تُعدّ منطقة الباحة من أهم المناطق الزراعية على مستوى المملكة؛ لما تزخر به من مقومات طبيعة وهبها الله تعالى لها من حيث توفر التربة الصالحة للزراعة والمياه الجوفية المتوافرة بكميات كبيرة، وجريان العديد من الأودية بها على مدار العام.
وتشكل مزارع العنب المنتشرة في المنطقة ومحافظاتها مشهدًا طبيعيًّا أخاذًا، حيث تجود في مثل هذا الوقت من كل عام بأفضل المحصول المعروف بجودة ثماره وتنوعه ووفرته، وسط اهتمام من الشباب بمزاولة مهنة زراعة العنب التي توارثوها عن الأبناء والأجداد عبر رحلة مليئة بالتحديات التي تجسد روح العطاء والاهتمام والاستدامة.
وأوضح المدير العام لفرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة الباحة المهندس فهد مفتاح الزهراني لوكالة الأنباء السعودية، بأن زراعة العنب تعد من المحاصيل الواعدة التي تشهد اهتمامًا متزايدًا من المزارعين، حيث تبلغ المساحة المزروعة بالمنطقة حاليًا 51 هكتارًا بإنتاج سنوي يصل إلى 772 طنًّا من أجود أصناف العنب.
وأشار إلى أن مشروع "مدينة العنب" الجاري طرحه بمحافظة بلجرشي يقام على مساحة 790 ألف متر مربع، وسيكون منصة متكاملة لدعم هذا المنتج من خلال توفير مرافق وخدمات متطورة تشمل الفرز والتعبئة والتغليف والتبريد والتسويق بما يسهم في رفع جودة الإنتاج وتعزيز قدرته التنافسية في الأسواق المحلية، إضافة إلى تمكين المنتجين من الوصول المباشر إلى المستهلكين عبر قنوات بيع منظمة.
وأكد أن فرع الوزارة يعمل على تمكين المزارعين من خلال برامج الدعم الحكومية، إذ استفاد مزارعو العنب من برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف) الذي وفر دعمًا ماليًّا وفنيًا لتطوير ورفع كفاءة الإنتاج، كما دُعم عدد من المزارع من خلال برنامج الزراعة العضوية للحصول على شهادة الزراعة العضوية وتبني ممارسات إنتاجية صديقة للبيئة مما أسهم في تحسين جودة المنتج.
وبين أن مشروع تأهيل المدرجات الزراعية في منطقة الباحة، شكل عاملًا مهمًا في زيادة المساحات الصالحة لزراعة العنب والمحاصيل الأخرى، وذلك بإعادة تأهيل المدرجات القديمة وتحسين قدرتها على حصاد مياه الأمطار والحد من انجراف التربة؛ مما انعكس إيجابًا على استدامة الإنتاج الزراعي.
وبين المهندس الزهراني أن الفرع يواصل جهوده في التوسع بزراعة أصناف العنب الملائمة لبيئة الباحة، وتعميم أنظمة الري الحديثة، وتنفيذ الحقول الإرشادية وبرامج التدريب الميداني؛ بما يواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030 في التنمية الريفية المستدامة وتعظيم القيمة المضافة للمنتجات الزراعية المحلية.
من جانبه أشار المزارع علي الزهراني، أنهم توارثوا كيفية زراعة العنب عبر الأجيال، إذ تتم عملية " التحبيس" في شهر مايو، وهي عبارة عن تقليم الأغصان التي تحمل أوراقًا كثيفة تغطي الثمار في مراحلها الأولى وتمنعها من التعرض للشمس والتهوية والتخلص من الأوراق الزائدة عن حاجة شجرة العنب التي تنضج في شهري يوليو وأغسطس من كل عام.
وعن كيفية زراعة شجر العنب قال صاحب أكبر مزرعة أعناب بالباحة المزارع فيصل بن مداوس الغامدي: "إن زراعة العنب تتم عن طريق أخذ غصن من شجرة العنب ويغرس بطريقة رأسية في الأرض، وتبدأ عملية العناية به بوضع السماد الطبيعي، ومواصلة ريه بالماء، حتى تظهر الشجرة من أحد الطرفين المغروسين، وأحيانًا تظهر من كلا الطرفين كشجرتين.
وأشار الغامدي إلى أن شجرة العنب تتميز بامتدادها، إذ تصل إلى أكثر من 10 أمتار، تمتد على نحو أفقي على الأعمدة في المزارع، وترفع عن الأرض بمعدل مترين تقريبًا بالركائز الخشبية، وهي الطريقة التقليدية القديمة، التي استُبدلت بالبلاستكية أو المعدنية التي تمنح المزارع شكلًا جميلًا.
وتشتهر المنطقة بزراعة أشجار العنب بأنواعه المختلفة وإنتاجها الغزير، وتعد شجرة العنب من المحاصيل الرئيسة التي تحتل موقعًا مميزًا ضمن بساتين الفاكهة المتنوعة في المنطقة، التي تُسهم في تنويع الإنتاج الزراعي وتعزيز القيمة الاقتصادية للقطاع الزراعي، بما يواكب تطلعات التنمية الزراعية المستدامة مع الحفاظ على الطابع الطبيعي والثقافي للمنطقة، حتى أصبحت مع مرور الوقت مصدرًا أساسيًا مهمًا من مصادر الأمن الغذائي، ورافدًا اقتصاديًا يرفد أسواق مناطق المملكة، وسلة غذائية قيّمة.