مَنْ اختطف المركز الإسلامي في أيسلندا؟ وكيف شوه سمعة المملكة؟

موفد "عاجل" يذهب إلى ريكيافيك بحثًا عن الإجابة:
مَنْ اختطف المركز الإسلامي في أيسلندا؟ وكيف شوه سمعة المملكة؟
تم النشر في

كانت الشرارة التي بدأت منها الحكاية هي فيديو لطرد المسلمين في أيسلندا من مسجدهم، ومنعهم حتى من الصلاة في المسجد، وفَتْح إحدى الكنائس أبوابها لهم ليؤدوا صلاة التراويح. ما لفت نظرنا وقتها أن الصحافة الأيسلندية كانت تهاجم المملكة، وتتهمها برعاية الإرهاب.

أيسلندا، لمن لا يعرفها، هي إحدى الدول الإسكندنافية، وإحدى أكثر دول العالم تقدمًا وثراء، وحاصلة على المركز الأول في حرية الصحافة في العالم، وإحدى أكثر عشر دول في العالم من حيث تقدم الإعلام مهنيًّا. وعندما يهاجم إعلامُ تلك الدولة المملكة بسبب ما يحصل للمسلمين في المركز الإسلامي، فلا يمكنك أن تستنتج إلا أن هناك خطأ ما.

صحيفة "عاجل" لاحقت خيوط القضية، وحصلت على وثائق ومعلومات لتنفرد بنشر تحقيق عن الموضوع في (23 رمضان) الماضي بعنوان (مسجد أيسلندا الوحيد.. يفضح مخططات الزج باسم المملكة في قضايا الإرهاب)، يتضح منه أن بعض أصحاب النفوس الضعيفة استغلوا دعم المملكة العربية السعودية وسعيها الدؤوب لنصرة الإسلام والمسلمين في مختلف أنحاء العالم ليحققوا مآرب ومكاسب شخصية، بدعوى أنهم يمثلون المملكة، وهو ما كان سببًا في تشويه صورة المملكة العربية السعودية، وإلصاق الاتهامات الباطلة بها، مما ينعكس سلبًا بالضرورة على القضايا الإسلامية التي تناصرها المملكة.

وكانت المفاجأة أن نشر التقرير كان بمثابة فتح خلية نحل؛ حيث توالت الاتصالات على "عاجل" من مختلف أطراف القضية، وكان مفاجئًا أكثر تصدي مجموعة من السعوديين، إعلاميين ورجال أعمال ودعاة، للدفاع عن الشخصية الرئيسية والمتهمة بالقضية، وبدؤوا في بذل جهود على أعلى مستوى يمكنهم الوصول إليها لتبرئة ساحته، ونفي ما نشرته "عاجل".

هذا ما استدعى أن أسافر إلى أيسلندا لأحضر اجتماعًا جمع هؤلاء المدافعين، وللبحث عن المزيد من الأدلة حول الحقيقة، وللحوار مباشرة مع حسين الداودي، الشخص الذي يتهمه المسلمون في أيسلندا والسويد والنرويج بأنه استغل علاقاته بالشخصيات السعودية لجمع مبالغ كبيرة من المال لصالحه الشخصي، ولتأسيس سيطرة على مصالح المسلمين هناك، وبناء صورة ذهنية مخادعة عن شخصه، وهو الأمر الذي تؤيده الأدلة والوثائق التي جمعتها عاجل عن الداودي (وهو عراقي من أصل كردي)، وتحتوي على عدد من الغرائب، كما يكشفها هذا التقرير.

لقد سافرت آلاف الأميال لأبقى في ريكيافيك عدة أيام استطعت خلالها -بتوفيق الله- أن أصل إلى كثير من المعلومات بعد أن تحدثت مع عدد من الأشخاص بمن فيهم الداودي نفسه، والسعوديين الذين يقفون مدافعين عنه، غير آبهين بمؤشرات كثيرة بين أيديهم عن معاناة المسلمين مما يفعله هذا الرجل بهم.

