أثار قرار روسيا منع إمدادات الغاز لكل من بولندا وبلغاريا أصداء واسعة لايزال صداها يتردد في العواصم الأوروبية، فمن ناحية يبدو أن موسكو مصرة على قرار دفع ثمن شحنات الغاز بالروبل الروسي، ومن ناحية أخرى أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، أن الاتحاد الأوروبي يستعد لإعلان رد منسق.
ومن الولايات المتحدة، اتهم البيت الأبيض الكرملين باستخدام إمدادات الطاقة كسلاح، وقالت جين ساكي، الناطقة باسم البيت الأبيض: «مما يؤسف له أن هذا هو مثال كان متوقعًا لما يشبه استخدام إمدادات الطاقة كسلاح».
وفي أعقاب قرار منع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا، سارعت دول أوروبية كالنمسا وهنغاريا، الأربعاء، إلى الإعلان عن التزامها بشراء الغاز الروسي بالروبل، وهو ما يعده خبراء اقتصاديون علامة على أن قرار وقف الغاز هذا سيسهم في دفع العديد من الدول الأوروبية للدفع بالروبل.
وكشفت وكالة «بلومبرج» الأمريكية أن 10 دول من الاتحاد الأوروبي وافقت على شراء الغاز الروسي بالروبل.
ويرى مراقبون في القرار الروسي ضربًا من العقاب الاقتصادي، وأن موسكو تريد من وراء هذه الخطوة أن تظهر للاتحاد الأوروبي، كم أن مصادر الطاقة الروسية مهمة للأمن الطاقي والاستقرار السياسي والاقتصادي.
وتعليقًا على القرار الروسي وتداعياته، يقول تيمور دويدار، الخبير الاقتصادي والمستشار في قطاع الأعمال والاستثمارات: «بولندا تستورد 10 مليار متر مكعب من غازبروم وهو ما يشكل نحو 5.5% من صادراتها للخارج، أما بلغاريا فتشتري ما نسبته نحو 3.5 مليار متر مكعب ما تبلغ نسبته 2.5% من صادراتها، أي أن النسبة لكلا البلدين بالكاد تبلغ 8% من إجمالي مبيعات عملاق الغاز الروسي، وهو ما يجعل وقف بيع الغاز لهما غير ذي تأثير يذكر على قطاع الطاقة الروسي».
وعن تأثير القرار على بولندا، أوضح الخبير الاقتصادي قائلا: «في بولندا، يبلغ الاستهلاك السنوي للغاز بحدود 22 مليار متر مكعب، حيث هي تنتج نحو 5.6 مليار متر وتشتري من روسيا 10 مليارات، والمتبقي يتم شراؤه من ألمانيا وهو غاز روسي طبعًا، كما يؤمن ميناء سفينويست الخاص بالغاز المسيل قسطًا من احتياجات البلاد، وطاقته التوربدية تبلغ 5 مليارات متر، ويخطط لرفع طاقته الاستيعابية إلى 7.5 مليار حيث الاعتماد هو على الغاز الأميركي هنا بالدرجة الأولى».
أما بلغاريا فغالبية غازها أيضًا يأتي من روسيا، وهي الآن بدأت بشراء الغاز من أذربيجان وتسعى قبل نهاية العام كي يصل الأنبوب القائم بين أذربيجان واليونان لبلغاريا، ولهذا فإن القرار أقل وطأة عليها كونها تعتمد على مصادر أوروبية لتأمين الغاز
في المقابل، وصف الخبير الاقتصادي والمختص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، القرار الروسي بـ«التطور الخطير»، معتبرًا أنه «بداية لتدشين البدء باستعمال ورقة الطاقة كسلاح، وتنفيذًا لقرار اشتراط بيع الغاز بالروبل الروسي للدول غير الصديقة وفق موسكو، وهو ما رفضته كل من بولندا وبلغاريا، ووافقت عليه دول أوروبية أخرى كالنمسا وهنغاريا».
وعن خيارات الدول المستهدفة بالقرار الروسي، يقول الخبير بشؤون الطاقة: «بولندا مثلًا، العقد بينها وروسيا كان من المفترض أن ينتهي مع نهاية العام الجاري، علاوة على أنها قد احتاطت بتأمين مخزون غازي بنسبة تقارب 80%، وبمقدورها الاستعانة طبعًا بالغاز الطبيعي من شبكات الأنابيب الأوروبية المختلفة، كما ولديها محطات استقبال الغاز المسال الذي تستورده من دول أخرى».
لكنه استدرك أن، «أزمة الطاقة ستشتد بدون شك وتصل لأقصى مداها مع بداية فصل الشتاء في أوروبا والعالم ككل وهو ما تفصلنا عنه بضعة أشهر فقط، حيث سيكون الطلب العالي وسط شح المعروض مما سيرفع كتحصيل حاصل أسعار الغاز والنفط أكثر مما هي عليه وقد تبلغ مستويات قياسية جديدة».
وتوقع الخبير الاقتصادي أن يعجل القرار الروسي منع ضخ الغاز عن بولندا وبلغاريا من وتيرة المساعي الأوروبية نحو الاستغناء على الغاز الروسي، والمضي صوب اعتماد حزم جديدة من العقوبات قد تشمل النفط الروسي هذه المرة.
هذا وعلى وقع القرار الروسي وفي بداية تعاملات الأربعاء، قفزت أسعار عقود الغاز في البورصات الأوروبية بنحو 21% وتجاوزت مستوى 1350 دولارًا لكل ألف متر مكعب.