عبرت مركبات عسكرية تركية مسلحة إلى داخل الحدود السورية، اليوم الأحد، في حماية المركبات العسكرية الأمريكية، وذلك لبدء «الدوريات المشتركة»، بالقرب من تل أبيض، بعد فشل الطرح التركي المتعلق بإقامة «منطقة آمنة»، على عمق 40 كيلو مترًا داخل الحدود السورية.
وفي المقابل، نددت سوريا رسميًا، بهذه الخطوة قائلة إنها «انتهاك سافر»، لسيادتها، وجاء في بيان لوزارة الخارجية السورية أن «الخطوة انتهاك لسيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية»، في المناطق الواقعة تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية.
وفي نهاية أغسطس الماضي، عاد الرئيس التركي، رجب أردوغان لـ«الكذب»، مجددًا، بعدما زعم، بحسب قناة: «سي إن إن ترك»، أن «الاتفاق الموقَّع مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة آمنة بشمال شرق سوريا هو التحرُّك الصائب، وأنَّ أنقرة لن تسمح بتأجيله».
ويؤكد الواقع أنَّ فكرة «المنطقة الآمنة» التي يطرحها أردوغان في شمال شرق سوريا لمسافة 460 كم وبعمق قد يصل إلى 40 كم، تواجه رفضًا أمريكيًا صريحًا، رغم أن أردوغان قدم كل التنازلات والمبررات للإيحاء بأن «المنطقة الآمنة»، هدفها تأمين حدودها، وأن دورياتها العسكرية ستكتفي بتنفيذ هذه المهمة فقط.
إلا أن قناعة الإدارة الأمريكية أن تركيا تخطط لطرد الأكراد من كامل المنطقة لاحقًا، فقد شددت وزارة الدفاع الأمريكية على أنّه «تمّ فقط الاتفاق مع أردوغان على مجرد آلية للعمليات المشتركة، ولا يتضمن أبدًا منطقة آمنة».
وعلمت «عاجل» أنَّ نقاط الخلاف بين واشنطن وأنقرة كثيرة؛ حيث يريد أردوغان إنشاءها بعمق يتراوح ما بين 30-40 كيلومترًا في الشمال السوري، بينما كانت ترى واشنطن، قبل فشل الفكرة، إنشاء منطقة بـ«عرض خمسة كيلومترات، خالية من أي مسلح كردي، وأنها ستكون وفق وجهة نظر واشنطن كافية لتهدئة بواعث القلق التركي، مع التعهد، غير محدَّد الوقت، بسحب الأسلحة الثقيلة من القوات الكردية«.
وترفض واشنطن رغبة أردوغان في فرض سيطرة أمنية كاملة على ما يسمى بالمنطقة الآمنة، التي يرغب فيها، ويستهدف أردوغان من وراء خطة المنطقة الآمنة إعادة نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري يقيمون في تركيا إلى هذه المنطقة، وأن تكون قيادتهم مسؤولية عناصر تم تدريبها عسكريًا وأمنيًا بمعرفة المخابرات التركية، ومن ثم سيصبح هؤلاء مانعًا طبيعيًا تابعًا لتركيا داخل الأراضي السورية، بالتزامن مع ضغوط داخلية تركية بإنهاء الملف السوري وإخراج السوريين من البلاد.
ألاعيب أردوغان، حكمت بالفشل المسبق على فكرة «المنطقة الآمنة»، وكذلك العمليات المشتركة لمركز التنسيق التركي- الأمريكي في سوريا، كون واشنطن على قناعة بأنَّ التعاون سيكون على أنشطة منفصلة، وأن الفائدة الوحيدة لهذا المركز من وجهة نظر واشنطن أنه يضمن عدم إطلاق القوات التركية النار على القوات الأمريكية أثناء عملياتها في الأراضي السورية.
