كشف التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان «رصد» عن عدد النساء المختطفات والمختفيات والمعذبات، اللاتي استطاع الوصول إليهن، مُشيرًا إلى أن عددهن 303 نساء في مختلف المحافظات اليمنية، خلال الفترة من سبتمبر 2014 حتى مايو 2019.
وعبر تقرير أصدره «رصد»، مؤخرًا، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة؛ عن أن فريقه وثق منذ عام 2014 اختطاف ميليشيا الحوثي الانقلابية العديد من النساء اليمنيات في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، وتعرضت العديد من النساء العاملات في المجال الإنساني والإعلامي والحقوقي للاختطاف.
وأوضح أن عدد المختطفات الذي وثقه تحالف «رصد» للفترة نفسها بلغ 220 امرأة، بينهن 87 ناشطة سياسية، و30 طالبة، و10 نساء من أقلية الطائفة البهائية، و6 ناشطات حقوقيات، وإعلاميتان، وسُجلت أعلى نسب الاختطاف في صنعاء؛ إذ بلغ عدد الضحايا فيها 204 نساء.
ولفت التقرير إلى أن المرأة اليمنية لم تسلم من الانتهاكات الشنيعة التي تعرض لها الرجال بمناطق سيطرة ميليشيا الحوثي؛ حيث اختطفت الميليشيا وعذبت 87 امرأة من بداية 2018 حتى مايو 2019، كما قتلت وتسببت في مقتل 199 امرأة، خلال الفترة نفسها.
وأكد أن أسوأ ما أفرزته الحرب الحوثية على النساء، هو إحساسهن بالخوف وعدم شعورهن بالأمان؛ فالخوف على حياتهن وأطفالهن وأزواجهن وأهاليهن من تداعيات الحرب وتأثيراتها اليومية، والاعتداء على الحياة والسلامة الجسدية؛ عناء يومي ومأساة إنسانية تتجرعها المرأة في اليمن كل يوم.
وهذه الأرقام ليست إلا جانبًا من الصورة القاتمة التي تعيشها المرأة اليمنية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيا الحوثية الإيرانية طوال 5 سنوات منذ الانقلاب الحوثي، لكن المشهد يبدو أشد قتامةً في ظل عدد كبير من الانتهاكات الصارخة التي لم يتم توثيقها أو لم يتم الإبلاغ عنها خوفًا من بطش الميليشيا.
فخلافًا لجرائم القتل شبه اليومي الذي تتعرض له المرأة اليمنية، وأعداد كبيرة من الإصابات نتيجة القصف على الأحياء السكنية والمنازل؛ فإن عداد ضحايا الألغام الحوثية من النساء لم يتوقف عن الدوران؛ فلا يكاد يمر يوم دون أن يكون هناك ضحايا من المدنيين، وفي مقدمتهم النساء والأطفال، يسقطون نتيجة ما يزيد عن مليون لغم حوثي تتربص بحياتهن، وتنتظر النساء في المزارع والطرقات.
وتعد ظاهرة الاعتداء على النساء غريبة على المجتمع اليمني الذي تحكمه أعراف وتقاليد تعطي المرأة حرمة تصل إلى حد القداسة، كما يعد تجاوز هذه الحرمة عيبًا أسودَ في العرف اليمني، غير أن ميليشيا الحوثي ذات المنهجية الطائفية الإيرانية، تجاوزت كل هذه الأعراف، ووصل بها إلى ارتكاب كل ما يستفز المجتمع وينتهك كرامته وعاداته وتقاليده؛ من اعتداء على النساء بالضرب، واختطاف، وإخفاء قسري، وتعذيب.
وبلغ الأمر مداه حين كشفت المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر (منظمة مجتمع مدني)، مطلع العام الجاري، عن اعتقال نساء واحتجازهن في فيلا بشارع تعز جنوب العاصمة صنعاء، واقتيادهن ليلًا إلى البحث الجنائي الخاضع لسيطرة الحوثيين للتحقيق معهن تحت التعذيب.
وأكدت المنظمة حينها أنها تلقت عددًا من البلاغات عن اختفاء نساء في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، على أن عملية الاختطاف والإخفاء القسري اليمنيات، بدأت تبرز كظاهرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي لسنوات الحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي، فإن المرأة لا تزال تدفع ثمن فاتورة الحرب للعام الخامس؛ فإن لم تكن هي الضحية المباشرة، فإنها تكون أرملة أو ثكلى فقدت أحد أبنائها، أو فقدت عملها ومصدر دخلها، وضاقت الحياة المعيشية بأسرتها، ودفعتها الأزمات التي تستغلها القيادات الحوثية في الإثراء، إلى الخروج والبحث عن الغاز المنزلي والمساعدات الإنسانية.
وقبل عام، خرجت في صنعاء انتفاضة الثائرين في وجه الجوع الذي حاكته الميليشيات الإيرانية. وكانت المرأة اليمنية في طليعة هذه الانتفاضة الشعبية التي قابلتها ميليشيا التمرد الحوثية بالاعتداء الوحشي على نساء عزلاوات أخرجهن الفقر والجوع. وانتهكت الميليشيا الحوثية كل القيم والأعراف، واعتدت على طالبات جامعة صنعاء بالهراوات والصواعق الكهربائية، وتم اعتقال وسجن العديد منهن.
وتواجه نساء اليمن في مناطق سيطرة الانقلابين أنماطًا من الانتهاكات، وتتحمل ويلات الحرب الحوثية على اليمن واليمنيين، وأصبحت في مقدمة ضحايا الحرب، وتعيش معاناتها جسديًّا ونفسيًّا ومعنويًّا، في ظل غياب تام للمنظمات الدولية المهتمة بحقوق المرأة، إلا من بعض البيانات الخجولة التي تتجنب الإشارة إلى الجاني.
ولعل أبسط صورة من صور المعاناة اليومية للمرأة اليمنية هو ما تجسده رابطة أمهات المختطفين، وهن يعشن المعاناة اليومية نتيجة غياب أبنائهن في غياهب السجون الحوثية، يتعرضون لصنوف التعذيب، فيما يعشن مأساة حقيقية، ويتعرضن لمعاملة قاسية أثناء رحلة البحث عن أبنائهن.
لم تتوقف ميليشيا الحقد الإيرانية عند هذا الحد، بل عمدت إلى تنفيذ مخطط خطير يستهدف النساء، وجرف هوية المرأة اليمنية، واستهدفت مدارس البنات ومراكز التحفيظ النسائية ببرامج دعائية طائفية تنال من العقيدة الإسلامية والهوية الوطنية.
وتجبر ميليشيا الحوثي النساء في مناطق سيطرتها على حضور أنشطتها التي تعتبرها «تثقيفية»، والتي تمارس فيها أبشع صور التحريض والحث على الكراهية والعنف، وتقدم في تلك الأنشطة محتويات تمجد السلالة الحوثية، وتقدم ملازم مؤسس الميليشيا الصريع حسين الحوثي، على أنها قرينة للقرآن الكريم، وتروج للقداسة الطائفية ورموزها الإرهابية كزعيم حزب الله الإرهابي، ومرشد النظام الإيراني.
وكما استنسخت ميليشيا الحوثي كثيرًا من تجارب حزب الله في لبنان والحرس الثوري الإيراني في البناء التنظيمي والعسكري والأمني، والبرامج الدعائية والتجريف للمجتمعات؛ فإنها مضت على الطريق نفسه فيما يتعلق بالجانب النسائي؛ إذ أنشأت جهازًا أمنيًّا عسكريًّا نسائيًّا، وأطلقت عليه اسم «الزينبيات»، وهي تسمية طائفية سلالية منقولة بحذافيرها.
وبات هذا الاسم السيئ الصيت «الزينبيات» ميليشيا حوثية نسائية وأداة إرهاب للمجتمع وللمرأة اليمنية، وسلاحًا للمزيد من القتل والترويع، ومحاكاة واضحة لمشروع طائفي صدرته إيران من خلال تجييش المجتمع بالكامل، حتى النساء.
وبات تجنيد النساء لدى ميليشيا الحوثي استراتيجية تخدم المشروع الإيراني القائم على إرهاب كل فئات المجتمع؛ حيث يتم تحويل هؤلاء المجندات إلى وحوش بشرية تبث الرعب، وتمارس كل أشكال الترويع والانتهاكات، من اقتحام للمنازل، واعتداء على النساء، وقمع أي مظاهر احتجاجية على ما آلت إليه الأوضاع.. وكل هذا يحدث في مجتمع مسلم تحكمه عادات وتقاليد تجعل للمرأة حرمة مصونة، لا يجرؤ أحد مهما كانت قوته على المساس بها.