حذرت صحيفة دي تسايت الألمانية من أن أنقرة قد تلجأ إلى عمل عسكري خاطف في شرق البحر المتوسط لخلط الأوراق وتقوية موقفها في أي مفاوضات مرتقبة مع اليونان بوساطة أوروبية فيما يتعلق بملف الغاز.
وتوقعت الصحيفة أن تلجأ أنقرة، وفي إطار تحرشاتها بأثينا، إلى احتلال أي جزيرة يونانية صغيرة بهجوم عسكري خاطف ومحدود، بحيث يمكن المساومة بالسيطرة عليها لفترة، في حين أن المخاطر ستظل قائمةً بأن ترفض حكومة رجب طيب أردوغان الانسحاب فيما بعد على طريقة ما جرى من احتلال تركي لجزء من قبرص في عام 1974، وهو الوضع القائم حتى الآن.
واشتعلت أجواء الخلاف بشدة بين أنقرة وأثينا على خلفية قيام الأولى بإرسال سفينة أبحاث إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان جنوب جزيرتها الشهيرة كاستيلوريزو.
وقامت السفينة التركية «أوروتش رئيس» تُرافِقها سفينتان للمساعدة، بخرق اتفاقية يونانية مصرية أُبرمت للتنقيب عن الغاز بالمنطقة؛ حيث أقدمت على إجراء أبحاث زلزالية لاستخراج الغاز هناك.
وبحسب الصحيفة الألمانية، يمكن الجزم بأن الأمر يتعدى تقصي الحقائق الجيولوجية والعلمية، وهو ما يعكسه أسطول السفن الحربية المُصاحِبة لسفينة البحث التركية. ومن ثم، استدعت الحكومة اليونانية جنودها ووضعتهم محل تأهب، بينما ناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الوضع. وتتوسط برلين لنزع فتيل الأزمة قبل اشتعالها، في حين أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لا تربطه علاقة جيدة بتركيا بأي حال، لليونانيين أنه سيعزز الوجود العسكري لبلاده في شرق البحر المتوسط.
وترى الصحيفة أن الكثير من المعدات الحربية سيتم تكديسها في البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة المقبلة، رغم أن العائد الاقتصادي لمعركة التنقيب عن الغاز ربما يكون قليلًا، وبخاصة أن بناء ومد الأنابيب والاستخراج التجاري مكلف للغاية.
وتسعى تركيا إلى السيادة في البحر الأبيض المتوسط؛ ليس عبر أزمة كاستلوريزو فقط، ولكن كذلك بتدخلاتها العسكرية في سوريا وليبيا، فيما لا تريد اليونان ومصر ترك الساحة لأردوغان.
وتنقب تركيا عن الغاز في خضم الخلافات القانونية حول تقسيم وتعيين الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط. وتتبع اليونان ومصر وإيطاليا ولبنان وقبرص وإسرائيل اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لقانون البحار، التي صادقت عليها 168 دولة، بينما تتبع تركيا تقييمها الخاص، وتدعي أن جزرها محدودة للغاية؛ ما يبرر لها مطالباتها الواسعة في البحر الأبيض المتوسط. ولهذه الغاية، عقدت مؤخرًا اتفاقية مع الحكومة الليبية في طرابلس التي تعتمد على السلاح التركي، بيد أن الخلاف قديم وكاد يؤدي إلى حرب بين أثينا وأنقرة عام 1996.
ويمكن تفسير سبب النزاع حاليًّا، وفق «دي تسايت» بشكل أساسي من خلال الوضع السياسي الداخلي في تركيا؛ حيث يحكم أردوغان هناك على رأس تحالف غير رسمي من القوميين اليمينيين والقوميين المتدينين والأوراسيين؛ أي القوميين المتجهين نحو روسيا وآسيا.
حيث إنهم يفضلون الاعتماد على خرائط مثل تلك التي استخدمها البرلمان العثماني الأخير عام 1920 للمطالبة بحقوقهم المزعومة بشمال سوريا وشمال العراق ونصف اليونان. إنه تمثيل فج لأيديولوجية «الوطن الأزرق» المعتمد على تحقيق مستقبل تركيا بالسيادة على المياه في البحر الأسود وبحر إيجه والبحر المتوسط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أردوغان يقلد منطق عدم التمسك بالعقود؛ إذ لم توقع تركيا على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أي حال.
كما أن الرئيس التركي يشكك بقوة في معاهدة لوزان، التي رسمت حدود اليونان وتركيا في عام 1923. وهكذا يكسر أردوغان الإطار المحدود للقومية الكمالية التي تأسست في عهد أتاتورك. وبناءً على ذلك، اشتعل التوتر بين الجيران.
وتؤكد الصحيفة الألمانية ضرورة أن يكون واضحًا لليونانيين والمصريين والرئيس ماكرون، أنهم لا يستطيعون إيقاف تركيا بالرجوع إلى القانون وحده، ومن ثم يجب السماح للحاكم التركي بمتابعة حاجته الماسة للتنقيب في مكان ما، لكن في الوقت نفسه، من المهم أن يتم إفهامه بشتى الطرق أن حلمه في الهيمنة ليس له فرصة على الإطلاق إذا كان كل الجيران يعارضونه بشدة.