمل طابعًا دفاعيًّا إلى حدٍّ كبير، تتمحور نقطة ارتكاز تفاعلات هذا النهج مع «طالبان» حول مصالح روسيا الاقتصادية واعتباراتها الإستراتيجية والأمنية في آسيا الوسطى.

* الدول الأوروبية:

على مدى الأشهُر الاثني عشر التي انقضت منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بقي ملف إرساء نظام سياسي شامل، وكذلك ملف حقوق المرأة والأقلّيات في أفغانستان، بين الشد والجذب بين حركة طالبان والدول الأوروبية، لا سيما أن الأخيرة تنظر إلى هذين الملفين بوصفهما من أهمّ الملفات المحدّدة لمعايير الحكم على سلوك «طالبان». وسعت الحركة خلال عامها الأول إلى مغازلة المجتمع الأوروبي، بهدف كسر الجليد بين قادة الحركة والدول الأوروبية وكسب اعترافها الدولي، وذلك عبر عقد اجتماع لممثلي الحركة برئاسة وزير الخارجية في حكومة «طالبان» الملا أمير خان متقي مع دبلوماسيين غربيين، أواخر يناير 2022م في العاصمة النرويجية، وناقش الوفد مع مسؤولين نرويجيين وممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي قضية الاعتراف بحكومة «طالبان»، ورفع التجميد عن الأصول الأفغانية، أو عبر إبداء سُبل للتواصل مع ممثلي المجتمع المدني الأفغاني في الخارج.

وعلى الرغم من التواصل الملحوظ بين الطرفين، وتأكيدات الحركة سعيها للتخفيف من مواقفها وتحقيق الوعود بالحفاظ على الحقوق والحريات، التي قطعتها إبان الأشهُر الأولى من سيطرتها على الحكم الأفغاني، فإنّ كل تلك الجهود لم تؤدِّ حتى الآن إلى ما كانت تتطلّع إليه الدول الأوروبية، وبقيت تلك الوعود في حدودها الشكلية. وفي هذا السياق أدان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه القيود «الصارمة والمتزايدة» التي تفرضها «طالبان» على حرية المرأة الأفغانية، وأدان كذلك منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على «تويتر»، «الوضع الإنساني المتفاقم، بعد عام من سيطرة طالبان على أفغانستان، وتتزايد انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع، لا سيما ضد النساء والفتيات والأقليات».

ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية للأوضاع الأفغانية

يبدو مستقبل أفغانستان ضبابيًّا في ظل عدم وجود عوامل مساعدة يمكن المراهنة عليها، قد تدفع باتجاه تحسّن في الأوضاع الصعبة التي يعيشها المجتمع الأفغاني. وبالنظر إلى العوامل التي قد تؤثر في المشهد الأفغاني على المدى القريب، يمكن للأوضاع أن تتجه إلى أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:

1. مسار الدولة: وهو سيناريو تفاؤلي قد يحدث فقط في حال كانت على «طالبان» ضغوط دولية ومحفزات بضرورة انتهاج مقاربات تخرج الشعب الأفغاني من عزلته، وتساعد في أن تضطلع المؤسسات الإنسانية والدول الراغبة في مساعدة الشعب الأفغاني، وكذلك تسريع رفع القيود المفروضة على الأموال الأفغانية المحتجزة، لإعادة تنشيط دورة الاقتصاد، الأمر الذي يُعيد الدولة الأفغانية دولة فاعلة في الحظيرة الدولية، إلا أن هذا السيناريو يبدو بعيد المنال، في ظل خفوت الاهتمام بالمسألة الأفغانية، ولجوء الدول إلى مقاربات ثنائية لتحقيق مصالحها وفق الظروف المتاحة، خصوصًا في ظل الانشغال الدولي بقضايا أكثر إلحاحًا.

2. الاقتتال الداخلي: هذا السيناريو قد يحدث في حال استطاعت الفصائل المعارضة توحيد جهودها للتصدي لتفرد عناصر «طالبان» بالسلطة. وعلى الرغم من أن القبضة الحديدية لـ«طالبان» وقدرتها على إخماد ما سمته «التمرد الشمالي» قد حجّم التهديد الذي يعرض حكمها للخطر، فإنّ نشاط تنظيم «داعش-خراسان» لا يزال أحد العوامل المقلقة لنظام «طالبان» داخليًّا. وقد يكون استهداف زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري أحد المؤشرات على وجود حواضن داعمة للتنظيم، ما يجعل التهديد قائمًا أمام حكومة «طالبان». وهذا السيناريو محتمل الحدوث في حال رأت إحدى الدول أن من مصلحتها تقديم الدعم لفصائل المعارضة، إلا أن الدخول في المستنقع الأفغاني يقف أمام كثير من الدول حائلًا دون الانخراط في الشأن الأفغاني.

3. استمرار الوضع الراهن/المتدهور: هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا في ظل صعوبة تأسيس «طالبان» لعلاقات طبيعية مع الخارج، وخشية الحركة من انفلات قبضتها الأمنية وفقدان السيطرة بالداخل، وأيضًا في ظل عدم وجود مبادرات وتواصل مع الحكومة الأفغانية، ما يجعل النظام الحالي يتعامل مع الأوضاع بنفس الطريقة الأمنية التي يجيدها، وليس لديه الاستعداد لتجربة أساليب لا يضمن نجاحها. وعلى الرغم من المناشدات الدولية لحركة طالبان بأن تكون أكثر تشاركية وتسمح بفضاء من الحرية للشعب الأفغاني، فإنّ العناصر النافذة الحالية في الحركة لن تتخلى عمّا تعتبره مكاسب شرعية تتويجًا لنضالها الطويل.

الخلاصة

وفي التقدير، فإنّ السيناريو الأخير، في ظل الأوضاع الأفغانية التي لا تبدو عليها مؤشرات التعافي قريبًا، وفي ظل أيضًا عدم وجود محفزات أو ضغوط تدفع بتغييرات في المشهد القائم، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي والدولي، هو الأقرب لمستقبل الأوضاع في أفغانستان، وكذلك مستقبل الحركة. وبناءً عليه يتوقع التقرير عددًا من ملامح المشهد الأفغاني خلال الأشهُر المقبلة:

1. من غير المتوقع على المدى القريب أن تحصل حكومة «طالبان» على الاعتراف الدولي، على الرغم من أن البدائل والخيارات تكاد تكون معدومة في ظل هيمنة الحركة. لكن من الواضح أيضًا أن الدول وبشكل فردي ستنسج علاقات مصلحية مع حكومة «طالبان» لتحقيق مكاسب تسبق بها الآخرين، وهذا الأمر ربما هو ما تراهن عليه حكومة «طالبان».

2. سيدفع تدهور الوضع الأمني في أفغانستان إلى مزيد من العنف والصراع المسلح في البلاد، فحسب ما أفادت به تقارير الأمم المتحدة، سجّلت البعثة 2106 ضحايا مدنيين بين منتصف أغسطس 2021م ومنتصف يونيو 2022م، بما في ذلك 700 قتيل سقط معظمهم على يد «داعش-خرسان». وصرّحت تقارير صادرة من الأمم المتحدة بوصول حالات الاعتقال إلى 178 حالة، و160 حالة من حالات القتل خارج نطاق القضاء، وغيرها من حالات الحبس الانفرادي والتعذيب.

3. قد تواجه حكومة «طالبان» مقاومة قوية إذا ما اتحدت قوّات المعارضة في وجهها، فقد صرح «المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية» بأنه يسعى إلى توحيد صفوف الجماعات والفصائل السياسية، لتشكيل جبهة مقاومة موحّدة في وجه «طالبان». ويسعى آخرون في المجلس للضغط على الحركة لتغيير سياساتها والكفّ عن التميز العنصري والعرقي، والنجاح في ذلك سيكون محكومًا بعدم استشعار حكومة «طالبان» للأوضاع وتدارك ما يمكن.

4. لا يمكن لأيّ من دول الجوار تجاهل حركة طالبان، لكنهم سيستمرون في مناشدتها لبدء المفاوضات الشاملة مع كل الفصائل السياسية، لضمان استقرار المشهد السياسي في البلاد.

5. ستعرقل ميول «طالبان» لاحتكار السلطة ونبذ قوّات المعارضة طريق أفغانستان نحو مستقبل ديمقراطي.

6. من المرجح أن تستمرّ التوترات السياسية بين الحركة ومناهضيها من قوّات المعارضة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، التي تحاول مقاومة قبضة «طالبان» المهيمنة على البلاد. هذا الرفض قد يدفع «طالبان» إلى استخدام القوة لتثبيت سيطرتها، وبالتالي يفرض مزيدًا من العزلة الدولية، ويطرح فرض عقوبات أقسى على البلاد.

7. من المحتمل أن يتمكن الجناح المعتدل في «طالبان» من إقناع زعيم الحركة الروحي بأهمية الانفتاح على المجتمع الدولي وتبني سياسات معتدلة، لتتمكن الحركة من تلقّي الدعم المالي ورفع التجميد عن أصول البلاد. وفي هذه الحالة قد تنشب توترات بين الفصائل المتشددة والمعتدلة داخل الحركة حول مسار واتجاه البلاد.

8. ستواجه النساء المحتجّات على التمييز العنصري والمطالبات بحقوقهن مزيدًا من المضايقات والاعتقالات التعسفية والتهديدات والاختفاء القسري والتعذيب. وقد يقود تهميش النساء إلى موجة هجرة جديدة من أفغانستان، التي ستؤثر في البلاد في نواحٍ متعدّدة، اقتصادية واجتماعية.

9. قد تواجه حركة طالبان عواقب سياسية وخيمة من تصاعد المعارضة على يد منظمات المجتمع المدني الدولية وجماعات حقوق المرأة والأقليات، ما يزيد العزلة الدولية عليها.

10. سيؤدي لجوء «طالبان» إلى العنف، للسيطرة على الأقليات العرقية والدينية، إلى مزيد من التعبئة من المجتمع الدولي ضدها، وإلى ظهور جيوب جديدة ومتعدّدة من المقاومة في أنحاء البلاد.

11. سيؤدي فشل حكومة «طالبان» في حماية الأقليات إلى تزايد موجات الإرهاب ضدهم، وتفاقم حالة عدم الاستقرار في جميع أرجاء البلاد.

12. على صعيد السياسة الخارجية، سيبقى ملف انتزاع اعتراف دولي بحكم حركة طالبان هو المحرك الأساسي لتحركاتها الداخلية والخارجية خلال الفترة المقبلة، وستسعى «طالبان» إلى إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، رغم الصعوبات التي تعتري هذا المسعى.

مرر للأسفل للمزيد