في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا تتنفس الصعداء إلى حد ما، بعد موجة المهاجرين الضخمة التي طرقت أبوابها خلال السنوات القلائل الماضية لاسيما من سوريا وليبيا بسبب الأوضاع المضطربة في البلدين، ثمة أزمة تتكشف حاليًا وتنذر بتدفق موجة جديدة من المهاجرين بسبب الأوضاع الحالية في أفغانستان.
ويقول الكاتب والمحلل أندريسا كلوث، الذي شغل منصب رئيس تحرير صحيفة "هاندلسبلات جلوبال" الألمانية الاقتصادية في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، إنه يجب ألا يتكرر سيناريو أزمة المهاجرين إلى أوروبا عام 2015، التي اتسمت بوصول عدد كبير من الأشخاص إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط أو برا عبر جنوب شرق أوروبا.
ويضيف كلوث أن هناك إحجاما من جانب السياسيين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي وهم يشاهدون الكارثة الإنسانية التي تتكشف في أفغانستان، والتي يمكن توقع أن تتسبب عاجلًا أم آجلًا في تجدد الهجرة الجماعية.
ومن بين هؤلاء السياسيين الأوروبيين، وفقا لكلوث، مرشحون لمنصب المستشار في ألمانيا الذين يبدون قلقهم بشأن الانتخابات الوطنية المقررة في 26 سبتمبر، وقادة مثل المستشار النمساوي زيباستيان كورتس، الذي استبعد بالفعل قبول أي لاجئين من أفغانستان، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يطالب بـ "استجابة قوية" تجاه أي تدفق جديد للمهاجرين.
ومن بينهم أيضًا زعيما ليتوانيا وبولندا، اللذان يبنيان الآن سياجا ماديا على حدودهما مع بيلاروس لإبعاد اللاجئين.
وهناك أيضا الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو المتهم بتزوير انتخابات العام الماضي وهو الآن هدف لعقوبات الاتحاد الأوروبي، وردا على ذلك فإنه يستخدم اللاجئين كورقة ضغط حيث يستقدم المهاجرين على متن الطائرات من العراق، ومن بينهم أفغان، ثم يدفعهم باتجاه حدود الاتحاد الأوروبي.
ويقول كلوث إن استخدام لوكاشينكو للبشر كأوراق ضغط سياسية هو أمر يثير السخرية، ولكنه ليس فريدا بأي حال من الأحوال. واستشهد بسابقة على ذلك، قائلا إنه على الرغم من إبرام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016 يلزمه بمنع اللاجئين من العبور إلى اليونان، فإنه يهدد بإجبار المهاجرين على دخول الاتحاد الأوروبي كلما دخل في إشكالية مع بروكسل أو برلين أو باريس أو أثينا.
ويقول إن ما أدركه أمثال لوكاشينكو وأردوغان هو أن ملف الهجرة "مغلف بالديناميت الإنساني والجيوسياسي"، وبالتالي يمكن استخدامه كسلاح ضد الاتحاد الأوروبي، حيث يمكنهم تفجيره بشكل أكثر تدميرا من أي قنبلة.
ويضيف قائلا: "يدرك الحكام المستبدون أنهم قادرون على فضح الاتحاد الأوروبي، الذي يقول إنه يهتم بالبشر، وذلك من خلال تصويره على أنه ضعيف أو منافق أو كليهما". وهذا هو إرث عام 2015، عندما فر حوالي مليون رجل وامرأة وطفل، معظمهم من السوريين إلى جانب الأفغان وغيرهم، إلى أوروبا في غضون عام. وجاء هؤلاء الأشخاص اليائسون في قوارب عبر بحر إيجة، أو ساروا عبر البلقان، أو ركبوا في شاحنات أصبحت في كثير من الأحيان فخاخا للموت. وبأعدادهم الكبيرة، كاد هؤلاء اللاجئون أن يطغوا على اليونان، التي كانت بالفعل في خضم أزمة اليورو.
وقد حولوا الحكومة المجرية علنا إلى كراهية الأجانب ومعاداة الاتحاد الأوروبي، بدلا من أن تخفي ذلك، ويقول كلوث إن كل هذا يغذي الشعبوية في مختلف أنحاء أوروبا، كما أنه يقسم شركاء مثل ألمانيا والنمسا، ثم الاتحاد الأوروبي بأكمله، إلى معسكرات لا يمكن التوفيق بينها حول مسألة كيفية التعامل مع الهجرة بشكل عام.
ومن بين الأمور التي لم يفعلها "2015" بوضوح هو تحفيز الاتحاد الأوروبي على إصلاح نظام الهجرة بشكل ملموس. ولا يزال هذا يعتمد إلى حد كبير على "نظام دبلن" المختل، حيث لا يمكن للاجئين التقدم بطلب اللجوء إلا في أول بلد يدخلونه فعليا إلى الاتحاد الأوروبي، بشكل رسمي على الأقل. ويترك هذا الدول الواقعة على أطراف الاتحاد الأوروبي وهي إسبانيا وإيطاليا ومالطا واليونان كما رأينا في الماضي، وربما لاتفيا وليتوانيا وبولندا بعد ذلك إلى التصرف بناء على اعتباراتها الخاصة.
ويواجه قادة تلك الدول قرارا محرجا بين قبول المهاجرين، وبالتالي تشجيع المزيد على اتباعهم، أو دفعهم إلى الوراء بعنف، كما تفعل اليونان في بحر إيجة. ويقول كلوث إن "الفشل في السيطرة على الهجرة قد أسقط إمبراطوريات من قبل".
ولا يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى أن ينتهي بنفس الطريقة وخلافا للولايات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبي غير قادر أو راغب في نشر القوة عندما يتعرض للتهديد، وبالتالي فهو محكوم عليه إما بأن يحذو حذو الولايات المتحدة أو أن يحاول كسب ود الحكومات في إفريقيا والشرق الأوسط على أمل أن تبقي شعوبها في الداخل. ومع ذلك، قد تمنع أوروبا عام 2021 من أن يصبح تكرارا لعام 2015.
اقرأ أيضًا :