أظن أن القارئ سيتألم بعد قراءة هذا التقرير، كما تألمت، إذ كيف يمكن لشخص واحد أن يشوه سمعة المملكة، ويسرق أموال المتبرعين، ويفسد حياة المسلمين، ويسيء لهم أمام حكومات وشعب الدول التي يعيشون فيها، مما يعني الإساءة للإسلام، في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الإسلام والمسلمون.

لن أكتب كل ما رأيت وسمعت هنا، فمهنيتي الصحفية تقتضي أن أكتب فقط ما يرقى للنشر من حيث التثبت منه، ولا يشهر بالأفراد، ويحقق المصلحة العامة فقط.

"عاجل" تطير إلى أيسلندا:

في صباح يوم الخميس (30 يونيو 2016) وصل فريق "عاجل" إلى مدينة "ريكيافيك"، العاصمة الأيسلندية، التي تعتبر أكبر مدن الدولة الأوروبية الواقعة في شمال المحيط الأطلسي والتي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة.

بعد إنهاء إجراءات الجوازات واستلام الأمتعة من مطار العاصمة، اتجه الفريق إلى مقر الإقامة بوسط المدينة، وأثناء الطريق الذي قطعناه بسيارة أجرة، تحدث إلينا سائق التاكسي ويدعى "ديفيد توماس" حول القضية المثيرة للجدل التي وقعت بين أبناء الجالية المسلمة في أيسلندا، بشأن النزاع على المسجد.

"توماس" أكد أن الشعب الأيسلندي جميعه تابع التطورات، وتداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للعراك بين طرفي الأزمة، وهي اللقطات التي نشرتها شاشات التلفزيون الرسمي، قبل أن يتبين لاحقًا أن الصراع سببه أطراف خارجية من السويد، "الجميع الآن يعتقد أن المسلمين ليسوا أكفاء للحصول على أي دعم مستقبلي من الحكومة"، هكذا أكمل حديثه بنبرة من الإحباط.

سائق التاكسي، أخبرنا سريعًا بلب الأزمة، وهو أن شخصًا يدعى "حسين الداودي" اعتاد الظهور في وسائل الإعلام مدعيًا أنه يلقى دعمًا من السعودية على الرغم من كونه السبب الرئيسي للصراع بين المسلمين في أيسلندا، وهو ما انسحب بالتالي على المملكة، مؤكدًا في الوقت ذاته أن "سليمان التميمي" رئيس الجمعية الإسلامية، ومن أوائل المسلمين في أيسلندا، شخصية محبوبة وتحظى باحترام الجميع لاعتداله وسماحته، وأنه أطلق عدة مبادرات لتقريب وجهات النظر بين أبناء الجالية الإسلامية والشعب الأيسلندي، وهي المبادرات التي نالت استحسان الجميع.

كان حديث سائق التاكسي بداية صادمة للرحلة، فهذا معناه أن القضية ليست شأنًا خاصًّا بمسلمي أيسلندا فقط، بل تحول إلى قضية عامة بسبب اهتمام الإعلام بها.

أول مسلم أيسلندي:

كانت البداية، مع سليمان التميمي، رئيس الجمعية الإسلامية بأيسلندا، وأحد أهم الشخصيات التي عايشت القضية منذ بداياتها وشهدت جميع مراحلها، خاصة أنه واحد من أوائل المسلمين الذين وصلوا إلى أيسلندا في سبعينيات القرن الماضي.

التميمي، أكد في بداية لقائه بـ"عاجل"، أن حسين الداودي، ومعه شخص آخر سعودي، كانا سببًا في إحداث فتنة بين المسلمين في أيسلندا وتقسيمهم إلى فريقين، متهمًا الداودي بالاستيلاء على قرابة 4 ملايين ريال، حصل عليها من السفارة السعودية بأيسلندا، وهي الأموال التي كان من المفترض أن يتم استخدامها في بناء مسجد كبير للمسلمين.

وحكى التميمي -ذو الأصل الفلسطيني- الذي يُعتبر من أوائل المسلمين الذين وصلوا إلى أيسلندا، قصته من البداية، قائلا إنه وصل إلى أيسلندا عام 1971 وكان عمره وقتها 16 عامًا، وكان واحدًا من بين خمسة مسلمين فقط موجودين في البلاد.

