كشف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في مذكراته «أرض الميعاد» الكثير والكثير عما سُمي بثورات «الربيع العربي» في منطقة الشرق الأوسط.
وتحدث أوباما في حوار مع قناة إن. تي. في الألمانية تمت إذاعته، اليوم الأربعاء، عن الإخفاقات الرئيسية التي وقعت خلال رئاسته، بما فيها المأساة السورية ومحاولاته إقناع المجتمع الدولي بالحفاظ على سوريا موحدة.
وقال أوباما: "في مجال السياسة الخارجية لا تزال المأساة في سوريا تسبب لي ألمًا حقيقيًا.. خلال أحداث 2011 التي وقعت في عدد من الدول العربية كانت مصر في أول اهتماماتي، وبعد ذلك ليبيا، وبعدها بدأت الأزمة السورية تتفاقم".
وأضاف: "لم أتمكن من جذب المجتمع الدولي وإقناعه بعدم السماح بانهيار سوريا.. لم أتمكن حتى الآن من التوقف عن التفكير في المآسي الإنسانية التي وقعت بعد ذلك".
واعترف أوباما، بفشله في تعزيز شعبيته داخل الحزب الديمقراطي قائلًا: "حتى بعد إعادة انتخابي لم نتمكن من الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ.. كنت مقيدًا أكثر مما أريد عند تمريري لبعض القوانين".
وعلى مدار الكتاب الذي يمتد لأكثر من 850 صفحة، يمزج أوباما بين انطباعاته الشخصية وتوثيقه التاريخي عن قادة العالم الذين عاصرهم في فترة رئاسته. وفي هذه المذكرات اختص أوباما، بالذكر الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك 75 مرة، في مواضع شتى لها علاقة بمحادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وتعامل الإدارة الأمريكية مع مظاهرات الربيع العربي التي أطاحت بالرئيس الذي حكم مصر لأكثر من 30 عاما.
وووجه أوباما اللوم لمبارك، قائلا إنه "لم يهتم أبدا بإصلاح الاقتصاد الراكد لبلده، مما تسبب في ضيق الحال لجيل كامل من الشباب الذي لا يجد عملا".
وعن اللقاء الذي جمعه بالرئيس المصري الأسبق، خلال الأيام الأولى ثورة 25 يناير 2011، وصف أوباما مبارك بأنه "كان يبدو بصحة جيدة رغم عمره الذي تجاوز الثمانين، وأنه في عمره المتقدم متيقن ومعتاد على موقعه على رأس السلطة".
وأضاف أوباما: "تطرق النقاش للأوضاع الاقتصادية وكيفية تنشيط اتفاقية السلام مع إسرائيل"، لكن حين تحدث أوباما عن أوضاع حقوق الإنسان والسجناء السياسيين وحرية الصحافة، رد عليه مبارك بـ"التقليل من خطورة هذه الأمور، مؤكدا أن أجهزته الأمنية تستهدف فقط المتطرفين الإسلاميين، وأن هذه السياسات تلقى تأييدا واسعا بين المصريين".
ويروي أوباما أنه ناقش مع مبارك في وقت لاحق عبر الهاتف، أمورا متعلقة بإقناع السلطتين الفلسطينية والإسرائيلية للعودة إلى مائدة التفاوض، إضافة للنقاش حول هجوم إرهابي استهدف كنيسة أرثوذكسية في الإسكندرية، ولكن عندما تكلم أوباما عن مظاهرات تونس، بدا مبارك غير مكترثا، وقال: "مصر ليست تونس"، وأن المظاهرات ضد حكومته ستنتهي بسرعة.
ويقول أوباما: "وقتها تخيلته وهو يجلس في مقعده الوثير داخل غرفة قصره ذي الستائر المغلقة، وحوله مساعديه المستعدون للاستجابة لأي شيء يطلبه.. إنه يرى فقط ما يريد أن يراه.. ويسمع فقط ما يريد أن يسمعه، ولم يبشر هذا بنتائج جيدة".
وذكر أوباما، أن المظاهرات حين اندلعت بالفعل في مصر وضعت إدارته أمام أسوأ سيناريو أرادوا تجنبه: ضرورة الاختيار بين حاكم مستبد، لكنه حليف يعتمد عليه، وشعب يطالب بالديمقراطية والحرية التي طالما قالت أمريكا أنها تساندها، خاصة أن أغلب المتظاهرين بدوا وكأنهم من الشباب الواعد المطالب بالديمقراطية والدولة المدنية، مثل هؤلاء الذين قابلهم خلال خطابه في جامعة القاهرة.
وفي مكالمة هاتفية ثانية مع مبارك، حاول أوباما إقناع الأخير بالإعلان عن إصلاحات كبرى تهدئ من الأوضاع، لكن مبارك مرة أخرى قال إن "المظاهرات وراءها تنظيم الإخوان المسلمين، وأن الأوضاع ستعود للهدوء".
وأضاف أوباما: مع اشتداد حدة المظاهرات، اضطر مبارك أن يلتزم علنا بأنه لن يترشح مرة أخرى للرئاسة، لكن لم يعط خطا زمنيا واضحا لانتقال السلطة أو خطوات فعلية تضمن حدوث ذلك، مما دفع المتظاهرين للتشكيك بمدى مصداقية هذه الوعود، لكن في ذات الوقت، ازداد الانقسام داخل إدارة أوباما بين من يرى أن وعد مبارك كاف، ومن يرى أنه ليس ملزما.
وعن الخطاب الأخير للرئيس المصري، قال أوباما: أغلب حديثه عن المؤامرات المحاكة ضد مصر، وأنه لم يكن أبدا طامعا في السلطة، مضيفًا: تحدثت مع مبارك مرة أخرى من البيت الأبيض، وقلت له بألفاظ حريصة: "الآن بعد أن أعلنت عن قرار تاريخي بانتقال السلطة، أريد أن أناقش معك كيف يمكن أن يحدث ذلك.. أنا أقول ذلك بمنتهى الاحترام، أريد أن أشاركك تقييمي الصادق حول كيفية تحقيق هذا الهدف".
وتابع أوباما: واجهت مبارك بمخاوفي من أن إطالة فترة انتقال، قد يؤدي إلى تطور المظاهرات إلى خارج السيطرة، وطالبته التنحي واستخدام مكانته في أن يحرك العملية من الظل، إلا أنه حدثني بصوت عالٍ، قائلاً: "الرئيس أوباما، إن بدأت في مرحلة نقل السلطة الآن، سيكون ذلك الأكثر خطورة على مصر.. وأضاف مبارك: أنا أعرف شعبي.. إنه شعب عاطفي، سأتصل بك بعد فترة وأخبرك أني كنت على صواب".
واختتم أوباما تعليقه على تلك القضية، قائلاً: بعد المكالمة قلت لمساعدي: "هيا بنا نحضر تصريحا.. سندعو مبارك للتنحي".
اقرأ أيضًا: