لم يكن إعلان الهيئة العليا للانتخابات التونسية، الثلاثاء الماضي، عن تصدر أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، لنتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في تونس، مع خصمه في جولة الإعادة، رجل الأعمال والإعلام، رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، الذي حل ثانيًا وفقًا للنتائج، رغم أنه محتجز على ذمة قضايا مالية، نهاية لأزمة المرشحين الذين وصل عددهم في الجولة الأولى إلى 26 مرشحًا.
وبمجرد إعلان الهيئة العليا عن نتائج الجولة الأولى ومن يحق له خوض الجولة الثانية، حتى توالت إعلانات الدعم والتأييد من المرشحين الخاسرين لقيس سعيد، بحسب ما رصدته وكالة الأنباء الألمانية، وجاء أحدث مظاهر التأييد من حركة النهضة -إخوان تونس- التي أعلنت في وقت متأخر أمس الخميس أنها ستدعم سعيد في جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة.
ورأى سياسيون وخبراء أن هذا الدعم الذي يتلقاه سعيد لا يرتكز فقط على التلاقي بالبرامج والأهداف بين هؤلاء الخاسرين والفقيه الدستوري، وإنما لأن فوزه قد يمثل المخرج للأزمة القانونية التي ستواجه تونس حال فاز القروي وأصبح رئيسًا للبلاد وهو بعد لا يزال سجينًا، فضلًا عن أن عدم وجود حزب لسعيد يدعمه قد يكون أكثر ملاءمة لأحزاب ستحاول تعويض هزيمتها في الانتخابات الرئاسية عبر الانتخابات التشريعية.
وسارعت حركة النهضة -المأزومة سياسيًّا وشعبيًّا في ظل اتهامها بإنشاء جهاز سرى للاغتيالات- إلى إعلان دعمها لقيس سعيد، بعد خسارة مرشحها عبدالفتاح مورو، ونقلت «الألمانية»، عن رئيس مجلس شورى النهضة، عبدالكريم الهاروني، زعمه بأنه «قبل استطلاع رأي المؤسسات الداخلية لحركة النهضة الإخوانية، وإعلانها بشكل رسمي، أمس الخميس، فقد بادر بدعم قيس سعيد، وأن هناك أصوات لا يستهان بها داخل الحركة تدعو إلى مساندته لكون سعيد الأقرب للمعايير التي اعتمدتها الحركة في خياراتها»!!
وقبل إعلان حركة النهضة الإخوانية موقفها الرسمي، بادر 6 من المرشحين الخاسرين في الجولة الأولى بإعلان دعمهم لسعيد، لاسيما رئيس الحكومة السابق، عن حركة النهضة، حمادي الجبالي، وحليفها السياسي، منصف المرزوقي، الرئيس السابق لتونس، حيث تسعى حركة النهضة إلى الهيمنة على قيس سعيد، وها هو «الهاروني» يلمح إلى ميزة كبرى يمثلها سعيد للنهضة، ألا وهي «عدم وجود حزب يدعمه قد يمثل منافسًا للنهضة في الانتخابات التشريعية المقبلة، خاصة إذا ما جمع بين الرئاسة والأغلبية البرلمانية، وهو الأمر الأهم للنهضة».
وكشف عضو حركة النهضة، زبير الشهودي، عن دور إخوان تونس في تبنى «مشروع قانون كان بالأساس يستهدف منع نبيل القروي من المشاركة في الانتخابات من البداية»، لكن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي رفض التوقيع عليه، فيما أكد القيادي في حزب «قلب تونس»، عياض اللومي، أن الحزب والحملة الانتخابية لنبيل القروي «على يقظة للتحالفات التي يحاول البعض بناءها لدعم المرشح المنافس انطلاقًا من التخوف من وضعية القروي الراهنة»، وأنهم «ماضون في بناء تحالفات مماثلة».
وقال اللومي: «كل هذا تخوفات مفتعلة تماما كقصية القروي.. فالقروي الآن بالسجن بسبب الفساد السياسي، لا أكثر.. يتبرأ البعض ممن دفعوا رئيس الوزراء يوسف الشاهد إلى إزاحة القروى من المنافسة، اليوم من هذا الموقف ويعلنون تضامنهم مع القروي كسجين وكمعتقل سياسي.. هناك أيضًا قيادات من داخل حزب الشاهد -تحيا تونس- تواصلت معنا وعبرت عن رفضها للتحالف الذي أبرمه الشاهد مع بعض أطراف في النهضة للعمل على إزاحة القروي».
