تعمل السلطات الصينية على إزالة مساجد وأضرحة المسلمين في إقليم شينجيانج؛ حيث تعد محاولة إغلاق هذه المواقع ومحوها جزءًا من حملة أوسع تقوم بها بكين لتحويل الإيجور والكازاخستانيين والجماعات العرقية الأخرى في آسيا الوسطى إلى مؤيدين موالين للحزب الشيوعي.
حتى ما قبل عقد من الزمن، كان رواد يسافرون بالحافلة والسيارات والحمير وسيرًا على الأقدام للتجمع بالآلاف في ضريح الإمام عاصم في الصحراء على الحدود الغربية للصين.
ساروا الرواد عبر الكثبان الرملية للصلاة في الموقع المقدس المخصص للإمام عاصم، وهو أمام مسلم ساعد في هزيمة المملكة البوذية التي حكمت منذ أكثر من ألف عام. كان المصلون من الإيجور، وهم أقلية عرقية مسلمة، وغالبًّا ما ينضمون إلى الزيارات السنوية للصلاة من أجل حصاد وفير وصحة جيدة وأطفال أقوياء.
وقالت تامار ماير الأستاذة بكلية ميدلبري، والتي زارت ضريح الإمام عاصم لإجراء بحث في عامي 2008 و2009: لم تكن مجرد زيارات، هناك عروض وألعاب وطعام وأراجيح للأطفال وقراءة شعر ومنطقة كاملة لرواية القصص، كانت مليئة بالناس ومليئة بالحياة.
وحتى في ذلك الوقت حاولت السلطات الحد من الحشود بنقاط التفتيش. بحلول عام 2014، تم حظر الزوار بشكل شبه كامل.
وبحلول العام الماضي، تم هدم جزء كبير من الضريح. وهدم الأسوار الخشبية والأعمدة التي كانت تحيط بالمقبرة ذات يوم.
وتظهر صور الأقمار الصناعية أن مسجد في الموقع سوي بالأرض، كل ما تبقى هو مبنى من الطوب اللبن الذي يميز قبر الإمام عاصم، والذي بدا وكأنه سليم بين الأنقاض.
في السنوات الأخيرة، أغلقت وهدمت السلطات الصينية العديد من الأضرحة الرئيسية والمساجد وغيرها من الأماكن المقدسة في جميع أنحاء شينجيانج التي حافظت منذ فترة طويلة على الثقافة الإسلامية ومعتقدات المسلمين في المنطقة.
تعد محاولة إغلاق وحذف هذه المواقع جزءا من حملة أوسع تقوم بها الصين لتحويل الإيجور والكازاخستانيين والمجموعات العرقية الأخرى في آسيا الوسطى في المنطقة إلى أتباع مخلصين للحزب الشيوعي، وأدت حملة الاستيعاب إلى اعتقال مئات الآلاف من الأشخاص في مراكز التلقين.
التقرير الجديد الصادر عن المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية، وهو مجموعة بحثية مقرها كانبيرا، يقيس بشكل منهجي درجة تدمير وتغيير المواقع الدينية في السنوات الأخيرة؛ حيث هدم ما يقدر بنحو 8500 مسجد في جميع أنحاء شينجيانج بالكامل منذ عام 2017 - أكثر من ثلث عدد المساجد التي تقول الحكومة إنها موجودة في المنطقة.
وقال ناثان روسر، الباحث بالمعهد الذي قاد التحليل: ما يظهره هو حملة هدم ومحو غير مسبوقة منذ الثورة الثقافية. خلال عقد الاضطرابات التي نشأت منذ عام 1966 في عهد ماو تسي تونج، تم تدمير العديد من المساجد والمواقع الدينية الأخرى.
وقام المعهد، بتجميع عينة عشوائية من 533 مسجدًا معروفًا في جميع أنحاء شينجيانج، وتحليل صور الأقمار الصناعية لكل موقع تم التقاطها في أوقات مختلفة لتقييم التغييرات. درس حالة الأضرحة والمقابر والمواقع المقدسة الأخرى في المنطقة من خلال عينة من 382 موقعًا مأخوذة من مسح برعاية الدولة وسجلات عبر الإنترنت.
ونفت الحكومة الصينية التقارير التي تتحدث عن عمليات هدم واسعة النطاق للمواقع الدينية ووصفتها بأنها هراء كامل، وقالت إنها تقدر حماية وإصلاح المساجد.
واتهم المسؤولون الصينيون المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية بمحاولة تشويه سمعة الصين، وأشاروا إلى التمويل الذي يتلقاه من حكومة الولايات المتحدة كدليل على أن استنتاجاته متحيزة.
ويرفض المعهد هذا الادعاء، قائلًا: إن أبحاثه مستقلة تمامًا عن مموليه.
وفرضت السلطات ضوابط صارمة على التحركات داخل شينجيانج وأبطأت تدفق المعلومات خارج المنطقة؛ ما جعل من الصعب تقييم حجم الدمار على الأرض.
وتحققت صحيفة نيويورك تايمز من العديد من تفاصيل تقرير المعهد الأسترالي من خلال دراسة صور الأقمار الصناعية وزيارة المواقع في جميع أنحاء جنوب شينجيانج العام الماضي.
وقالت راشيل هاريس، الخبيرة في موسيقى وثقافة الإيجور في جامعة لندن، والتي راجعت التقرير: ما نراه هنا هو التدمير المتعمد للمواقع التي تمثل بكل الطرق تراثا لشعب الإيجور وتراث هذه الأرض.
وتجسد العديد من الأضرحة والمقابر التي أغلقتها السلطات أو دمرتها مؤخرًا التقاليد الإسلامية المختلفة للإيجور.
في أوردام، وهو ضريح شهير في صحراء شينجيانج الجنوبية، يجتمع الزوار منذ أكثر من 400 عام للاحتفال بذكرى زعيم أتى بالإسلام إلى المنطقة وقاتل ضد مملكة بوذية منافسة.
لكن في التسعينيات، ازداد توتر الحكومة الصينية بشأن توسع المساجد وظهور الأضرحة في شينجيانج، ورأى المسؤولون أن تجمع الحجاج هو إشعال التطرف الديني غير المنضبط، وسلسلة من الهجمات على الحكومة من قبل الإيجور الساخطين جعلت السلطات في حالة توتر.
حظرت السلطات (الصينية) المهرجانات زيارات الأضرحة في أوردام عام 1997، وأغلقت مزارات أخرى في السنوات التالية، ومع ذلك، تسلل بعض الزوار والسياح لزيارتها.
كانت عمليات الإغلاق والحظر السابقة على زيارة الأضرحة مقدمة لحملة أكثر عدوانية من قبل الحكومة.
بحلول أوائل عام 2018، تم تدمير ضريح أوردام، المعزول في الصحراء وعلى بعد 50 ميلًا تقريبًا من أقرب مدينة؛ ما أدى إلى القضاء على أحد أهم مواقع تراث الإيجور.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية من ذلك الوقت أن المسجد وقاعة الصلاة والبيوت البسيطة التي يعيش فيها حراسها قد دمرت.
في بعض الحالات، هدمت الحكومة المساجد باسم التنمية، وعندما زار مراسلو التايمز مدينة خوتان في جنوب شينجيانج العام الماضي، وجدوا حديقة جديدة؛ حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية أنه كان هناك مسجد حتى نهاية عام 2017.