في خطوة تتناقض مع استراتيجية واشنطن، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (في تغريدة على تويتر، دون صدور أي إعلان رسمي) انسحاب بلاده من سوريا، وأضاف: "لقد هزمنا تنظيم داعش في سوريا، وهذا مبرري الوحيد للوجود هناك"، بعد معلومات تقول إن قرار الانسحاب لا يحظى بإجماع داخل الإدارة الأمريكية.
وأوضح مسؤول أمريكي لوكالة "فرانس برس"، أن انسحاب 2000 جندي أمريكي في شمال وشرق سوريا؛ يجب أن يكون "شاملًا"، و"في أقرب وقت ممكن"، وقالت صحيفة "لوريون لو جور" (الناطقة بالفرنسية): "كان على القوات الأمريكية القيام بمهمة أولية للإشراف على القوات الكردية التابعة لوحدات حماية الشعب الكردية، لإعادة السيطرة على المناطق التي احتلها تنظيم داعش".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الوجود الأمريكي كبح النفوذ الإيراني من خلال غلق الممر الذي يربط بيروت بطهران عبر العراق وسوريا"، وأوضحت أن "قرار الرئيس الأمريكي يتناقض مع هذه الاستراتيجية، التي تم الإعلان عنها، لا سيَّما ما أورده الممثل الأمريكي الخاص لسوريا، جيمس جيفري".
وكان جون بولتون (مستشار الأمن القومي الأمريكي) قد قال في 24 سبتمبر الماضي: "لن نغادر سوريا حتى تكون القوات الإيرانية خارج حدود هذا البلد، ويشمل ذلك المعتقلين والميليشيات"، كما حذر وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، مرارًا وتكرارًا من مخاطر الخروج السريع من الأراضي السورية.
ويبدو (بحسب صحيفة لوريون لو جور) في ضوء هذه التطورات، أن "ترامب" اتخذ قرارًا مخالفًا لنصيحة "صقور الإدارة الأمريكية"، الذين يتصدرهم جون بولتون، وقيادة البنتاجون، و"من الصعب الآن فهم جميع دوافع دونالد ترامب، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم إمكانية التنبؤ بسياسته"، لكن الصحيفة توقفت عند عدة عناصر لفهم ما يبدو وكأنه تحول بنسبة 180 درجة في الموقف الأمريكي تجاه سوريا.
وأكدت "لوريون لو جور" أن "انسحاب القوات الأمريكية كان جزءًا من وعود حملة الرئيس الأمريكي، الذي يعتبر قاعدته الانتخابية انعزالية نوعًا ما، إذا لم يخف دونالد ترامب أبدًا عدم اهتمامه بالنزاع السوري"، وكان ترامب يريد بالفعل سحب القوات الأمريكية الربيع الماضي، وتدخل مسؤولون بإدارته -خاصة جيمس ماتيس- وتم التوصل إلى حل وسط حول هدف الانسحاب، دون وضع جدول زمني.
وتابعت الصحيفة: على غرار سلفه باراك أوباما، فإن دونالد ترامب مقتنع بضرورة فصل الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، ففي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست (في نوفمبر الماضي)، قال إن الوجود الأمريكي في المنطقة مرتبط بشكل أساسي بإسرائيل، مما يقلل من الجوانب الاستراتيجية الأخرى له.
ونوهت الصحيفة بأن قطب العقارات السابق يبدو أنه يتطلع إلى نهاية السيطرة على أراضي داعش للإعلان عن النصر ورحيل القوات، كون السيطرة على آخر إقطاعات داعش، مدينة حاجين، على الحدود السورية العراقية، يجب أن يعزز رؤيته الرئيس بأن مهمة مكافحة الإرهاب قد انتهت الآن، رغم أن خبراء يعتبرون أن النهاية الإقليمية لتنظيم داعش لا تعني اختفاء الحركة، بل ستصبح أكثر سرية في ظل انتظار لحظة أفضل.
واتخذ ترامب قراره الخاص بسحب قواته من سوريا بعد مكالمة هاتفية يوم الجمعة مع نظيره التركي.
وتقول الصحيفة: يبدو أن هناك صفقة عقدت بين الولايات المتحدة وتركيا، وباتت أكثر وضوحًا، حيث وافقت واشنطن أمس، على بيع نظامها الدفاعي الصاروخي باتريوت لأنقرة، مقابل 3.5 مليار دولار، ما يعني أن ترامب يريد أن يغتنم الفرصة لإعادة أنقرة إلى الحضن الأمريكي، ويقدم لها الأكراد السوريين على طبق من فضة.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه السياسة، التي ستعتبر "خيانة" على الجانب الكردي، سترسل إشارة سيئة جدًا إلى حلفاء دونالد ترامب والأمريكيين، وهي أنهم قوة لا تحترم التزاماتها ولا يمكن الاعتماد عليها، وأنه "من المتوقع أن يكون للقرار عواقب مهمة على الأرض، عبر محاولة العديد من اللاعبين في الصراع الاستفادة من الانسحاب الأمريكي، لا سيَّما الأتراك، الذين سيشنون هجومًا ضد الأكراد، مع تعزيز التحالف مع المسلحين السوريين، لتعزيز موقفهم المشترك في الصراع".
وهدد الرئيس التركي رجب أردوغان، مرارًا وتكرارًا بالتدخل عسكريًا ضد وحدات حماية الشعب الكردية شمال سوريا، وأعلن (قبل بضعة أيام) هجومًا وشيكًا، وسط تأكيدات من الصحيفة أن ما يتم من تطورات "قد يكون جزءًا من الصفقة الأمريكية التركية، التي سيكون الأكراد هم الخاسرين الأكبر فيها".
عواقب القرار
وأكدت الصحيفة أن القرار الأمريكي، سيضعف موقف واشنطن في الصراع ويعزز بشكل مباشر موقف الروس، ويعمل على تعزيز المحور الموالي للأسد، بما في ذلك إيران، في حين أن إدارة ترامب جعلت احتواء النفوذ الإيراني هدفها الرئيس في المنطقة.
وبالنسبة لإسرائيل (التي نفذت عشرات الضربات الجوية في سوريا) يمكن أن يكون للانسحاب الأمريكي تأثير يجعلها أكثر اعتمادًا على موسكو، كما قد يكون فك الارتباط للقوات الأمريكية فرصة لتمدد المجموعة الإرهابية، من الناحيتين التكتيكية والسياسية، فالتوترات بين مختلف الجهات الفاعلة التي تطمع في هذه الأراضي يمكن أن تحل مكان داعش.
وأكدت الصحيفة أن "دونالد ترامب لم يتعلم من تجربة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي وعد وقت انتخابه بالانسحاب من العراق، قبل أن يضطر لإعادة إرسال قوات جديدة إلى هناك بعد تمدد تنظيم داعش الإرهابي".