وأضاف أنه في عام 1997، كان عدد المسلمين قد ارتفع، فقرروا أن يُنشئوا جمعية لرعاية شؤونهم الدينية، فأعطتهم البلدية أرضًا بمساحة ألفي متر في مكان مميز لبناء مسجد لهم، وفي عام 2004 ظهر الداودي والداعية السعودي، وعرضا دعمهما لبناء المسجد، وفي البداية أحضر الداودي رجلا مغربيًّا لا يجيد التحدث باللغة الأيسلندية وغير متفقه في الدين، قبل أن يستبدلوه بالشيخ أحمد طه الأزهري الذي جاء من مصر.

وتابع، أن المسلمين في أيسلندا فوجئوا بأن الداودي والداعية السعودي أطلقا مجموعة إعلانات على "مواقع التواصل الاجتماعي" لجمع التبرعات بدعوى السعي لبناء "أول مسجد في أيسلندا"، بالرغم من أنه يوجد مسجد في البلاد منذ عام 1997، وبفضل هذه التبرعات التي جمعها الداودي والشخص السعودي الذي يدعمه تمكنا من شراء مسرح قديم تمهيدًا لتحويله إلى مسجد.

وبين التميمي، أنه عقب ذلك، استدعاهم السفير السعودي السابق بأيسلندا، عبدالرحمن الجديع، لبحث مسألة المسجد، وبعدما استمع للداودي والداعية السعودي، قال إنهما لن يحصلا على أي مليم من التبرع السعودي البالغ 4 ملايين ريال، قبل الاتفاق مع سلمان التميمي لبناء المسجد، وبناء على هذا اللقاء، تم توقيع اتفاق بين الأطراف، ولكن بعد فترة عاد الجديع إلى المملكة، وجاء مكانه السفير إبراهيم البراهيم الذي لم يكن على علم تام بنوايا الداودي، فقام بصرف المبلغ له هو والداعية السعودي، والمقدر بمليون و250 ألف دولار أمريكي تقريبًا، فما كان من الداودي وهذا الشخص إلا أن أخذا المبلغ، ثم بعد فترة بدأت خلافات الداودي مع الشيخ الأزهري أحمد طه، ليطلق عليه حملة في وسائل الإعلام هناك بأنه تكفيري ويحمل فكر داعش، وهي الطريقة التي لجأ إليها الداودي مع عدة أشخاص من خصومه.

وأكد التميمي أن الأزهري ليس له أي ميول أو نزعات تعصبية، وإنما هي ادعاءات كاذبة أطلقها الداودي ضده، كاشفًا أن أحد الأشخاص الذين نفذوا عمليات إرهابية ببلجيكا ثبت لاحقًا أنه كان يعمل لدى الداودي ومتعاونًا معه.

وقال التميمي إن الداودي كان سببًا في كراهية الأيسلنديين للمملكة العربية السعودية بسبب أفعاله؛ حيث اعتاد الادعاء بأنه ممثل عن السعودية، وأنه مسؤول عن المسلمين، وظهر في وسائل إعلام كثيرة مدعيًا أنه مدعوم من المملكة.

وكشف عن أنه عقب هذا الخلاف بين الداودي والشيخ الأزهري، قام الداودي بطرد الشيخ من الجمعية بهدف الاستيلاء على كامل المسجد؛ حيث إنه مسجل لصالح شركة يملكها الداودي وزوجته وسيدة أخرى نرويجية وشخص آخر سعودي، مؤكدًا أنه لا يوجد أي مسلم أيسلندي يحق له المطالبة بالمسجد، لافتًا إلى أن الشركة المالكة للمسجد هي مجرد شركة "عادية"، ما يثبت أن الداودي ومن معه "تجار دين"، بحسب قوله، حتى أنهم أصروا على إزالة اللافتة التي كانت موجودة أمام المسجد والمكتوب عليها "مسجد الرحمن"، حيث رفعوا دعوى لإزالتها مؤكدين أن المكان ليس مسجدًا وإنما ملك خاص.

وأضاف: "نتيجة لهذه الصورة، بات الأيسلنديون يقولون إذا كان المسلمون لا يستطيعون العيش معًا، فكيف لهم أن يعيشوا معنا، هذه فضيحة باسم الدين".

بين سفيرين سعوديين:

طاهر خوجة، مدير الشؤون الإسلامية السابق في السفارة السعودية بالسويد، أوضح لـ"عاجل" الواقعة ذاتها، قائلا إنه تم توقيع اتفاقية في السفارة بحضور السفير السابق عبدالرحمن الجديع، وبحضور جميع أطراف الأزمة، نصت على عدم صرف مبلغ التبرع السعودي قبل تنفيذ ما جاء في الاتفاقية لإنهاء الخلافات ووقف الصراع؛ إلا أن الداودي استغل تغيير السفير الجديع وطاقم السفارة، وسعى لصرف المبلغ الموقوف، عبر الطاقم الجديد بطريقة ما، مؤكدًا أنه ليست لديه معلومة أكيدة عن الطريقة التي تمكّن من خلالها الداودي بإقناع السفير البراهيم بصرف المبلغ.

فيما علمت "عاجل" من مصادر موثوقة، أنه في أواخر عام 2014، جاء وزير التعليم السعودي السابق عبدالله العبيد إلى السويد بصحبة الداودي ورجاله، وتوجهوا إلى السفارة السعودية، وضغطوا على السفير البراهيم لصرف المبلغ، وهو ما قد كان.

المصادر كشفت كذلك أن الداودي حصل أيضًا على دعم من رجال أعمال سعوديين يُقدر بـ3 ملايين دولار، لبناء مسجد شمال النرويج في مدينة ترومسو قبل عدة سنوات، إلا أن المسجد لم يتم بناؤه حتى الآن.

الصحفية "آنا لارا":

كانت الصحفية "آنا رالا"، من الشخصيات التي حرص فريق "عاجل" على لقائها في أيسلندا، خاصة أنها تُتابع القضية وتهتم بها منذ سنوات.

تحدثت "آنا" بشفافية قائلة، إن الشعب الأيسلندي عندما علم أن المسلمين يقومون بأداء صلواتهم بشقة صغيرة، بادرت الحكومة بمنح أبناء الجالية المسلمة قطعة أرض بموقع مميز تبلغ مساحتها أكثر من ألفي متر مربع لبناء مركز يعتني بهم، ويساعدهم في أداء الصلوات وتلقي تعاليمهم الدينية بكل سهولة ويسر.

مضيفة: "ولكن سرعان ما تغير الموضوع، وأصبح معقدًا بعد تدخل إدارة الأوقاف في السويد التي يرأسها "حسين الداودي"؛ حيث برز النزاع بعد أن قامت شركة يملكها الداودي بمخاطبة السفارة السعودية بالسويد بأوراق مزورة مدعيًا أنها مستخرجة من بلدية العاصمة الأيسلندية، طالبًا الدعم لبناء المسجد، وبالفعل حصل على مبلغ مليون و250 ألف دولار أمريكي هبة سعودية لبناء المسجد، وهو المبلغ الذي كان مجمدًا من قبل السفير السعودي السابق بأيسلندا عبدالرحمن الجديع، بعدما علم بنوايا الداودي؛ إلا أن القائم بالأعمال إبراهيم البراهيم صرفه للداودي بعدما وقع ضحية لأكاذيبه بدعم من أحد الأشخاص المقربين من البراهيم ووزير التعليم السابق عبدالله العبيد والذي استغله الداودي لإقناعه بصرف المبلغ".

آنا قامت بمتابعة القضية عقب هذه الواقعة، وتتبعت مصدر المستند الذي قدمه الداودي للسفارة السعودية؛ حيث تأكدت من عدم صحته، وتحصلت على رد رسمي يُثبت ذلك، قبل أن تُفاجأ بأن الداودي لم يبنِ المسجد أساسًا، وإنما اشترى ملهى ليليًّا قديمًا من أموال المتبرعين السعوديين، وحوله إلى مسجد مملوك لشركته الخاصة المسجلة باسمه واسم زوجته وشخص سعودي وسيدة أخرى من دولة النرويج.

وتتابع "آنا" بقولها، إن المفاجآت استمرت بعد وقوع تفجيرات بروكسل؛ حيث ظهر اسم أحد الأشخاص المتورطين فيها، والذي سبق له العمل لصالح الداودي، ليبدأ البعض في الربط بين المملكة ودعم الإرهاب، الممثل في الداودي ورجاله، نتيجة إصرار الداودي على الادعاء في الإعلام بأنه مدعوم من السعودية، في الوقت الذي يمثل فيه الداودي اللاعب الأكبر في الصراع بين المسلمين.

واستطردت آنا بأنها تعرف الكثير عن المملكة وسلامة موقفها ونيتها الرامية إلى مساعدة ونصرة الجميع، مطالبة في الوقت نفسه بأن يكون هذا الدعم منظمًا وبترتيب مع الحكومات والوزارات المسؤولة لا مع أشخاص منتفعين.

واختتمت آنا حديثها بأن كثيرًا من المسلمين في أيسلندا الذين تحدثت إليهم غاضبون بعدما تبين لهم أن الأموال التي تم التبرع بها للمسلمين جميعًا سوف تنتهي إلى حسابات "الداودي" الخاصة، لافتة إلى أن المسلمين غاضبون من الحكومة الأيسلندية والحكومة السعودية على السواء، لعدم اتخاذ أي تدابير لتصحيح هذه الفوضى، وتوجيه المال إلى الجمعيات الإسلامية الدينية الحقيقية في أيسلندا.

ما قالته آنا تأكد لـ"عاجل" من خلال الحديث مع عدد من المسلمين المقيمين في أيسلندا، والذين كرروا الكلام نفسه.

الشيخ ناصر الباكستاني:

الشيخ ناصر، باكستاني الجنسية، شهد افتتاح المسجد، وحضر الاتفاق حول المشروع، قال لـ"عاجل"، إن المسلمين كانوا على قلب رجل واحد بجميع جنسياتهم؛ إلا أن ظهور "الداودي" أثار الفتنة والشحناء بين أبناء الجالية المسلمة بعد تدخلاته السافرة بشؤونهم ومحاربة كل من لا يروق له.

وأوضح أن مسجد الوقف الذي طالما حلم به مسلمو أيسلندا واستبشروا خيرًا بعد دعم رجال الأعمال السعوديين والحكومة السعودية لإدارة الأوقاف الإسكندنافية، تحول إلى مكان يفرق ولا يجمع؛ حيث إن المسؤول الأول عن الأوقاف كان يتلاعب بالأموال لصالحه ولشركاته الخاصة.

الشاب عبدالملك (المغربي):

عبدالملك، شاب مسلم ثلاثيني، أيسلندي من أصول مغربية، بين لـ"عاجل" أن "الداودي" اعتاد اتهام معارضيه بأنهم ينتمون لتنظيم "داعش" وأنهم يعتنقون الفكر التكفيري لإثارة الرأي العام والتضييق عليهم، بمن فيهم الإمام الأزهري المكفول ماديًّا من قبل المملكة العربية السعودية، وهو ما كان سببًا في تشويه الصورة الحقيقية للمملكة.

وأضاف أن الداودي استخدم الإعلام في الترويج لأكاذيبه، وهو ما كان سببًا في التشويش الدائم على الجالية الإسلامية، والشعور بالضعف أمام قوة "الداودي" الذي اعتاد أن يسبب لهم المشاكل، ويبث الفتنة بين المسلمين.

الجالية المسلمة بالسويد:

عبر الهاتف، تمكنت "عاجل" كذلك من التواصل مع عدد من أبناء الجالية المسلمة في السويد، بحكم كونهم قريبين من الأحداث، ومطلعين على مجريات الأمور بشكل كبير في أيسلندا، وبالتحديد بين المسلمين هناك.

وأكد كل من تواصلت معه "عاجل" من أبناء الجالية المسلمة في السويد، أن الداودي وزوجته والمقربين منه اعتادوا السيطرة على التبرعات الخاصة بمجلس إدارة الأوقاف في الدول الإسكندنافية، وهي التبرعات المرسلة من قبل المملكة وكذلك من قبل الحكومات الخليجية والسويدية، كون المقر الرئيسي للإدارة يقع بمدينة" اوربرو" السويدية، وهو ما مكنهم خلال وقت قصير من تكوين ثروة طائلة.

وطالب عدد من أبناء الجالية الإسلامية بالسويد، الحكومة السعودية بالتدخل لإيقاف فساد "الداودي"، خاصة وأن المملكة تُعتبر الداعم الأول للأوقاف الإسكندنافية، وأن الداودي دائمًا ما يردد أنه مقرب من الأسرة المالكة السعودية، ويستطيع الحصول على تسهيلات للمسلمين.

وعلى الجانب الآخر من الأزمة، تواصلت "عاجل" هاتفيًّا قبل نشر التقرير الأول لتقديم بعض الاستفسارات مع شخص سعودي "يرأس مجلس إدارة إحدى الصحف المعروفة" بتوصية من "الداودي" بعد رفض الإدلاء بتصريح حول القضية، علمت بعدها أنه سافر من المملكة إلى أيسلندا، على خلفية الأزمة.

في البداية، نفى "وسيط الداودي"، المتواجد أثناء تحقيق فريق عاجل فيما يخص القضية من الأراضي الأيسلندية، أن يكون حسين الداودي حصل على أي دعم مالي من المملكة العربية السعودية، مؤكدًا أن الدعم الذي أرسلته المملكة ذهب للوقف الإسكندنافي الإسلامي الموجود بالسويد، قائلا: "على مسؤوليتي الشخصية، المملكة لم تقدم أي دعم لأي مركز في أيسلندا" وهو ما يتناقض مع ما نشر في وسائل إعلام سعودية، وأؤكد على لسان السفير السعودي البراهيم إبان زيارته "ريكافيك" وأكدته عدد من الوثائق التي تحتفظ بها "عاجل".

وحاول، في تصريحاته لـ"عاجل"، أن يبرئ ساحة الداودي من الاستيلاء على الأموال التي دفعت لبناء مسجد "الرحمن" بأيسلندا، لافتًا إلى أن "المركز الثقافي الإسلامي الذي يرأسه حسين الداودي -وكان سببًا في انقسام المسلمين إلى فرقتين- أُنشئ في وقت سابق لإرسال الدعم السعودي الحكومي، وليس لاحقًا له، وأن هذا المركز تم تأسيسه بتبرعات من شخصية سعودية وآخرين من الخليج والسويد.

وتابع "الوسيط" -الذي رفض الكشف عن صفته الرسمية أو سبب اهتمامه بدعم الداودي- أنه توجه إلى أيسلندا للتوسط بين الطرفين والجلوس إليهما لحل المشكلة وإنهائها داخليًّا، خاصة بعدما انتشرت أخبارها في وسائل الإعلام.

وبيّن أن السبب في تدخل القائم بالأعمال في السفارة السعودية باستكهولم، على خط الأزمة، لا يرجع إلى اتهام الداودي بالاستيلاء على التبرعات السعودية، وإنما راجع إلى علاقة المملكة بإمام المسجد الشيخ أحمد طه، المصري الجنسية، والذي تتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية السعودية كفالته، وذلك بعدما وجهت له اتهامات بأنه "داعشي" و"تكفيري"، مبينًا "أنه سيجلس إلى الإمام المصري، ويتحدث إليه، وإن ثبت له أنه "جهادي" سيُطالب بسحبه فورًا" (مما يعني أن مداعي الداودي التي خرج بها في الإعلام هناك غير مؤكدة بعد، رغم تأثيرها الضخم على سمعة المملكة).

كما نفى أن يكون المسجد أُغلق في وجه المصلين -رغم تأكيد أعضاء شركة الداودي ذلك ووجود الفيديوهات وتقارير الإعلام الأيسلندي- وهو ما أجبر المسلمين على الصلاة في إحدى الكنائس؛ حيث أكد "الوسيط" أن المسجد مفتوح أمام الجميع، وتقام فيه الصلوات الخمس، وأنه حرص على اللقاء بوزير الشؤون الإسلامية في المملكة لتوضيح ذلك، زاعمًا أن أحمد طه يريد أن يُجيِّش المسلمين حوله لأسباب خاصة.

"عاجل" تواجه الداودي:

بعد محاولات عدة، تمكنت "عاجل" من لقاء المتهم الأول في أزمة مسجد أيسلندا، واللاعب الرئيسي في الصراع بين المسلمين وتأجيج الفرقة بينهم، حسين الداودي.

