كشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أطماع النظام التركي في منطقة شرق البحر المتوسط، الغنية بالاحتياطات الضخمة من الغاز، وقالت إنَّ أنقرة أشعلت لعبة وصفتها بـ«الخطرة» لبسط سيطرتها واتبعت سياسات «استفزازية».
وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته اليوم الأحد (ترجمته عاجل)، إنَّ أطماع أنقرة في منطقة شرق المتوسط تركها معزولة بين الدول ذات المصالح في المنطقة، كما أن مساعيها للسيطرة على الاحتياطات الهائلة هناك يهدد استثمارات دولية بقيمة مليارات الدولارات.
كما اتهمت أنقرة باتباع سياسات «استفزازية» بتوجيه من الرئيس رجب طيب أردوغان، ردًا على إقصائها من المساعي الإقليمية لاستكشاف احتياطات الغاز في المنطقة، وهو ما يهدد أمن الطاقة للدول ذات المصالح هناك، وبينها مصر واليونان وقبرص وغيرها، ويهدد الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها هذه الدول.
واستشهدت الصحيفة بتصريحات عدائية من مسؤولي أردوغان بشأن القضية، وبينها تصريحات أدلى بها نائب الرئيس التركي، فوات أوكتاي، يونيو الماضي، قال فيها: «سنقوم بتمزيق خرائط شرقي البحر المتوسط التي تعزلنا على الشاطئ».
وتملك منطقة شرق المتوسط إمكانية التحول إلى أحد أكبر مصادر الوقود الحفري في العالم، مع مصادر ضخمة من الغاز لتزويد الدول المحيطة بهذا الحوض، مع إمكانية التصدير، وتحركت الدول المحيطة بالمنطقة من مصر واليونان وقبرص وإسرائيل للتعاون والبدء في مشاريع استكشافية ضخمة أملًا في إبعاد اقتصاداتهم عن اعتمادها على الوقود التقليدي مثل الفحم.
لكن نتيجة لإقصائها بسبب تحركاتها المشبوهة، تعمل تركيا على عرقلة أي طموحات في شرقي المتوسط، وقررت إرسال سفنها البحرية لترهيب سفن الحفر التابعة للشركات الدولية هناك وإرسال فرق الاستكشاف الخاصة بها.
وحذرت الصحيفة البريطانية من أنَّ تحركات أنقرة «تغذي لعبة إقليمية» هدفها السيطرة على احتياطات الطاقة، وستجر عديد من الدول إلى هذا الصراع، كما أنها ستسبب اضطرابات كبيرة داخل أوروبا والولايات المتحدة.
تدخل مباشر في ليبيا
وبفعل أطماع أردوغان، أصبحت ليبيا «نقطة الاشتعال» الأولى لسياساته التوسعية، حسب الصحيفة، حيث وسعت تركيا تواجدها العسكري هناك بعد إبرام اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، يسمح لأنقرة بالحفر واستكشاف احتياطات النفط والغاز قبالة السواحل الليبية.
وتسبب تدخل تركيا المفتوح في ليبيا في وضعها أمام مواجهة مباشرة مع مصر والإمارات وروسيا، وهي الدول الداعمة للمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي.
وفي هذا الصدد، قالت الباحثة في الشؤون التركية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، دوروثي شميد: «لقد حولت الأمر إلى قضية استراتيجية.. فأنقرة، كما يراها العديد في أوروبا، لاعب استفزازي يشن حروبًا في مناطق مختلفة، وتسلك سلوك عدائي للغاية ضد الاتحاد الأوروبي».
وترى «فاينانشيال تايمز» أن إرسال تركيا للسفن البحرية والفرقاطات العسكرية إلى مياه متنازع عليها هي إحدى صفات رؤية أردوغان للسياسة الخارجية، وهي رؤية «عدائية أزعجت حلفاء تركيا التقليديين وأثارت مخاوف أعدائها».
دولة قراصنة
وتحدثت الصحيفة عن أنشطة «القرصنة» لأنقرة، حيث سعت الأخيرة بشكل متنامٍ إلى تعطيل أي أنشطة لشركات النفط الدولية العاملة في شرقي المتوسط والمرخصة من قبرص.
وفي بداية 2018، منعت سفن عسكرية تركية حفارة تابعة لشركة «إيني» الإيطالية من العمل قبالة قبرص، في حادثة قال عنها المدير التنفيذي للشركة، كلوديو ديسكالزي: «لا نرغب في انفجار حرب بسبب حفر الآبار».
وفي نهاية العام نفسه، بدأ أردوغان في أنشطة استكشاف خاصة بدولته بدون موافقة الدول المعنية، وفي شهر أكتوبر، أبحرت سفينة حفر مصحوبة بسفن حربية وبدأت العمل في المياه المتنازع عليها.
وأرجعت بعض المصادر التي تحدثت إليها الصحيفة تحركات أنقرة إلى «حاجتها الماسة لتنويع إمدادات الطاقة الخاصة بها، فاعتمادها الكبير على استيراد الطاقة يساهم في العجز المستمر لموازنتها ويحد من قدرة أنقرة على المراوغة السياسية»، فيما يرى كثيرون في الصناعة أن تحركات أنقرة ماهي إلا «استراتيجية معرقلة ذات أسباب سياسية خالصة وليس طموحًا لتنويع مصادرها للطاقة».
ودفعت التحركات التركية عديد من الدبلوماسيين للتحذير من تصعيد خطير في التوترات شرقي المتوسط في حال مضت أنقرة قدمًا في خططها للبحث والتنقيب قبالة سواحل جزيرة كريت، وقال مسؤول أوروبي: «في حال نقبت تركيا قبالة كريت، ستضطر اليونان إلى الرد».
اقرأ أيضًا: