سلطت معلومات جديدة الضوء على التحركات الإيرانية في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، والتنافس مع قوى دولية وإقليمية (روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، الصين، تركيا، وإسرائيل)، وذلك من خلال الكتاب الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، بعنوان «سياسات إيران تجاه القوقاز وآسيا الوسطى.. استثمار الفُرَص وإبعاد المنافِسين»، للدكتور أحمد بن ضيف الله القرني.
ناقشَ كتاب «رصانة»، عددًا من الأسئلة تصبُّ في جوهر ما تمثِّله المنطقة من أهمية في التصوُّر الاستراتيجي الإيراني، وحجم تأثيرها الأيديولوجي بمحاولاتِ تصدير فكر الثورة الخُمينية، وتأثيرها السياسي بما يمكن أن يدعم نزعتها نحو الهيمنةِ في الشرق الأوسط، وتأثيرها الاقتصادي بما يمكن أن تجنيه مستفيدة من التجارة والنفط. واستكشف الكتاب طبيعة انطلاقة السياسة الإيرانية تجاه منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز من عدة اعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية.
يحتوى الكتاب الذي جاء في 119 صفحة على أربعة فصول، تناول: آسيا الوسطى ودول جنوب القوقاز في التصوُّر الاستراتيجي الإيراني، الحتميات الجغرافية والتاريخية في نظرة إيران إلى منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، وتناقش أهداف ومنطلقات السياسة الإيرانية تجاه منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، كما عرضَ الأبعاد الأمنية في عَلاقة إيران بدولِ آسيا الوسطى وجنوب القوقاز.
كما يبحث الكتاب الصادر عن «رصانة»، مساعي إيران الأيديولوجية والثقافية لاحتواء دول آسيا الوسطى والقوقاز، النهج الإيراني وحكومات المنطقة العلمانية، كاشفًا عن حدود القوة الناعمة الإيرانية، وتوظيف الإرث الثقافي والحسابات القومية، وتطرق للعَلاقات الاقتصادية والتجارية الإيرانية مع آسيا الوسطى ودول جنوب القوقاز، فقد استقصى الخلافات حول تقسيم ثروات بحر قزوين، والمشروع الإيراني لاستغلال الموارد النفطية لبحر قزوين.
كما بيَّنَ كتاب «رصانة»، حجم التبادل التجاري لإيران مع دول المنطقة، ثم مشروع «ممرّ الشمال-الجنوب» الذي يقوم على تعميق وتوسيع حجم التجارة بين أقاليم جنوب آسيا، والخليج العربي، ووسط آسيا، وشمال أوروبا، من خلال شبكة متكاملة من الطرق البرية والبحْرية والسكك الحديدية، وتطرق لسجال التنافس مع إيران من قِبل قوى دولية وإقليمية ذات تطلُّعات متضاربة مع النفوذِ الإيراني.
واستجلى الكتاب الدورَ الإيراني عبر رصد هذه المحاور مع دول المنطقة في الماضي والحاضر، من خلال مناقشة الأسئلة المطروحة، بتمحيص الرؤية الاستراتيجية الإيرانية ومتكآتها التاريخية حيال التعاطي مع دول المنطقة، إضافةً إلى تلمُّس الطرق التي تنتهجها إيران لمدِّ نفوذها السياسي باستحضارها الأبعاد الأيديولوجية والثقافية بُغية فرض السيطرة على مجال «أوراسيا الوسطى» الحيوي.
وتمرُّ منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز بتحوّلاتٍ في سياستها الخارجية مكَّنتها من فكِّ عزلتها واعتمادها السابق على روسيا وإيران. وقد استشرف الكاتب وِفق نظرةٍ تحليليةٍ التأثير السلبي لهذه المنطلقات بما يحدُّ من تمكُّن إيران من إقامة عَلاقات طيبة مع بعض دول آسيا الوسطى، ويُظهرُ محدودية قدرتها على استثمارِ الفرص من هذا الجوار.