لا يزال الجدل مستمراً هذه الأيام حول التكنولوجيا، وكيف يمكن أن تدمر كل شيء بما في ذلك سعادتنا، وحسب الفريق المعارض لسيطرة التكنولوجيا فإنها على سبيل المثال قد تؤثر علينا نفسياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتصيبنا بما يطلق علي «FOMO»، وهي حالة قد تدفع الأشخاص إلى الرغبة في أن يكونوا على اتصال دائم بهذه الوسائل، خوفاً من فوات حدثٍ ما لا يشاركون فيه، ومن ثم فإنها تمثل قلقاً قهرياً من فقدان علاقة اجتماعية، أو الخوف من عدم رؤية وجهات نظر متعددة حول القضايا المختلفة، وحسب هؤلاء فإننا كمجتمع نشعر بقلق متزايد من أن تقنيات مثل الهواتف الذكية والوسائط الاجتماعية قد تؤدي إلى مزيد من المقارنة الاجتماعية، والتسلط عبر الإنترنت، والشعور بالوحدة، وكلها حجرة عثرة في سبيل السعادة.
وفي الواقع يبدو أن التكنولوجيا ضارة بسعادتنا عندما تتداخل مع العمليات العقلية والاجتماعية والعاطفية والسلوكية التي تسهم في تحقيق الرفاهية، لكننا غالباً ما نفشل في إدراك ومناقشة الطرق التي يمكن أن تدعم بها التكنولوجيا أيضاً السعادة والرفاهية، على سبيل المثال عندما تتيح لنا مكالمات الفيديو التحدث إلى أشخاص من جميع أنحاء العالم، أو عندما تعطينا التطبيقات أو المقالات عبر الإنترنت إحساساً ما، وحسب الخبراء المدافعين عن التكنولوجيا وتأثيرها، فإن هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تضر بها التكنولوجيا سعادتنا، ولكن هناك أيضاً العديد من الطرق التي تدعم بها التكنولوجيا سعادتنا وتدعمها، خاصة إذا استخدمناها بالطريقة الصحيحة.
وحسب هؤلاء يمكن أن تؤذي التكنولوجيا (الإنترنت والهواتف الذكية والوسائط الاجتماعية) سعادتنا، خاصةً إذا تركناها تتداخل أو لنبتعد عن التفاعلات المباشرة، ولكن إذا كنا نعرف كيفية استخدامنا لها، فإن لديها القدرة على جعلنا أكثر سعادة، وإذا كنت تحاول الحد من استخدام التكنولوجيا لك أو لأطفالك، فلست بحاجة إلى التخلص من الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، فلا تنس بعض فوائدها المحتملة، وتذكر فقط أن ما ينقصها هو التفكير في استخدامها بطرق تعزز السعادة، وفيما يلي أربع طرق تستند إلى الأبحاث لقضاء وقتك مع التكنولوجيا التي يمكن أن تعزز صحتك وسعادتك ورفاهيتك:
1- الانخراط في الأنشطة التي تعزز السعادة:
تمثل وسائل التواصل الاجتماعي مساحة يمكننا من خلالها التواصل اجتماعياً والانخراط في سلوك مفيد، وهي أنشطة أثبتت أنها تعزز الصحة والرفاهية، وعلى سبيل المثال من خلال إرسال رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي يمكننا التعبير عن كلمة طيبة أو مشاركة امتناننا لشخص ما، في أي وقت نريده وبسهولة، حتى للأشخاص البعيدين، وقد أشارت دراسة حديثة إلى أنه من بين الشباب الذين يعانون من أعراض الاكتئاب، كانت وسائل التواصل الاجتماعي مهمة جداً لمساعدتهم في التعبير عن أنفسهم والحصول على الإلهام من الآخرين، والقضاء حتى على الشعور بالوحدة.
وجاء في الدراسة أن 30 في المائة من الشباب الذين يعانون من أعراض اكتئاب مرتفعة قالوا إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عندما يشعرون بالاكتئاب أو التوتر أو القلق عادة ما يجعلهم يشعرون بتحسن، بينما قال 22 في المائة فقط إن هذا يجعلهم يشعرون بأنهم أسوأ، فيما قال أحدهم: «وسائل التواصل الاجتماعي تجعلني أضحك وتبقيني مشتتاً حتى يتسنى لي الوقت للتنفس وجمع نفسي»، فيما قال آخر: «تساعدني أن أشعر بالخارج، خارج نطاقي قليلاً وإيجاد موضوعات مثيرة للاهتمام أريد أن أتأمل فيها».
وعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تبدو مفيدة للبعض، فقد لا تكون أفضل استراتيجية للتغلب على تحديات الصحة العقلية، بالنظر إلى بعض العادات الإشكالية التي قد تشجعها، مثل مقارنة أنفسنا بحياة مثالية للأصدقاء والآخرين الذين نتابعهم، ولكن عندما نستخدمها بالتزامن مع التفاعلات الاجتماعية وجهاً لوجه، هنا تبدو بالفعل أداة مفيدة للتعبير عن الذات والاتصال الاجتماعي.
2- الانخراط بنشاط مع مجتمعك:
وجدت دراسة أن الأشخاص الذين يستخدمون فيسبوك بفاعلية أقل، كالتمرير مثلاً دون التفاعل مع الآخرين، يميلون إلى الاكتئاب، حيث قد تحفز تلك السلبية ما يسمي بسلوكيات المقارنة الاجتماعية الصعودية، والتي يمكن أن تجعل الناس يشعرون بالنقص أو الحقد أو كليهما، لكن الأشخاص الذين يستخدمونه بشكل أكثر نشاطاً (على سبيل المثال، الإعجاب والتعليق والنشر) يميلون إلى انخفاض مستويات الاكتئاب لديهم، ومع مرور الوقت يبلغون عن حصولهم على ردود فعل إيجابية أكثر وإعجابات ودعم اجتماعي من الآخرين، مما قد يساهم في انخفاض أعراض الاكتئاب لديهم.
ويشير هذا إلى أن بعض طرق التواصل مع الآخرين عبر الإنترنت قد تكون مفيدة لنا، ربما لأنها تنطوي على اتصال اجتماعي بدلاً من المقارنة الاجتماعية، من خلال التواصل مع الآخرين والمشاركة في تفاعلات اجتماعية ذات مغزى وتعزيز روابطنا الاجتماعية.
3- تعلم أهداف وعادات جديدة:
لقد أتاحت لنا التكنولوجيا الوصول إلى الكثير من موارد الصحة والعافية، مما يجعل من الأسهل من أي وقت مضى بناء وممارسة مهارات مثل الامتنان وتنظيم العواطف، ويمكنك الآن استخدام التطبيقات للقيام بكل شيء بدءاً من تتبع حالتك المزاجية وحتى ممارسة التنفس العلاجي إلى بناء المرونة، وعلى الرغم من أن جميع تطبيقات الصحة ليست فعالة بنفس القدر، تشير الأبحاث إلى أن تطبيقات الهواتف الذكية القائمة على الأدلة يمكن أن تعلمنا بالفعل المهارات التي نحتاجها لتحسين رفاهيتنا، وتساعدنا على البقاء متحمسين للقيام بذلك، وحتى تفيد صحتنا العقلية.
على سبيل المثال استكشفت دراسة مؤخراً فوائد التطبيقات التي تقدم تقنيات العلاج السلوكي المعرفي، والتطبيقات التي تتنبأ بمزاج الأشخاص وتتدخل مع الدعم في الوقت المناسب، فوجد الباحثون أن التدريب القائم على الكمبيوتر في تنظيم العاطفة قد حد من القلق، وحقق الرفاهية بين أولئك الذين واجهوا مشكلة في تنظيم عواطفهم.
4- البحث عن المعلومات والقصص المتعلقة بالصحة:
نظراً لأننا جميعاً نسعى جاهدين لرعاية عقولنا وأجسادنا، فقد وصل 80 في المائة من الشباب إلى الإنترنت للحصول على معلومات صحية، حسب بعض الإحصاءات ببعض الدول، وفي الواقع قد نستخدم الإنترنت للتعرف على تحديات الصحة والعافية، أو قراءة قصص الآخرين المتعلقة بالصحة، أو البحث عن ممارس صحي، وتشير الأبحاث إلى أنه من خلال القيام بذلك قد نكون قادرين على الشعور بثقة أكبر في قراراتنا وتحسين اتصالاتنا مع مقدمي الخدمات الصحية.
وقد يكون استخدام الإنترنت بهذه الطرق مهماً لأولئك الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب، وحسب الخبراء فإن 90 في المائة من الشباب المصابين بالاكتئاب قد ذهبوا عبر الإنترنت للبحث عن معلومات حول مشاكل الصحة العقلية، على الرغم من أننا نحتاج إلى مزيد من البحث لفهم كيفية استخدام هذه المعلومات، إلا أن الإنترنت يبدو أنه وسيلة أخرى يبحث فيها المحتاجون عن الدعم، ومن خلال الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالصحة والصحة العقلية والرفاه، تمكننا التكنولوجيا من البحث عن واكتشاف استراتيجيات الصحة التي نحتاج إليها بسهولة أكبر، ومع ذلك لكي يكون الإنترنت أداة مفيدة للعثور على المعلومات الصحية، من المهم أيضاً ضمان معرفة الأشخاص لمواقع الويب الموثوقة، وكيفية تحديد التحديات الصحية بدقة، مع كيفية تطبيق ما بها من المعلومات.