فقد التقت "عاجل" الداودي، بصحبة المدير التنفيذي لشركته كريم العسكري، أثناء لقائهما وفدًا سعوديًّا رسميًّا يضم ممثلين من وزارة الشؤون الإسلامية، وبعض الشخصيات السعودية غير الرسمية، من بينهم "الوسيط" المذكور أعلاه، حيث جاؤوا جميعًا للتوسط في الأزمة، وإنهاء هذا الصراع الذي بات عاملا كبيرًا في تشويه صورة الإسلام والجالية المسلمة بأيسلندا، وطال المملكة العربية السعودية باتهامات باطلة.

في البداية، بدا الداودي غاضبًا ومرتبكًا، بعد العزلة التي ازدادت عليه في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع ما يلقاه خصمه في الأزمة سلمان التميمي من تأييد وحب من قبل المسلمين والشعب الأيسلندي.

تحدث الداودي بكلام إنشائي، كشف مدى ضعف موقفه، وأظهر مدى انفعاله وتوتره؛ حيث اعتبر رئيس مجلس إدارة الأوقاف الإسكندنافية، أن مغادرة الشيخ الأزهري المصري أحمد طه لشركة الوقف الأيسلندي إلى المركز الإسلامي الأيسلندي، خطوة تُغذي النزاعات، وتعقد الصراع، ولا تحل الأزمة، متهمًا الشيخ المصري بالخضوع والطاعة لمن سماهم بـ"المرتزقة" بحسب وصفه.

عندما زاد انفعال الداودي وبدأ يفقد أعصابه أثناء الحديث مع "عاجل" التي واجهته بمعلومات دقيقة لم يجد لها إجابة، تدخل الحاضرون لتهدئته، وأوضحوا له أن "عاجل" تؤدي رسالتها الصحفية، وأن فريقها قطع آلاف الكيلومترات لكشف الحقائق وسماع آراء جميع المعنيين بالأزمة وشهود العيان، فما كان من الداودي المرتبك سوى الرد بسيل من مديح المملكة العربية السعودية للهروب من صلب الموضوع، خاصةً بعدما فشل في تفسير أوجه صرف المنحة السعودية المقدرة بمليون و250 ألف دولار، والتي لا يعرف أحد غيره أين صُرفت إلى هذه اللحظة.

وفي نهاية اللقاء، خرجت "عاجل" دون أن تحصل من الداودي على معلومات واضحة أو ردود بينة حول أيٍّ من الأسئلة الشائكة التي طرحتها عليها، ليزداد يقينها بصدق الاتهامات الموجهة إليه، وبحقيقة تلاعبه بسمعة المملكة، واستيلائه على الدعم السعودي المخصص للمسلمين في أيسلندا.

من هو أسامة كريم؟

كان من اللافت خلال اللقاءات التي أجرتها "عاجل" مع مختلف الشخصيات التي قابلتها في أيسلندا، إجماعهم على العلاقة بين شخص يُدعى أسامة كريم وبين الداودي، حيث سبق لكريم أن عمل لصالح الداودي في وقت سابق، وأن هذه العلاقة كانت هي العامل الأساسي في اتهام المملكة العربية السعودية بدعم الإرهاب، في ظل ادعاءات الداودي حول علاقاته بالحكومة السعودية. ولكن من هو أسامة كريم؟.

في صباح يوم الثلاثاء (22 مارس) الماضي، شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل، سلسلة هجمات إرهابية استهدفت مطار بروكسل الدولي ومحطة مترو مالبيك، أسفرت عن وفاة أكثر من 30 شخصًا وإصابة 270 آخرين، قبل أن يُعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤوليته عن الحادث.

وبعد عمليات بحث وتحرٍّ موسعة قامت بها الشرطة البلجيكية، توصلت إلى أن هناك شخصًا اعتبرته ضمن المتهمين الرئيسيين في الحادث يدعى "أسامة كريم"، وهو سويدي من أصول سورية يبلغ من العمر 23 عامًا، حيث قالت الشرطة إنه ظهر في مترو مالبيك إلى جانب الانتحاري الذي نفذ التفجير، وظهر أيضًا في تسجيلات كاميرات المراقبة أثناء شرائه حقائب الظهر التي استخدمت في الهجمات، قبل أن تُوجه إليه اتهامات مماثلة بالمشاركة في هجمات باريس أيضًا.

