يبدو أنَّ السفر إلى أوروبا أصبح الحلم المنشود للمواطنين على اختلافهم بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة في لبنان الذي يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.
فعلى نحو لافت للانتباه توقف عدد كبير من الشباب أمام لوحة عرض مواعيد الرحلات في صالة المغادرة بمطار بيروت مساء يوم الجمعة الماضي.
كان هؤلاء الشباب مسافرين إما بمفردهم أو برفقة صديق، وبحوزتهم حقيبة ظهر واحدة أو أمتعة أخرى صغيرة، ويبحثون عن تسجيل الوصول للرحلة رقم B2782 الساعة السادسة والنصف مساء. الوجهة هي العاصمة البيلاروسة مينسك على متن طائرة بوينج 737 تابعة لشركة الطيران البيلاروسة «بيلافيا».
لا أحد منهم يريد التحدث، وإذا رغب أحدهم في الحديث فلا تخرج منه سوى كلمات مقتضبة. يقول أحدهم إنه سيسافر إلى بيلاروس بحثا عن عمل، ويقول آخر إنه متوجه إلى هناك بغرض السياحة. معظمهم يحملون جوازات سفر من سوريا المجاورة، وليس هناك شك في أن الرحلة من مينسك ستؤدي إلى الحدود البولندية بغرض الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، رحلة خطيرة وشاقة بنتائج غير مؤكدة.
الأمر قد يبدو للبعض وكأنه رحلة منظمة، مجموعة شباب يحملون جوازات سفر سورية يخرجون من حافلة صغيرة. يعطيهم شخص يكبرهم سنا قليلا تعليمات، مؤكدا عليهم أن أهم شيء هو جوازات السفر، وألا يزيد وزن حقائب اليد عن سبعة كيلوجرامات، ثم يتفرق الجمع للتوجه إلى تسجيل الوصول.
على غرار هؤلاء الشباب، يشق آلاف الأشخاص من دول عربية أخرى منذ أسابيع طريقهم نحو الاتحاد الأوروبي، وخاصة إلى ألمانيا، عبر بيلاروس. ومن بين هؤلاء لبنانيون والعديد من السوريين، وكذلك أكراد من شمال العراق. يريد جميعهم المغادرة على أمل حياة أفضل، فأوطانهم متعثرة في أزمات لا تنتهي منذ سنوات، بل وتزداد سوءا، وآخرها بسبب كورونا.
الوضع في لبنان على سبيل المثال يزداد سوءا يوما بعد يوم. فعقب عامين من الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا والانفجار الهائل في مرفأ بيروت، يعيش ثلاثة أرباع السكان حاليا في فقر. هناك يكافح حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، وكذلك أيضا الكثير من اللبنانيين، يوميا من أجل البقاء على قيد الحياة، بينما تنشغل النخبة الفاسدة في صراعات على السلطة بدلا من القلق بشأن الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها.
وحذر خبير في الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي من أن لبنان في طريقه لأن يصبح دولة فاشلة. واللبنانيون يحاولون بأعداد كبيرة مغادرة البلاد.
يشهد البلد المجاور، سوريا، نزوحا جماعيا منذ سنوات. وعلى الرغم من أن الصراع العسكري قد هدأ إلى حد ما بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب الأهلية، لا توجد مؤشرات في أي مكان على توقف الحرب، بل إن هناك معارك جديدة قد تندلع في أي وقت.
وكما هو الحال في لبنان، تدفع الأزمة الاقتصادية في سوريا المزيد والمزيد من الناس إلى براثن الفقر. وضربت أزمة الجوع البلاد، وتفاقمت هذا العام بسبب جفاف مستمر منذ شهور. دُمرت العديد من المناطق في سورية على نحو بالغ، بينما تفتقر حكومة الرئيس بشار الأسد إلى الأموال لإعادة الإعمار.
في المناطق الكردية المستقرة سياسيا نسبيا في العراق، يشكو الشباب على وجه الخصوص من عدم عثورهم على فرص عمل. لا تزال المنطقة تعاني من تداعيات القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي، الذي توغل بالقرب من عاصمة إقليم كردستان، أربيل، ولا يزال نشطا في العراق.
