هروب من موطن الذكريات، وهجرة من منزل الآباء والأجداد إلى مكان يُعتقد أنه أكثر أمانا، تلك نتائج واحدة للحروب التي تتعدد الأسباب لنشوبها.
ففي واقعة مثيرة جمعت الصدفة امرأتين وجدتا ملاذا آمنا في ويلز للتعرف على تجارب بعضهما، رغم أن 72 عاماً تفصل بين التجربتين.
وانحدرت رينات كولينز من براغ والناجية من المحرقة قد هربت عام 1939، أما غفران حمزة فغادرت منزلها في سوريا مع اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.
وفي افتتاح معرض يتتبع حياة اللاجئين في ويلز منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا التقت المرأتان.
وفي البداية تقول رينات: "بعد انتهاء الحرب، أمضيت في ويلز فترة أطول مما قضيتها في براغ. أشعر أنني بريطانية"، ووافقت غفران على ذلك قائلة: "أشعر أن هذا مكاني، ولا أشعر بأنني أنتمي إلى أي بلد آخر".
وتحمل كلتاهما ذكريات مؤلمة عن البلدين اللذين تركتاه وراءهما، حيث كانت رينات تبلغ من العمر خمس سنوات عندما استقلت آخر قطار من براغ بعد اندلاع الحرب، حيث لم تكن والدة رينات تريد أن تغادر ابنتها لأنها كانت تعاني من جدري الماء والحمى.
أما غفران ففرت هي وعائلتها من سوريا عام 2011 مع تصاعد حدة عنف الحرب الأهلية.
وقالت: "بين عشية وضحاها قرر والدي أن نغادر. حزمنا كل شيء وذهبنا بشكل غير قانوني إلى لبنان"، وأمضت الأسرة السنوات السبع التالية "مختبئة" من السلطات والعنف إلى أن تلقت خبر إمكانية اللجوء إلى بريطانيا.
وبدأ وصول كل من رينات وغفران إلى ويلز ببعض التحديات، لكنهما انتصرتا في النهاية.
وقالت رينات "الكلمتان الوحيدتان اللتان أعرفهما هما نعم ولا، وهما أخطر الكلمات. كيف أعرف بالله عليك متى أقول نعم ومتى أقول لا".
كانت الحياة في بورث مختلفة تماما عن الحياة في براغ. كان والد رينات بالتبني قسيسا معمدانيا في مجتمع صغير، وقالت: "لم يسمع الكثير من الناس في وادي روندا عن تشيكوسلوفاكيا".
لكن رينات قالت إنها تأقلمت بسرعة لأنها كانت لا تزال طفلة صغيرة، عندما ذهبت إلى المدرسة كنت مثل أي طفل من أطفال المنطقة. كان الأمر رائعا للغاية".
أما غفران فاضطرت إلى التكيف مع الحياة في ويلز جنبا إلى جنب مع أجيال مختلفة من عائلتها.
وقالت: "أعتقد أنه حتى الآن لا يزال والداي غير قادرين على التكيف مع النظام هنا تماماً".
وأوضحت أن الاختلاف في الثقافة والأفكار المسبقة لدى الناس عن السوريين "جعلت التأقلم صعبا".
وقالت: "ينظر الناس إلينا بطريقة مختلفة، خاصة بسبب المآسي التي تنقلها الأخبار وكل ما يسمعونه عن ديني".
اما غفران قالت إنها تشعر دائما بالترحاب في ويلز، وأضافت: "لم أواجه أي عنصرية في مدينة أبيريستويث على وجه التحديد. كان الناس يعاملوننا دائما بطريقة لطيفة".
وقالت رينات: "بعد الحرب لم أستطع أن أصبح مواطنة بريطانية. كان علي أن أنتظر عامين ونصف العام قبل أن يتبناني أحد لأنه لم يكن هناك أحد في براغ ليخبرني عن عدد أفراد أسرتي الذين ماتوا".
بعد سنوات اكتشفت أنها فقدت 64 من أفراد عائلتها، من بينهم والدتها ووالدها، وكان ذلك كما أعتقد صدمة لي نوعا ما".
وقالت غفران إن المعاناة التي واجهتها في سوريا لم تتركها أبدا، ولا أظن أن ذلك هو بلدي وهو ما يتعب في قلبي. أشعر بالخذلان العميق".
وتتحدث رينات عن التحديات التي واجهتها لتجاوز ماضيها، وتضيف "سُئلت آلاف المرات هل يمكنني أن أسامح وأنسى. يجب أن أقول إنني أستطيع أن أتسامح، لكنك لن أنسى أبدا".
وتزوجت رينات وانتقلت إلى نيوكي في كورنول، حيث تعيش الآن.
أما غفران فلا تزال تدرس، وبعد سنوات من تقديم المأكولات العربية في المناسبات المحلية، افتتحت مؤخرا مطعمها الخاص في أبيريستويث.
وتتذكر ذلك قائلة: "كنت أفكر مع أمي في ما يمكن أن نتبادله مع المجتمع. وجدنا أن الطعام هو الأهم للجميع".
المشروع الذي جمع بين رينات وغفران كان بقيادة أندريا هاميل، مديرة مركز حركة الناس في جامعة أبيريستويث.
وتقول هاميل: "قدم الكثير من اللاجئين مساهمات كبيرة لويلز بعد مجيئهم إلى هنا".
"ولكنني أود أيضا أن نتعلم من الصعوبات التي واجهوها".
"يجب أن يكون اللاجئون قادرين على التواصل مع مجتمعاتهم الأصلية ولكن من الواضح أنهم بحاجة أيضا إلى الاندماج في ويلز".
وقالت غفران إن المعرض يظهر أن "اللاجئين يمكن أن يصبحوا اعضاء في المجتمع، ويمكن أن يكونوا طهاة أو فنانين".
وأضافت: "أعتقد أنه من المهم للغاية أن يتبادل اللاجئون تجاربهم، وما نقوم به الآن قد يساعد الآخرين الذين يأتون فيما بعد".