لذا كان من الطبيعي، أن توجه الاتهامات إلى المملكة بدعم مثل هؤلاء الأشخاص، وهي ترى أن الأموال التي تُقدمها كتبرعات تذهب إلى بعضهم وجيوب بعض ممن يرعونهم ويستخدمونهم مثل الداودي.

حيل الداودي:

مدير جمعية المركز الثقافي الإسلامي الأيسلندي، الشيخ إبراهيم، أيسلندي من أصل ليبي، كشف لـ"عاجل" مجموعة من المفاجآت التي تثبت تورط الداودي والعاملين معه في عمليات تلاعب وفساد.

الشيخ إبراهيم أكد أن كريم العسكري، المدير التنفيذي للشركة المملوكة للداودي، وهي الشركة المالكة للمسجد، ادعى في وقت سابق أن هناك دَينًا على المقر المخصص كمسجد، وأنهم يحتاجون لإدخال أموال لأيسلندا من السفارة السعودية لسداد هذا الدين، وكان هذا بتاريخ 2014، مؤكدًا أن هذا ادعاء باطل، حيث إن الوقف قام بشراء المبنى "الملهى الليلي" وسداد كل الأموال المتعلقة به منذ عام 2012 بأموال المتبرعين السعوديين.

ولفت إلى أن الداودي زعم أن وقف أيسلندا لديه رخصة لبناء أول مكان عبادة إسلامي ومسجد في أيسلندا، وهو ادعاء زائف أيضًا بحسب الشيخ إبراهيم، لأن الوقف "شركة استثمارية" وليس لديها رخصة لبناء أي أماكن عبادة، وهو ما أثبتته وثيقة صدرت عن الدولة ومختومة من وزارة الخارجية بتاريخ (28 يونيو) الماضي، تقول إن وقف أيسلندا شركة لا تحمل رخصة دينية، وبمجرد خروج "المركز الثقافي الإسلامي" من البناء، يجب عليها سداد الضريبة العقارية كونها "شركة استثمارية"، اعتبارًا من (2 يوليو 2016).

الشيخ إبراهيم، حكى لـ"عاجل" واقعة هامة، قال فيها إن السفير إبراهيم البراهيم عندما زار أيسلندا وتفقد المركز الإسلامي، أخبره القائمون على المركز بحقيقة المزاعم التي روجها وقف أيسلندا بشأن وجود دين على مبنى المسجد، فأكد السفير أن الوفد الذي زاره برفقة وزير التعليم السعودي السابق الدكتور عبدالله العبيد، وبصحبة السعودي عبدالرحمن العقيل أمين عام وقف الرسالة، طالبوه بصرف مبلغ التبرع السعودي الموقوف من أيام السفير عبدالرحمن الجديع، لكي يستفيد منه مسلمو أيسلندا، ولم يخبروه بأن هناك دينًا على المبنى أو شيئًا من هذا القبيل.

تدخل سعودي:

ما ذكرته أعلاه كان ملخصًا لحواراتي في أيسلندا. الغريب الذي لا يمكن تفسيره أن عددًا من المصادر التي وعدتني بالتعاون معي كانت تُحجم عن ذلك في آخر لحظة، وترفض تقديم المعلومات والوثائق، وتتهرب من اللقاء بي، ولا أعرف السبب. هل هو خوف من الداودي؟ ولماذا يخافون بالضبط لو كان هذا صحيحًا؟ أم أن الداودي يستخدم أمواله لإغرائهم بعدم التعاون معي؟.

في كل الأحوال، كان جميع الذين أقابلهم في أيسلندا والسويد يطالبون بتحقيقٍ موضوعي وشامل لا يُشارك فيه مجموع مناصري الداودي من الشخصيات السعودية لحسم الموضوع، وحماية سمعة الحكومة السعودية، وعلاقتها بالمسلمين في أيسلندا والسويد. وأنا نيابة عنهم أرفع هذا الطلب لمن يهمه الأمر!.

اقرأ أيضا:

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa