يعيش النظام الإيراني حالة من الرعب والهلع، هذه الأيام، تأثرًا باندلاع الاحتجاجات في لبنان والعراق، وما صاحبها من تنديد ورفض للتغلغل والهيمنة الإيرانية على الأوضاع السياسية في هاتين الدولتين. وازداد الخوف لدى النظام في طهران بعد أن امتدت التظاهرات إلى الداخل الإيراني، وسقوط عشرات الضحايا والجرحى، جراء إطلاق قوات الأمن الذخيرة الحية على المتظاهرين، حسبما ذكرت صحيفة «تاجس تسايتونج» الألمانية.
فبينما علّق المرشد الإيراني، علي خامنئي، حالة الغضب والسخط الشعبي التي اجتاحت عددًا من المدن والمحافظات وعلى رأسها العاصمة طهران، على شماعة من أسماهم بـ«أعداء الشعب» و«الثورة المضادة»، قالت صحيفة «تاجس تسايتونج» اليومية الألمانية واسعة الانتشار، إن الرعب يتصاعد بين أركان نظام الملالي خشية تصدع نفوذها داخليًا وفي المنطقة.
وتضرب احتجاجات كبيرة إيران جراء قرار الحكومة رفع أسعار البنزين، أو ما يطلق عليه «زلزال البنزين» فيما أقر مسؤولون بسقوط شخص على الأقل وإصابة العشرات في المواجهات ما بين المتظاهرين وقوات الأمن، وسط أنباء عن أن عددًا ممن فقدوا حياتهم أكثر من ذلك.
وفي تقرير مطول تحت عنوان «الهيمنة الإيرانية على المحك»، أشارت الصحيفة الألمانية، اليوم الأحد، إلى أن تداعيات الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية المشتعلة في كل من العراق ولبنان، قد امتدت إلى إيران، التي تتمتع بنفوذ كبير في البلدين
وضربت الصحيفة المثل بمباراة كرة القدم التي جمعت كل من العراق وإيران في الأردن مؤخرًا، ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، والتي انتهت بفوز أسود الرافدين بهدفين مقابل هدف؛ حيث هتف الجمهور العراقي المحتشد في ميدان التحرير ببغداد عقب صافرة الحكم، مطالبًا بطرد دولة الملالي من البلاد، مرددين «لن نسمح بتقسيمنا إلى سنة وشيعة مجددًا».
ويحتج العراقيون ضد سوء الإدارة والفساد، مستهدفين الضغط على السياسيين الشيعة المسيطرين على الأوضاع في البلاد، منذ سنوات، بينما يرى المحتجون أن هؤلاء الساسة «مجرد دمى إيرانية»، على حد وصف الصحيفة الألمانية.
وقتل أكثر من 300 عراقي في الاحتجاجات المندلعة بجميع أنحاء البلاد منذ بداية أكتوبر الماضي، فيما كانت الميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران تطلق النار على المتظاهرين.
ووفق الصحيفة الألمانية، فمن المؤكد أن موجة الاحتجاجات بالعراق ولبنان، لن تمر دون أن تترك اثرًا على النظام الإيراني، الذي يعُتبر المدافع الرئيسي عن الوضع، الذي خرج ضده العراقيون واللبنانيون إلى الشوارع منذ أسابيع، وللمرة الأولى يخرج المحتجون في هاتين الدولتين للتنديد بسوء الإدارة والفساد، بعيدًا عن الطائفية أو التحزب.
والأكثر خطورة بالنسبة لطهران، أن الاحتجاجات تجري أيضًا داخل المجتمعات الشيعية في لبنان والعراق، وهي المرة الأولى، التي يتم فيها انتقاد الجماعات السياسية المتعاونة مع النظام الإيراني، سواء كان «حزب الله» في لبنان أو الأحزاب الشيعية العديدة والميليشيات في العراق.
وتقطع الصحيفة الألمانية بأن الاحتجاجات في العراق ولبنان باتت تشكل تهديدًا كاملًا للنخبة الدينية الحاكمة في إيران، تلك النخبة التي تفقد نفوذها في المنطقة، في حين سيتضاعف ذلك التهديد إذا امتدت الاحتجاجات في المجتمعات العربية الشيعية إلى إيران؛ إذ أن أكبر مصدر قلق للحكام في طهران هو أن يفقدوا الطريق الشيعي في العالم العربي، وفي النهاية أن يتم تحديهم في بلدهم.
من ناحية أخرى، يمكن لحركة الاحتجاج العربية الحالية أن تتحول بسرعة لأزمة شرعية حقيقية لنظام الملالي، وكذا بالنسبة إلى الحرس الثوري، الذين يراقبون المشاهد في ميدان التحرير ببغداد برعب شديد، خاصة أن المتظاهرين يعلقون الملصقات ذات الوجه الممزق لأكبر زعيم للثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، بل إن بعض المتظاهرين ضربوا الملصقات بنعالهم.
إن إيران التي تملأ الفراغ السياسي والعسكري بالعراق منذ الإطاحة بصدام حسين وما تلى ذلك من احتلال أمريكي، تدفع الآن ثمن الهيمنة السياسية الطائفية في بلاد الرافدين، كما تدرك طهران جيدًا أنه بدون تهديد أعدائها عبر حلفائها الإقليميين، مثل حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق ونظام الأسد، فإنها قد أصبحت أكثر عرضة للخطر.
وفي الأخير تنصح الصحيفة الألمانية، الولايات المتحدة والغرب وبعض دول الخليج، بالابتعاد عن دعم حركات الاحتجاج في العراق ولبنان وحتى داخل إيران؛ من منطلق أن ذلك سيمنح مبررًا لطهران وحلفائها، للانقضاض على المحتجين وإنهاء وقفاتهم بشكل دموي وعنيف بحجة مواجهة التدخلات الخارجية.