وذكرت شبكة «رووداو» الإعلامية الكردية أن العديد من اللاجئين ينحدرون من المنطقة الواقعة على الحدود مع تركيا، حيث يقاتل الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني. ومن بين هؤلاء أيضا أفراد من الأقلية الدينية الإيزيدية، الذين تعرضوا للاضطهاد والخطف والإيذاء والقتل على يد تنظيم داعش. ولا يزال الكثير منهم يشعرون بالتمييز ضدهم.
لقد أصبح الناس منذ فترة طويلة جزءا من لعبة دولية تشارك فيها عدة دول. وأوقف العراق جميع الرحلات الجوية المباشرة إلى بيلاروس في أغسطس الماضي للحد من عدد المهاجرين، إلا أنهم يصلون إلى مينسك عبر مطارات أخرى.
يروي كردي في أوائل الثلاثينيات من عمره أنه اتفق مع مجموعة من مهربي البشر على نقله إلى ألمانيا عبر تركيا وبيلاروس، مضيفا أنه اضطر إلى دفع 10 آلاف دولار مقابل ذلك، وقال: لدي العديد من الأقارب الذين فروا ويعيشون في سلام وأمان في ألمانيا... إذا وصلت إلى هناك، سوف يتحقق حلمي، موضحا أن رحلته ستبدأ بمجرد الحصول على تأشيرة تركيا.
في الأيام القليلة الماضية لوحظت في مطار إسطنبول مشاهد شبيهة بتلك الموجودة في بيروت ، حيث وقفت مجموعة من الشباب يحملون حقائب ظهر ممتلئة يوم الخميس الماضي بجانب مكتب تسجيل الوصول إلى مينسك. كانت المجموعة تتحدث الكردية وسلم مرافقان وثائق لأفراد المجموعة. هل هؤلاء مهاجرون متجهين نحو أوروبا؟ رفض الشباب التحدث وكانوا على عجالة من أمرهم.
في المقابل، تحدث السوري محمد بصراحة عن خططه، فهو يريد الذهاب من إسطنبول إلى مينسك، ثم إلى بولندا وألمانيا. وقال الشاب البالغ من العمر 22 عاما إنه حاول فعل ذلك قبل شهرين، لكنه فشل بسبب مشكلات في الحصول على التأشيرة. في ذلك الحين قامت "شركة وسيطة" بتنظيم رحلة شاملة مقابل 3200 دولار: تذكرة طيران وتأشيرة وحجز في فندق لقضاء أربعة إلى خمسة أيام في مينسك. وكان يخطط الشاب في ذلك الحين لأن يشق طريقه إلى الحدود بمفرده.
الآن يريد الشاب تغيير خططه وتجربتها عبر سورية: فمنذ يوم الجمعة الماضي، وبعد ضغوط دولية، لم تعد تركيا تسمح لمواطني العديد من الدول العربية بالسفر إلى بيلاروس. لكن شركة "أجنحة الشام" للطيران السورية أعلنت أيضا أنها ستعلق رحلاتها إلى العاصمة البيلاروسية.
تقلع طائرات شركة الطيران البيلاروسية "بيلافيا" من مطار بيروت إلى مينسك يومي الثلاثاء والجمعة. تُباع تذكرة الرحلة مقابل 1200 دولار عبر وكالة محلية شريكة لـ"بيلافيا"، حسبما ذكر موظف بوكالة سفريات في بيروت، موضحا أن معالجة طلبات التأشيرات تجريها السفارة البيلاروسية في العاصمة السورية دمشق. ففي النهاية القيادة السورية متحالفة مع بيلاروس وروسيا.
تم حجز رحلة الطيران المُقلعة من بيروت مساء الجمعة الماضية بالكامل، بحسب الوكالة الشريكة لبيلافيا في بيروت. وتستوعب الرحلة حوالي 190 راكبا على متن طائرة "بوينج 737". لكن بالنسبة للركاب تبدأ الرحلة في اتجاه بيلاروس بنبأ سيء في ذلك المساء، حيث تظُهر لوحة العرض أن الرحلة ستتأخر أربع ساعات.
اقرأ أيضا..