مجدّدًا حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تبرير العدوان العسكري لجيشه على شمال سوريا، بما وصفها بـ«الأزمة الإنسانية بسوريا، التي دفعت ملايين اللاجئين إلى الهروب إلى بلاده»، زاعمًا أن «العملية العسكرية هدفها محاربة حزب العمال الكردي وأتباع داعش، وليس أي إثنية أو طائفة أخرى».
وتعلّل أردوغان -في مقال نشرته جريدة «وول ستريت جورنال» أمس الإثنين- بوجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ داخل بلاده من ضحايا الحرب في سوريا التي بدأت منذ العام 2011.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي وهيئات الأمم المتحدة خصصت مساعدات مالية ضخمة للاجئين في تركيا منذ بدء الحرب، فإن الرئيس التركي قال إن «تركيا وحدها هي من حملت عبء الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحرب، باستضافة 3.6 مليون لاجئ، وإنفاق 40 مليار دولار على التعليم والصحة والإسكان».
وتتناقض مزاعم أردوغان، مع ما سبق أن خصصته هيئات المجتمع الدولي من أموال لدعم طالبي اللجوء في تركيا، وكان آخرها إعلان المفوضية الأوروبية، في أغسطس الماضي، تخصيص مبلغ 127 مليون يورو لصالح اللاجئين وبرنامج البطاقات الحمراء المطبّق في تركيا، ليصل إجمال إسهاماتها في هذا الشأن لحوالي مليار و125 مليون يورو. هذا إلى جانب تخصيص مبلغ 400 مليون يورو لتعليم اللاجئين السوريين، وهي بيانات وأرقام تدحض مزاعم الرئيس التركي، بأن بلاده وحدها هي من تحمل عبء الأزمة.
وسبق أن أبرمت تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقًا في العام 2016 بشأن التعامل مع اللاجئين السوريين داخل تركيا، نصّ على أن تحصل أنقرة على 3 مليارات دولار مساعدات على شرائح، تقدم من ميزانية الاتحاد.
ورغم هذه المساعدات الضخمة، فإن الرئيس التركي استمر في إنكار الدعم الدولي، قائلًا: «في مرحلة معينة، بلغت تركيا أقصى طاقتها.. حذّرت إدارتي مرارًا بأننا لن نكون قادرين على وقف تدفق اللاجئين إلى الغرب دون دعم دولي.. لكن هذه التحذيرات لم تلق الآذان المصغية من المجتمع الدولي الراغب في تفادي تحمّل جزء من المسؤولية».
ومن هنا، أقرّ أردوغان بأن هذا هو السبب الرئيسي في شن عدوان عسكريّ على شمال سوريا، مدعيًا أنه وضع خطة لشمال سوريا، وقدّم تلك الخطة أمام قادة العالم في الجمعية العامّ للأمم المتحدة، التي انعقدت الشهر الماضي.
وقال: «استنتجت إدارتي أن المجتمع الدولي لن يتصرف، وبالتالي وضعنا خطة لشمال سوريا، شملت تلك الخطة العملية العسكرية التي انطلقت الأسبوع الماضي (نبع السلام) لإنهاء الأزمة الإنسانية ومواجهة العنف وانعدام الاستقرار، وهما من الأسباب الرئيسية للهجرة. وفي غياب خطة بديلة للتعامل مع أزمة اللاجئين، على المجتمع الدوليّ الانضمام إلى جهودنا أو قبول اللاجئين في البلدان الأخرى».
إلا أن العدوان التركي في شمال سوريا، أثار حملات استهجان وانتقاد واسعة على مستوى العالم، بل ودفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التهديد صراحة بـ«تدمير الاقتصاد التركي إن لم توقف أنقرة عدوانها»، كما طالبت الدول الكبرى -وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا- تركيا بوقف عملياتها العسكرية، بالإضافة إلى تعليق مبيعات الأسلحة إلى أنقرة، والاستعداد لفرض عقوبات بحقها.
بدورها؛ اعتبرت جامعة الدول العربية العملية التركية «غزوا يستهدف اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية»، وقال الأمين العامّ لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط: «نرفض الضغط على العالم بورقة اللاجئين، مؤكدًا أن تركيا تسعى إلى تغيير ديمغرافي في الشمال السوري».
وادّعى أردوغان أن جيشه يعمل إلى جانب الجيش السوري الوطني من أجل القضاء على ما وصفه بـ«العناصر الإرهابية في شمال شرق سوريا»، في إشارة إلى حزب العمال الكردي، الذي تضعه أنقرة على قائمة التنظيمات الإرهابية.
وقال: «تلك الميليشيات تمنع اللاجئين السوريين، بينهم 300 ألف كردي، من العودة إلى بلدهم. مهمتنا هي محاربة حزب العمال الكردي وأتباعه السوريين إلى جانب تنظيم داعش».
ورغم ادّعاء أردوغان أن تركيا «ليس لديها أي مشكل مع أي إثنية أو طائفة دينية أخرى في المنطقة»، وأن «جميع مواطني سوريا، الذين لا ينتمون إلى تنظيمات إرهابية، سواسية أمامنا»، إلا أن كثيرًا من المحللين حذروا من أن عملية تركيا العسكرية ما هي «إلا تطهير عرقي بحق الأكراد، تهدف إلى القضاء على التواجد الكردي في هذه المنطقة وتهجير أهلها الأصليين».
وبينما أكد الرئيس التركي التزام بلاده بمنع مغادرة أي من عناصر «داعش» المحتجزين لشمال سوريا، واستعداده للتعاون مع المجتمع الدولي والهيئات الدولية بشأن إعادة توطين عائلات المقاتلين، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، مساء الإثنين، هروب مقاتلين من «داعش» من مخيم عين عيسى، في أعقاب وقوع اشتباك مسلح بين عائلات «داعش» ومدنيين في المخيم، ما أدّى إلى إخلاء المخيم وهروب «الدواعش» بتغطية من قوات العدوان التركي، التي استهدفت المخيم بشكل رئيس.
ورأى أردوغان أن «المجتمع الدوليّ فوّت فرصته من أجل إنهاء الأزمة السورية ومنعها من جرّ الإقليم بأكمله إلى دوامة من عدم الاستقرار»، زاعمًا أن «عملية نبع السلام تمثل فرصة ثانية من أجل إنهاء حروب الوكالة داخل سوريا واستعادة السلام والاستقرار في الإقليم، وعلى أوروبا والعالم مساعدة تركيا في ذلك».