تساءل الكثيرون عن إمكانية تعطيل الحج هذا العام؛ حال استمر تفشي مرض «كورونا المستجد»، وتعذّر احتواؤه كليًا حول العالم قبل نهاية يوليو المقبل، الذي يُصادف بدء الشعائر المقدّسة، وذلك عقب إعلان المملكة تعليق رحلات العمرة وزيارة المسجد النبوي؛ كإجراء احترازي لمنع وفادة فيروس كورونا للبلاد.
من ناحيتها، استعرضت «دارة الملك عبدالعزيز» مواقف سابقة لمثل هذه الإجراءات، لافتة إلى أنها سجلت توقف الحج 40 مرة، نقلًا عن علماء التاريخ الإسلامي، الذين أكَّدوا أن أسبابه تنوَّعت بين عدة ظروف، منها: انتشار الأمراض والأوبئة، والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، إضافة إلى الغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي، إلى جانب فساد الطرق من قبل اللصوص وقطاع الطرق.
وأضافت: كانت المرة الأولى لتعطيل فريضة الحج بسبب (القرامطة)، الذين كانوا يزعمون أن شعائر الحج «من الجاهلية»، وكان حينها زعيم القرامطة أبوطاهر القرمطي، منشدًا على باب الكعبة، وفي يوم الثامن من ذي الحجة عام 317هـ، دعا أتباعه بأن يحصدوا حجاج بيت الله قتلًا ونهبًا وسفكًا بسيوفهم، وبإشرافه على تلك المجزرة، وكان ينادي ويقول لأصحابه: أجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار، ودكوا أركان الكعبة، وأقلعوا الحجر الأسود.
وتابعت «الدارة»: خلّد التاريخ في تلك المجزرة تعلّق الحجاج بأستار الكعبة، قبل أن تختطفهم سيوف الطاغية القرمطي، ويزداد عدد قتلى بيت الله الحرام إلى 30 ألف شهيد، ودفنوا في مواضعهم بلا غسل ولا كفن ولا صلاة، وجمع الطغاة جثة 3 آلاف حاج، وطمروا بها في بئر زمزم ودمروها بالكلية، قبل أن يقلعوا الحجر الأسود من مكانه ويحملوه معهم إلى مدينة هجر (القطيف حاليًا)؛ حيث كانت مركز دعواتهم وعاصمة دولتهم، وتعطّل الحج آنذاك كما يُقال 10 أعوام؛ حيث لم يقف أحد بعرفة، ولم تؤد المناسك، وذلك لأول مرة، منذ أن فُرضتْ الشعيرة.
وأردفتْ الدارة: الحادثة الأخرى كانت سنة 251هـ، والتي تُعرف بـ(مذبحة صعيد عرفة)، حيث أُبطِل الحج حينها، بعد أن هاجم إسماعيل بن يوسف العلوي ومن معه؛ جموع الحجاج فقتلوا منهم أعدادًا كبيرة، كما توقّف الحج سنة 357هـ، ويُقال بأنها بسبب انتشار ما يُسمّى بـ(داء الماشري) في مكة المكرمة، وبسببه مات الحجاج، وماتت جمالهم في الطريق من العطش، ولم يصل منهم إلى مكة سوى القليل.
وسحب الدارة، فقد، تعطّل الحج في سنة 390هـ بسبب شّدة الغلاء، كما لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل مصر في سنة 419هـ، مشيرة إلى أنه «في سنة 492هـ، لم يحج أحد، بسبب ما حلَّ بالمسلمين من ارتباك وفقدان للأمن في أنحاء دولتهم الكبيرة؛ بسبب النزاع المستشرى بينهم، وقبل سقوط القدس في يد الصليبيين بخمس سنوات فقط.
وأضافت: لم يحج المصريون سنة 563هـ، بسبب انشغالهم بحرب أسد الدين، وبعد ذلك لم يحج أحد من سائر الأقطار ما عدا الحجاز من سنة 654هـ ولمدة أربع سنوات، وأما سنة 1213هـ فتوقفت رحلات الحج في أثناء الحملة الفرنسية لعدم أمان الطريق، كما عاد البغداديون للحج سنة 650هـ، بعد توقّفهم 10سنوات إثر موت الخليفة المستنصر.
وتابعت «الدارة»: انتشر سنة 1246هـ وباء قادم من الهند وقتل ثلاثة أرباع الحجاج، وفي سنة 1837م تفشّت الأوبئة بالحج واستمرت حتى 1892م، وشهدت تلك الفترة موت ألف من الحجاج يوميًا؛ نظرًا لتفشّي وباء شديد الخطورة، بل في سنة 1871 ضرب المدينة المنورة وباء، كما شهدت تفشّي وباء يُعرف بالكوليرا، الذي انتشر في موسم الحج، وتزايدت الوفيات في عرفات، وبلغت ذروتها في منى.
وختمت الدارة بالقول: الأوبئة في تاريخ الحرم المكي كانت كثيرة؛ لشدة الازدحام وكثرة الزوار من حول العالم، ولم تتوافّر في العصور القديمة قبل العهد السعودي خدمات مراقبة ومتابعة أمراض الحجاج، ولم تفرض السلطات حجرًا صحيًا على من يُشتبه أنهم يحملون أمراضًا معدية، ولم تتوافّر أي خدمات للتعقيم، فحصدت الأوبئة أعدادًا كبيرةً من الحجاج.