وتعرف أنقرة جيدًا أن سقوط عسكري أمريكي بنيران تركية، سيقضى على العلاقات بين البلدين بشكل نهائي، ومن ثمَّ كانت التعليمات المباشرة من أردوغان لوزارة الدفاع والاستخبارات التركية بتجنب هذه العواقب الوخيمة وعدم القيام بأي تحرُّك غير محسوب تقوم به القوات العسكرية التركية أو الفصائل الموالية لها في مناطق التوتر العديدة شمال سوريا.
وذكرت وكالة الأناضول، لسان حال النظام التركي، في وقت سابق، أنَّ «أردوغان تحدث هاتفيًا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول ما يحدث في منطقة إدلب السورية»؛ لكنها لم تقل إنّ الوضع الصعب الذي يعيشه النظام التركي في الملف السوري، هو الذى دفع أردوغان ومساعديه إلى المبادرة بتلطيف الأجواء مع الإدارة الأمريكية، لاسيما في ظل اتجاه قوات الجيش السوري إلى تمشيط مدينة خان شيخون جنوب إدلب، ومعها بلدتي اللطامنة وكفزيتا، شمال حماة، بعد فرار الميليشيات وعناصر المرتزقة الموالون لأردوغان.
وذكر أردوغان، مؤخرًا، أنّ «القوات البرية التركية ستدخل المنطقة الآمنة المزمعة قريبًا جدًا»، بعدما قالت مصادر مطلعة على لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب أردوغان، مؤخرًا إن بوتين «ألزم أردوغان بخارطة طريق واضحة، فيما يتعلق بالتصدي للميليشيات الإرهابية والفصائل المسلحة في شمال غرب سوريا، دون اهتمام كافٍ من موسكو بمزاعم أردوغان حول التهديدات التي تتعرّض لها حدود تركيا مع سوريا، ومشروع المنطقة الآمنة التي يرغب في اقتطاعها من الحدود السورية«.
وشدّد بوتين، بعد محادثات مع أردوغان في موسكو، على أنَّ «موسكو وأنقرة اتفقتا على خطوات إضافية مشتركة لتحييد أوكار الإرهابيين في إدلب وإعادة الوضع لطبيعته في سوريا بأكملها»، دون أن يتطرق لدعوة أردوغان إلى وقف هجوم القوات الحكومية السورية التي تشن هجومًا بدعم من القوات الجوية الروسية في منطقة إدلب، آخر معقل متبقٍّ للمعارضة في سوريا.
وتحاصر القوات السورية ميليشيات مدعومة من أردوغان، كما تحاصر موقعًا عسكريًّا تركيًّا، موقع المراقبة العسكري قرب بلدة مورك، واحد من 12 موقعًا أقامتها أنقرة في شمال غرب سوريا، فيما صدم بوتين أردوغان عندما لم يتطرق إلى ورطة تركيا في شمال سوريا، رغم أن مسؤولًا تركيًّا كبيرًا قال قبيل المحادثات: إن «أنقرة تتوقع من روسيا بصفتها داعمًا قويًّا للأسد أن تتخذ خطوات لتخفيف حدة المشكلة».
ويواصل الجيش السوري توغله في مناطق عمليات الميليشيات التركية في محافظة إدلب وحماة؛ حيث بسطت قوات الجيش سيطرتها الكاملة على العديد من المناطق الاستراتيجية، لاسيما مدينة كفرزيتا -كبرى بلدان ريف حماة الشمالي- دون أي مقاومة أو اشتباكات، بالإضافة لسيطرتها على تلال شرق النقطة التركية العسكرية في بلدة مورك.
وارتفعت حصيلة المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري، مؤخرًا، إلى 23 منطقة، تحديدًا منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في الخامس من أغسطس الماضي، مع سقوط مزيد من الخسائر البشرية، معظمهم في صفوف الميليشيات الإرهابية، حيث ارتفع العدد إلى 3761 شخصًا، منذُ بدء العلميات في منطقة «خفض التصعيد» في الفترة من 30 أبريل حتى الآن.