عداوة تاريخية تحكم العلاقة بين كاراكاس وواشنطن، ولكن يبدو أن الأخيرة قررت أن تقرب المسافات رغبة في نفط فنزويلا الوفير، وسط وضع اقتصادي ملبد بغيوم الحرب الروسية الأوكرانية.
وتسعى واشنطن جاهدة لحرمان روسيا من واردات النفط كإحدى العقوبات، لذا وجدت في الاحتياطي الفنزويلي العوض عن عجز سوق الطاقة المحتمل، خاصة في ظل تمسك دول «أوبك+» بذات الإنتاج المتفق عليه مسبقًا.
وتفرض واشنطن منذ العام 2017، عقوبات على الأشخاص والشركات التجارية والكيانات النفطية المرتبطة بنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، داخل البلاد وخارجها.
وقد تم فرض العقوبات الأمريكية بتدابير تضمن عدم استفادة مادورو ونخبته من عمليات التنقيب.
وقال مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن الولايات المتحدة مستعدة لتخفيف الضغط الاقتصادي على فنزويلا، بناء على نتيجة المحادثات المقبلة المقررة بين الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة.
وبحسب وكالة «بلومبرج» للأنباء، فإن التصريحات تشير إلى أن الرئيس بايدن يرغب في أن يرى إحراز تقدم في ما يتعلق باستعادة الحكم الديمقراطي، قبل السماح لفنزويلا بزيادة صادرات النفط إلى الولايات المتحدة، في ظل أزمة الإمدادات العالمية الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأخبر وفد أمريكي المسؤولين الفنزويليين، بموقفه خلال انعقاد اجتماع بتاريخ 6 مارس، بحسب ما قاله المسؤول الأمريكي الرفيع للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف.
وقال المسؤول، إن المناقشات بشأن تجارة النفط تجري على مستوى أوسع، وأن المسؤولين الأمريكيين لم يلتزموا بأي تخفيف للعقوبات، ولم يوافقوا –حتى هذه اللحظة- على مقايضة تتضمن تخفيف العقوبات مقابل إطلاق سراح اثنين من السجناء السياسيين الأمريكيين.
ربما أرادت كاراكاس تحقيق بعض المكاسب وسط وضعها الاقتصادي المتردي، فأطلقت سراح أمريكيين اثنين محتجزين لديها، في بادرة لإظهار النية الحسنة للولايات المتحدة بعد أول محادثات دبلوماسية بين البلدين منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات.
ونقلت صحيفة «ميامي هيرالد» عن مصادر في فنزويلا القول، إن أحد الأمريكيين كان ضمن مجموعة من ستة مسؤولين نفطيين من شركة سيتجو الأمريكية لتكرير النفط، وهي شركة مملوكة لشركة النفط الحكومية الفنزويلية، وتم القبض عليهم خلال رحلة عمل إلى كاراكاس في عام 2017.
وجاء البيان في اليوم نفسه الذي قال فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن الولايات المتحدة لن تستورد النفط من روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، ويدرس المسؤولون الأمريكيون التحول إلى فنزويلا كمورد بديل محتمل مع ارتفاع أسعار البنزين.
أخذت واشنطن خطوة جادة وسريعة بخصوص النفط الفنزويلي، إذ أفادت مصادر مطلعة بأن شركة «شيفرون» النفطية الأمريكية، تستعد لإدارة مشاريعها النفطية المشتركة في فتزويلا، في الوقت الذي تدرس فيه واشنطن تخفيف العقوبات المفروضة على كراكاس لدفع إمداداتها النفطية، في مسعى لتعويض إمدادات النفط الروسي بعد قرار حظر التوريدات بالولايات المتحدة.
ونقلت وكالة «رويترز» الأمريكية، أن عملاق النفط الأمريكي بدأ في تجميع فريق تجاري لتسويق النفط من فنزويلا. وفور حصولها على الموافقات من الولايات المتحدة، تهدف «شيفرون» إلى توسيع دورها في أربع مشاريع مشتركة تديرها مع شركة «PDVSA» المملوكة للدولة في فنزويلا.
وطلبت «شيفرون» من الحكومة الأمريكية الموافقة على رخصة شاملة لمشاريعها في فنزويلا، كخطوة أولى لاستعادة الإنتاج النفطي والصادرات، والتحكم في الجهات التي تستقبل النفط الفنزويلي. لكن مسؤولين أمريكيين أكدوا أن الموافقة على مثل هذا التصريح يتوقف على الخطوات التي تتخذها حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، صوب الإصلاح السياسي، مثل إطلاق مساجين أمريكيين ووضع إطار زمني لإعادة إحياء المفاوضات مع المعارضة في فنزويلا.
رغم الحرب العسكرية التي تخوضها موسكو، لكنها لم تغفل عن معاركها الباردة مع واشنطن، إذ سارعت إلى دعوة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، إلى زيارة رسمية.
وأعلن ذلك سفير روسيا لدى كاراكاس، سيرغي ميليك باغداساروف، عن تلقي الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، دعوة للقيام بزيارة رسمية إلى روسيا.
وأضاف أن تبادل الوفود بين البلدين تجري بانتظام.
دوما كانت التحركات الروسية في أمريكا اللاتينية، مثيرة لمخاوف واشنطن، ولعل كان أخطرها أزمة خليج الخنازير في كوبا في أكتوبر 1962، في واقعة كادت تتحول لحرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
وكانت واشنطن تعادي ثورة كوبا التي أطاحت بالرئيس باتيستا، بزعامة فيدل كاسترو، والذي لاقى دعما سوفيتيا.
ورصدت طائرة تجسس أمريكية مواقع إنشاء منصات إطلاق صواريخ سوفيتية، وبحسب التقديرات فهي كانت قادرة على العمل في غضون 7 أيام، كما تم رصد 20 سفينة سوفيتية تحمل صواريخ نووية في المحيط الأطلسي متجهة إلى كوبا، بحسب «بي بي سي».
وقررت واشنطن فرض حصار بحري على كوبا لمنع السفن السوفيتية المشتبه في حملها صواريخ نووية من الوصول إلى الجزيرة، أفضى ذلك إلى مفاوضات بين الأطراف أبقت على نظام كاسترو في مقابل وقف التسليح في كوبا.
وكانت تلك تجربة مريرة لواشنطن كوّن الخطر النووي كان قريبًا جدًّا منها، وهو ما مثل خط أحمر لدى الولايات المتحدة، التي تحارب أي مد روسي في أمريكيا اللاتينية.
في مقابلة مع تلفزيون "روسيا اليوم"، رفض سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، تأكيد أو استبعاد إمكانية نشر بنية تحتية عسكرية روسية في كوبا وفنزويلا.
وقال ريابكوف، إن الكرملين يستعرض مجموعة من الخيارات العسكرية في حالة فشل المباحثات مع الولايات المتحدة، وأضاف أنه لا يستبعد نشر تجهيزات عسكرية روسية في كوبا أو فنزويلا.
وختم تصريحاته قائلًا: «كل شيء يتوقف على تصرفات زملائنا الأمريكيين».