حالة غضب تنتاب قبائل في دولة ناميبيا، إثر رفض زعمائها للاتفاق مع برلين، والذي بموجبه اعترفت حكومة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الشهر الماضي بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد سكان البلد الإفريقي أوائل القرن العشرين، متعهدة بدفع تعويضات دورية على مدار الثلاثين عامًا المقبلة.
وقتل عشرات الآلاف من شعب هيريرو وناما الناميبي من العطش والتنكيل والاعتقال والتعذيب منذ العام 1904، وقد منعت قوات الحكام الاستعماريين الألمان التي كانت تحتل البلد الإفريقي آنذاك آلاف السكان إلى الناميبيين من العودة لديارهم وأراضيهم الزراعية المتاخمة للمياة، ووفقًا لباحثي الإبادة الجماعية، احتلت أيضًا آبار المياه من جانب القوات الألمانية.
ويلعب أمر الإبادة الذي أصدره قائد قوات الحماية المحلية الألماني، الفريق لوتار فون تروثا، دورًا مركزيًا في الواقعة المخجلة، حيث كان نصه: «داخل الحدود الألمانية (بما فيها دولة ناميبيا)، يجدر أن يُطلق النار على كل شخص من شعب هيريرو يحمل بندقية أو بدونها، سواء كان يرعى أو بدون ماشية. لم أعد أسمح باستقبال النساء والأطفال».
ولم يفقد الرعاة الناميبيين حوالي ثلثي سكانهم فحسب، بل فقدوا أيضًا كل ماشيتهم. وتمت مصادرة الأرض بموجب قانون إداري ألماني.
بعد خمس سنوات من المعارك وطرد شعب هيريرو، استولى العشرات من المستعمرين والمستوطنين على الأرض من الإدارة الاستعمارية وبعد ذلك بوقت قصير بدأوا في تربية الماشية. في ذلك الوقت، عزز عدم المساواة في ناميبيا من نفسه، لكن المفاجأة أنه ما زال مستمراً حتى يومنا هذا.
وقالت مجلة دير شبيجل الألمانية، إن 70% من الأراضي الزراعية المثمرة لا تزال مملوكة للمزارعين البيض من أحفاد المستعمرين الألمان والذين يبلغ عددهم نحو 20 ألفًا.
من ناحية أخرى لا يملك شعب وقبائل هيريرو أي شيء ، الأمر الذي أشعل غضب القبائل لأن الاعتراف الألماني بالإبادة الجماعية، واتفاق التعويضات بشأنه، لا يتضمن شيئًا بشأن استعادة الأراضي.
ولفهم الجدل الحالي حول اتفاقية المصالحة الألمانية الناميبية يتعين على المرء أن ينظر إلى نزاعات الأراضي المستعرة.
في كل مكان في ناميبيا، وخاصة في مناطق هيريرو وناما، تزايدت الدعوات إلى التوزيع العادل للأراضي منذ الاستقلال في عام 1990.
ويعتبر الاعتراف بالإبادة الجماعية وطلب العفو الرسمي من جانب برلين خطوات مهمة نحو المصالحة لمعظم أحفاد الضحايا. لكن لن يكون هناك سلام بدون حل لقضية الأرض. ومسألة الأرض في ناميبيا هي دائمًا مسألة مشاحنات عنصرية بسبب لون البشرة.
«سنأخذ المزارع الألمانية!".. "نحن نعرف أين تعيش!".. "سنقتحم منازلكم ونأخذ معنا كل شيء ثمين".. مثل تلك الرسائل يتم تداولها حاليًا على مواقع التواصل الاجتماعي WhatsApp وFacebook.
وتضاعف الغضب خاصة بشأن المدفوعات المتفق عليها من قبل الدولة الألمانية والتي قدرت بـ1.1 مليار يورو على مدى 30 عامًا.
فكثير من المتضررين يجدون أن التعويض قليل جدا. والأهم من ذلك كله أنهم يريدون عودة أرض أجدادهم، وعليه فإن مسؤولين ووزراء سابقين في ناميبيا يحذرون حتى من اندلاع حرب أهلية.
هناك أشخاص من أحفاد المستعمرين والمستوطنين الألمان يمتلكون 12000 هكتار من الأرض والسكان المحليين يخدمونهم، وتلك هي المعضلة.