وألمح اللومي إلى «احتمالية توحد قيادات حملات مرشحين لم يوفقوا في الدول الأول للرئاسيات من الأحزاب الوسطية الحداثية، مع الحملة الانتخابية للقروي»، وأرجع التأخر في إعلان ذلك للحسابات الانتخابية الدقيقة التي تجريها الأحزاب قبل خوض الانتخابات التشريعية التي ستجرى قبل تحديد موعد نهائي لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية.
أمّا في ما يتعلق بموقف النهضة وقرارها بدعم سعيد، فقال اللومي: «النهضة تعيش مشكلات حادة منذ نتائج الرئاسيات، ولكن على أي حال، نحن بالحزب في وضع أبعد ما نكون فيه عن النقاش مع النهضة» وكشف «اللومي» عن «تقدم بعض القوى بعروض أقرب ما تكون للابتزاز السياسي لحملة القروي، باعتبار أن الرجل سجين وبوضعية قد يسهل فيها إجباره على تقديم تنازلات كبيرة في مسائل عدة، بينها الأغلبية البرلمانية، وذلك مقابل دعمه في معركة الرئاسة والتي قد تكون أيضًا بوابته للحرية"، مشددًا على أنه "قد تم رفض تلك العروض شكلًا ومضمونًا».
وفيما رفض القضاء التونسي، الأربعاء الماضي، الإفراج عن القروي، فقد رأى المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي أن «بعض المرشحين دعموا قيس سعيد باعتباره ممثلًا للنقاوة ولإنقاذ ما يسمى بالخط الثوري للبلاد، وبالمقابل، فأنا لا استبعد أن يدعم البعض في نداء تونس وربما النهضة أيضًا، القروي، لكونه نابعًا من قلب منظومة الحكم، فهو أحد مؤسسي حزب نداء تونس، وعرَّاب التوافق بين السبسي والغنوشي بباريس عام 2014...».
وتابع: «رغم ما وقع من خلافات قسمت المنظومة خلال الفترة الماضية، هناك البعض يريدون حاليًا تجميع الأصوات والتوافق حول القروي.. وصوله إلى قصر قرطاج قد يدعم بقاءهم بالسلطة، ولذا، لن نتفاجأ كثيرا بدعم شخصيات من النهضة للقطب الإعلامي، وإن كان على نحو غير معلن بطبيعة الحال.. أما اليسار، فأحزابه لا تزال تحت تأثير الصدمة.. وقد لا يدعمون أحدًا بالدور الثاني، فلديهم ملاحظات على القروي، ولديهم أيضًا تخوفات من تقارب قيس سعيد مع النهضة».
وقال الكاتب، المحلل مختار الدبابي، إن «فرص القروي قد لا تكون ضعيفة، رغم دعم مرشحين خاسرين لمنافسه ورغم التخوفات من الأزمات القانونية التي قد تترتب على انتخابه رئيسًا.. إعلان مرشحين خاسرين تأييدهم لقيس سعيد لن يكون له تأثير يذكر على جمهور المقاطعين.. ربما يكون له تأثير على مؤيديهم، ولكن بدرجة محدودة جدًّا...».
وأضاف «الدبابي»: «هناك حملات مكثفة من قبل شباب جامعيين على مواقع التواصل الاجتماعي لحشد الصف الحداثي خلف القروي، على اعتبار أنه النموذج الأقرب لهوية الدولة المدنية، وأنه قد رصد تفاعلًا كبيرًا من قبل أنصار وزير الدفاع السابق عبدالكريم الزبيدي مع حملة القروي.. نتوقع تأييد كثيرين من حزبي: نداء تونس، وتحيا تونس للرجل للسبب ذاته.. وبالطبع لن يصرح أحد على الملأ بدعم القروي نظرًا لوضعية سجن الرجل بتهم فساد مالي، وهو الأمر الذي قد يؤثر على الصورة العامة للأشخاص وفرص الأحزاب في الانتخابات التشريعية».