مائة نصيحة ونصيحة في كتابة المقالات والمحتوى الإبداعي

فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

أماط الكاتب والمؤلف السعودي فهد عامر الأحمدي، اللثام عن مائة نصيحة ونصيحة (101)، في التأليف وكتابة المقالات.

تلك النصائح، والتي تعد نتيجة خـبرة لمعدّها فهد عامر الأحمدي تجاوزت 33 عاماً في التأليف وكتابة المقالات، غير مستقاة من أي مصدر خارجي، وتعد نماذج وإرشادات مفيدة للكتّاب والمؤلفين والمغردين وكتّاب المحتوى بمختلف تخصصاتهم.

إلا أنه قبل الشروع في قراءة هذه النصائح التي أعدها فهد عامر الأحمدي، يجب ملاحظة التالي:

الكاتب يتحدث أحياناً عن (المحتوى) وأحياناً عن (المقال) وأحياناً عن (النص)، لكن جميعها تعني ممارسة فعل الكتابة، وما نُسطره على الورق بصرف النظر عن المسمى والهدف.

هذه النصائح تهمّ بوجه خاص المبتدئين في كتابة المحتوى والراغبين في التأليف، وكل من يحاول التعبير عن رأيه في وسائل التواصل الاجتماعي (لأن الكُتاب المحترفين يمارسون معظمها بالسليقة وبشكل عفوي دون تخطيط مسبق).

لا يمكنك تطبيق كل هذه النصائح دفعة واحدة (أو ضمن نص واحد) لذا يجب الاحتفاظ بها كمرجع يرافقك على الدوام، وتعود إليها بين الحين والآخر لتقارن نصك بها، وتسأل نفسك عما طبقته ولم تطبقه منها.

نصائح تمهيدية:

1) قبل أن تتخذ قراراً بالكتابة كُـن صاحب رسالة وفِـكر وهـدف، ولا تكتب لمجرد الاستعراض أو ملء الفراغ.

2) الكتابة ليست فعلاً خارقاً للعادة، بل طريقة لإيصال أفكارك بطريقة مكتوبة وغير شفهية (كما يفعل معظم الناس)، ولهذا السبب لا تسأل أحداً "كيف أكـتب؟"، بــل اكـتب أولاً ما يجول في خاطرك، ثم اسأل الآخرين عن رأيهم في ما كتبت.

3) ولأن الكتابة (فعـل) يعـكس أفكار الكاتب، يجب أن يكون الكاتب نفسه قارئاً نَهِما، وملاحِظاً جيداً، ومتابعاً دائـماً.. يجب أن يكون مثـقـفـاً واسع الاطلاع يرتقي بحصيلته اللغوية والأدبية والعلمية فوق مستوى من يكتب لهم (لأن فاقد الشيء ــ كما نقول دائماً ــ لا يعطيه).

4) تذكر دائماً أن المقالات تأتي بثلاثة مستويات: مقالات تافهة، ومقالات مفيدة، ومقالات تغـير العقول وتشكل الآراء. تحاشَ الأولى، والتزم بالثانية، وحاول الارتفاع لمستوى الثالثة!

5) المقال إما شخصي بحت يعتمد على آراء وأفكار الكاتب، وإما موضوعي منهجي يعتمد على الخبرة والمعرفة والتحليل واستشهاد بمصادر خارجية؛ وأفضل المقالات التي تمزج بين الاثنين!

6) تعرّف على الفرق؛ فـالقصص تـنقل التجارب، والتقارير الصحفية تنقـل الأخبار، أما مقالك فـحالة شخصية تنقـل رأيـك، وفكرتـك، وموقفك، ووجهة نظرك في قضية معـينة.   

7) وحين تبدأ بالكتابة أبـرز رأيـك وشخصيتك وموقفك بقوة، ثـم امزج الجميع بأسلوبك الخاص.. دون هذا ستكون مجرد محرر صحفي (وناقل أخبار) لا يختلف عن صحفيّي وكالات الأنباء!

8) المقال المتكامل يتضمن خـبراً وتحليلاً وعنصر صدمة وموقفاً واضحاً، وجانباً إنسانياً يحرك العواطف. قد لا يتضمن مقالك كل هذه العناصر، ولكن توفر أكبر قدر منها يمنحك فرصة كتابة مقالات عظيمة بالفعل.

اقرأ مقال الكاتب (اقتصاد التقوى) وحاول اكتشاف عناصر التميز في:

العـنوان، طريقة الشرح، عنصر الصدمة، الموقف المغاير للكاتب، الجانب الإنساني الذي يتعاطف معه القارئ:

*رابط المقال:

9) علماً أن الكاتب المحترف يملك سـبع مهارات وخصال أساسية؛ هي: حصيلة لغوية كبيرة/ وثقافة عالية/ وإلمام بـالمجال/ وقدره على التحليل والاستنباط/ وأسلوب أدبي مميز/ وشجاعة في الطرح/ وقـدرة على الابتكار والخروج بـأفكار جديدة... إن لم تملك أياً من هذه السبع، ابحث عن مهنة أخرى.

10) تعرّف على أنواع الكتابة، ولاحظ مقدماً النوع الذي تبرع فيه أو يناسب موضوعاتك أكثر (سردي، موضوعي، نقدي). وغالباً ما يجنح مقالك إلى "السرد" حـين تكتب عن قصة أو حدث، و"الموضوعية" حين تناقش فكرة أو قضية، و"النـقـد" حين تُـحـلل أو تُـقـيّم شيئاً معيناً. 

 الكتابة (في نظر النقاد) تأتي بعدة أشكال، أهمها:

الكتابة السردية، والوصفية، والتفسيرية، والرمزية، والإبداعية، والموضوعية، والذاتية، والأدبية الصرفة ...إلخ.

غـير أن الكاتب المحترف يكتب بعفوية وتلقائية ويتنقل بين الأساليب الأدبية دون التفكير بوجودها. اكـتب مقالك أولاً، ثم تعرّف على أسلوبك ثانياً. افعل ذلك دائماً كي تكشف بأي أسلوب تتفوق، وأي نوع من الكتابة يناسبك أكثر.

11)  المقالات العظيمة مثل الخطب العظيمة؛ تضم قدراً كبيراً من العواطف والمشاعر. حاول كتابة مقالك كأنك خطيب عظيم (ولكن) لا يجب أن تتغلب عاطفتك على عقلانيتك، ولا حماسك على احترام القارئ لك.

12) اكـتب دائماً بلغة سهلة يفهمها معظم القراء، لأنك لا تخاطب فئة نخبوية متخصصة، وفي حال اضطررت إلى استعمال كلمات أجنبية، أو مصطلحات متخصصة اشرحها (بين قوسين).

13) ولهذا السبب أيضاً لا تكتب بلغـة نخبوية مقعـّرة (أو حتى فصيحة جداً)، لأنها قـد تشكّل حاجزاً أمام فهم القارئ العادي لمقالك. وما لم تكتب مقالاً أكاديمياً متخصصاً، تحاشَ دائماً استخدام المعادلات الرياضية والمصطلحات العـلمية والاستشهاديات المعـقّدة.

14) رغم أن رأيك عنصر أساسي في المقال، فــإن اقـتباسك لآراء (ومقولات) العظماء يقـوي رأيك الشخصي، ويمنح فكرتك أصلاً وعمقاً وأساساً قـوياً، والأمر نفسه ينطبق على الأبيات الشعرية والنصوص الأدبية والدينية.

لنفترض مثلاً أنك تكتب مقالاً عن أهمية التغـيير، في هذه الحالة يستحسن أن (تُـطعم) مقالك بـمقولات مثل:

= يقول جلال الرومي: "البارحة كنت ذكياً أسعى إلى تغيير العالم، واليوم أصبحت حكيماً أسعى لتغيير نفسي"

= ويقول مارك توين: "حـين تجد نفسك في صف الأغلبية يكون وقت التغيير قد حان "

= ويقول تعالى (( إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ))

15) وفي المقابل؛ حـاول كتابة بعض العبارات في مقالاتك كــ(مقولات جميلة) تحث الآخرين على اقـتباسها وتداولها والاستشهاد بها. أعــد صياغتها كجمله بليغة أو عبارة حكيمة بحيث تكون قصيرة ومركزة وتضم مفارقات ذكية يسهل حفظها وتداولها.

لاحظ مثلاً (آخر مقولة أدناه) بعـد اقتباسين استعان بهما كاتب من عظماء الكتّاب المعروفين:

يقول غاندي: "الفقر أسوأ أنواع العنف". ويقول الإمام علي: "لو كان الفقر رجلا لقتلته"، أما "كاتب هذا المقال" فيقول:

" أخبرني بموقفك من المال، أخبرك هل ستصبح ثرياً أم ستطارد الراتب طوال حياتك".

16) أيضاً؛ من عـوامل القوة في أي مقال، ربطه زمنياً بحدث "طـازة" أو قضية تشغل الرأي العام. ولهذا السبب يجب أن يمتلك الكاتب ميزة التفاعل السريع مع الأحداث، وقد تضطر أحياناً إلى تأجيل نشر مقالتك حتى تحين الفرصة المناسبة.

الفقرة التالية جزء من مقال نشره الكاتب بعد انتهاء منافسات كأس العالم 2022،

لاحظ كيف تمت صياغته كمقال يتماشى من حيث توقيت الحدث:

انتهت البارحة منافسات كأس العالم، وانتهى معها شهر كامل من الجنون والغفلة والمشاعر الوطنية الجـياشة...

... وبنهاية هذا الأسبوع سنكتشف أننا انشغلنا بهذا المونديال عـن الحـرب الروسية الأوكرانية، والأحداث في شمال سوريا، ومعاناة المدنيين من قـسوة الشتاء وشـح الوقـود.

17)  كيف؟ ولماذا؟ وأيـن؟ ومن المسؤول؟ أسئلة قد يطرحها الكاتب بصيغ مختلفة خلال مقاله. قــد يـبدأ بها مقدمته، وقـد يختار منها عنوانه (مثل: أيـن ذهبت خطب الرسول؟).. ورغم أن معظم الكتاب يحاولون الإجابة على الأسئلة التي يطرحونها، قــد يختار بعضهم ترك مقالته بنهاية مفتوحة كي لا يموت السؤال..

في مقال (أين ذهبت خطب الرسول؟) تساءلت أين ذهبت 52 خطبة جمعة ألقاها الرسول في المدينة المنورة خلال حياته فيها،

ولأن الموضوع شائك والإجابة مجهولة اكتفيت بإثارة القضية، وطالبت صراحةً بأن يتولى المؤرخون ورجال الدين مهمّة الإجابة على هذا السؤال، الأمر الذي ترك المقال ينبض بالحياة على وسائل التواصل الاجتماعي حتى يومنا هذا. 

إذاً؛ يمكنك ترك مقالك بنهاية مفتوحة كي لا يموت السؤال.

18) وهذا يعني أن مهمة الكاتب ليست (دائماً) تقـديم الحلول أو الإجابات، فقد يفضل (أو يضطر مكرهاً) إلى الاكتفاء بـطرح التساؤلات، وطـلب الإجابات، وخلق قضية جديدة، والتحدث بالنيابة عن الناس، وجميعها تقنيات تعتمد على خلق التساؤلات وحـثّ القارئ على التفكير والبحث عن الإجابات بنفسه.  

نـصائح قبل الكتابة:

 

19) قـبل أن تبدأ بالكتابة، حـدّد موضوعك، وهـدفك، وجمهورك، والرسالة التي ترغب في إيصالها، والنهاية التي تود الوصول إليها. صِغ فقراتك وتساؤلاتك واستشهاداتك (بل حتى عنوانك الرئيس) لخدمة الفكرة والهدف الذي من أجله كتبت المقال.

20)  المقال مجموعة أفكار تتصارع في رأسك، وكتابتها بمنزلة صوت يُـمليها عليك ويحولها إلى كلمات منثورة على الورق، ولهذا السبب لا أنصحك بإمساك القـلم قبل أن تملك فكرة متكاملة ومختمرة في رأسك منذ زمن طويل.

حين كنت أحرر زاوية يومية في صحيفة الرياض كنت أفكر بالمقال التالي قبل أيام من كتابته.. كنت أفكر بطرق عـرضه وشرحه وصياغته قـبل نومي في الليلة السابقة، لدرجة كثيراً ما أحلم به قبل استيقاظي صباحاً.

21) وكُـن على يقـين بأن قـوة مقالك تعـتمد على قـوة فكرتك وأهـمية موضوعك. وقـبل أن تكتب اعثر على فكرة مميزة، أو قضية مهمة، ثم حدد موقفك من الاثنين. حين تعثر على الفكرة المناسبة لا يبقى أمامك سوى كتابتها على الورقة.

22) لا يطغى أسلوبك على قوة فكرتك ووضوح رأيك. جمال الأسلوب وبلاغة الطرح لن يخدعا القارئ ولن يغطيا ضعف الفكرة وسذاجة الرأي، في حين أن الفكرة القوية تضمن؛ ليس فقط نجاح مقالك، بــل التغطية على أي ضعف محتمل في أسلوبك وطريقة عرضك. 

23) ولأن العثور على الفكرة القـوية هو أصعب جزء من المعادلة؛ يجب أن تنمّي في نفسك موهبة الملاحظة والتحسس لما يدور حولك، وأن تُسجل الملاحظات والأحداث والأفكار التي تُـؤسس لمقالاتك القادمة، قبل أن تتبخر في الهواء كرقم سري طارئ.

الأفكار حولنا كثيرة ولكنها مثل السمك في البحر لا يستطيع التقاطها غير الصياد المحترف، وهذا يعني أن العثور عليها لا يصعب على الكاتب المتخصص والإعلامي المحترف، فـكل موقف، وقصة، ومعلومة، وخبر قـد تشكل نواة لمقال جديد، ولهذا السبب كنت (حتى قبل اختراع الهاتف المحمول) أحمل نوتة صغيرة أدوّن فيها الأفكار التي أنوي كتابتها. لو فتحتها ستقرأ فيها كلمات مقتضبة، أو جُـمل ناقصة، المقصود منها تذكيري بالكتابة عن ذلك الشيء أو ذاك الحدث. قد تقرأ فيها مثلاً: "طفـلة بالي"، "المضيفة والراكب الإيطالي" ، "الإسعافات منهج دراسي"، "لماذا يملك البشر6000 ديانة؟"، "لماذا تحصل المطلقة في الغرب على نصف ثروة زوجها ولكنها تطالب لدينا بإعادة المهر؟".

ـــ (تمرين):

   هل يمكنك تخمين الأفكار العميقة خلف هـذه الملاحظات؟ وهل تتصور الظروف التي دفعت الكاتب إلى نشرها كمقالات؟

24) حين تريد خلق صورة قوية، خاطب كافة الحواس البشرية، فمشكلة النـص المكتوب أنه ليس شاشة موبايل؛ وتحتاج بالتالي إلى تحفيز خيال القارئ وتفعيل حاسة الشـم والسمع والبصر لـديه من خلال صور ملموسة وتشبيهات محسوسة.

ـ النص التالي من قصة قصيرة للكاتب:

لم تكن شخصية المتهم تساعد الحضور على التعاطف معه. كان له صوت يذكّرهم بصرير الأبواب، ورائحة لا تختلف عن البيض الفاسد، ولحية تبدو كمكنسة لم يتم تنظيفها من سنوات، وحين صرخ أمام كاميرات التلفزيون، شاهد الجميع ملامح كلب بوليسي غاضب.

(وجميعها تشبيهات قـوية تخلق صورة واقعية في ذهن القارئ).  

 

25) أفضل طريقة لتعلّم كتابة السيناريو والنصوص الحوارية هو قراءة القصص والروايات، راجع الحوارات التي تتم (بين طرفين) ولاحظ تـرتيب النقاشات، والقـيل والقال، وأين توضع النقطتين ((: ومتى يستخدم المؤلف قـال، ويقـول، وكيف يقول ذلك بنبرة غاضبة أو متشككة.

26) إن كنت تكتب نص (طويل) ارمِ للقارئ قطعاً ذهبية صغيرة تحفزه على مواصلة التقدم لمعرفة النهاية. لا تتأخر في تقديم الإجابات فـيملّ، ولا تتسرع في تقديم الإجابات فيتوقف عن الاستمرار.

27) أمـا إن كنت تكتب مقالاً (بنص محدود) فـاترك في بدايتـه معلومة ناقصة أو تساؤل غير مكتمل كي تأسر القارئ وتحتفظ به حتى النهاية. أجِّل الإجابة واستكمال الفكرة، ولكن قدمها في نهاية المقال كمكافأة للقارئ وإغلاقاً للموضوع. 

28) في أثناء كتابتك النص احتفظ قربك بورقة وقلم؛ لأن الإلهام سيهبط عليك ــ في أثناء الكتابة ــ وستتداعى في ذهنك الأفكار ذات العلاقة.. لا تتجاهلها معتقداً أنك ستتذكرها لاحقاً، بــل توقّف فوراً واكـتبها بورقة خارجية أو أسفل الصفحة الإلكترونية إلى حين دمجها في النص (أو ربما كتابتها في مقال مستقل). 

29) يجب أيضاً أن تلعب دور الباحث قبل وقت طويل من كتابة مقالك؛ ابحث عن المصادر والمراجع والمعلومات والأرقام التي تساند فكرتك، واستشهد بها دون تحيز كـي يصبح مقالك أكثر تخصصا ومنهجية.

حاول تـخمين آثار البحث المسبق عن المعلومة في هذا النص:

دول كثيرة في العالم لا تعاني من قــلة المياه. البرازيل وفنلندا وآيسلندا وكندا يمكن لأي منها استيعاب (كافة البشر) دون أن يتأثر مخزونها المائي. كندا وحدها تضم 20% من المياه العذبة على كوكب الأرض، وفـنلندا وآيسلندا تغطي الثلوج والبحيرات العـذبة ثـلثي مساحتهما ــ أمـا البرازيل فـتتفـوق على الجميع بفضل كميات الماء المهولة التي تقدمها روافـد الأمازون وغاباته المطيرة.

وفي المقابل هناك دول تعاني من شح خطير في المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي، مثل: قـطر، وإسرائيل، ولبنان، والأردن، وإيران، وليبيا، والكويت؛ تحتل (بالترتيب) المراكز الأولى عالمياً في شح المياه. في حين تأتي السعودية في (المركز الثامن) حيث لا أنهار ولا بحيرات ولا أمطار كافـية.

30) وإضافةً إلى الورقة والقلم افتح أيضاً الإنترنت ــ في أثـناء الكتابة ــ وكن مستعداً للبحث عن المعلومة ذات العلاقة، والمصدر الذي يـؤكد رأيك ويـؤيد فكرتك ويرفع مستوى مقالك.

31) ورغم أن أبرز ما يميز المقال هو رأي الكاتب؛ هناك حالات وفقرات يُستحسن فيها أن يخفف الكاتب من ظهوره مؤقـتاً.. في المقالات العلمية والمنهجية بالذات يفترض أن يتوارى الكاتب خلف المصادر والمراجع قـبل أن يفاجئ القارئ برأيه (في نهاية المقال).

32) غربل المراجع والمصادر واختر أكثرها قوة ومناسبة لفكرتك.. وفي حين أنها تمنح محتواك قـوة ومصداقية وأساس متين؛ قـد يتسبب سوء اختيارها في تشتيت القارئ وشعوره بعد وجود توافق بين رأيك ومصدرك.

33) إن كان موضوعك بسيطاً أو قصيراً بطبعه؛ لا تلجأ إلى الحـشو والتكرار (واللـف والدوران) لإطالته. الاستعراض اللغـوي يتسبب في خسارتك للقارئ، ومن الأفضل إلغاء أو تأجيل نشر ما كـتبت بدل ظهورك بمستوى ضعيف أو استعراضي أمام القراء.

نصائح عملية وتطبيقية:

 

34) حين تعثر على الفكرة القوية، جزّئها إلى عـدة محاور في رأسك أو على ورقة خارجية، وبهذه الطريقة تكتبها بشكل متدرج ومتصاعد ولا تنسَ أي جزء منها.

35) اختر كلماتك بعـناية، وصغ جـملك مرتين وثلاثة كي يظهر مقالك (في النهاية) أكثر بلاغة وقـوة وتركيزاً. تذكر دائماً أن فكرتك ــ مهما بلغت أهميتها ــ يمكنك دائماً إيصالها بصياغة أفضل ومرادفات أقوى ومساحة أصغر.

36) أعـطِ ــ منذ البداية ــ أراءً واضحة وحاسمة، وتحاشَ الكلمات التي تظهرك بمظهر المتردد أو غير المتأكد. في حياتك اليومية يمكنك استعمال كلمات مثل (أظن، وربما، وتقريباً، وقـد أكون مخطئاً، ولست متأكداً من...) ولكن حين تكتب، فأنت تضع نفسك في مرتبة الأستاذ الواثق من رأيه ومعلوماته ويقدم للآخرين شيئاً لا يعرفونه أو مترددين حياله.

37) قـلّل أيضاً من كلمات المبالغة والتهويل مثل خارق وعظيم ورهـيب، فهي تظهرك بمظهر المتسرع أو المخدوع أو المتحيز لـرأي معـين (والاستثناء الوحيد استخدامها في العناوين).

38) وهذا يعني ضرورة أن تكون حازماً وواضحاً (ولكن أميناً ومتوازناً) حيال ما تود التعبير عنه. ضرورة أن تكون صريحاً وواضحاً وواثقاً من موقفك وصحة رأيك، ولا تدع القارئ يخمن نواياك، أو يشعر بتحيّزك، أو يتساءل عن قصدك (فـالقارئ الحائر لن يقرأ لك مجدداً).

39) أيضاً؛ لا تـتشعّب، وحافظ على (الوحدة الموضوعية) لمقالك. تشعـبك إلى مواضيع جانبية يعـني ضياع القارئ وعـدم استمراره معك. يمكنك التشعـب في حين تؤلف كتاباً، ولكن في النصوص المحدودة يجب أن تركز على فكرة مركزية واحدة فقط..

40) وبخصوص طريقة العرض تخيل مقالك كفيلم سينمائي ناجح: يـبدأ بمقدمة مفاجئة تأسر المشاهد، ثم إيقاع ثري ومتصاعد، ينتهي بخاتمة قوية، وقفلة نهائية تعلق في الذاكرة.

41) المهمة الأساسية للعنوان هي جـذب انتباه القارئ وشـدّه لقراءة المقال، ولهذا السبب يجب أن تجرب أكبر قدر من العناوين قبل نشر المقال (ابحث عن اسم لمقالك وكأنك تبحث عن اسم لمولودك الجديد).

42) وبعـد العنوان تأتي المقدمة التي تشبه العرض المختصر الذي يقدم فكرة موجزة عن فكرة المحتوى ومـا (سوف) تناقشه في المقال. إن شبهنا العنوان بـلوحة النيون فوق المحل، ستكون المقدمة هـي (الفترينة) التي تختصر أفضل ما يوجد داخل المحل.

43) حين تبدأ مقدمتك يكون لديك 30 ثانية فقط لإقناع القارئ بالاستمرار لمعرفة النهاية، ولهذا السبب يجب أن تصيغها بطريقة قـوية ومميزة تلفت انتباه القارئ، يجب أن تبدأها بجملة آسرة وبليغة أدعوها بالجملة "الخطاف" (كونها تخطف إنفاس القارئ وتمسكه حتى النهاية)..

الجملة "الخطاف" في بداية المقال؛ قد تكون مدهشة أو صادمة أو متسائلة، ومن الأفضل أن تصاغ بطريقة تهم القارئ شخصياً؛ مثل:

o       هل تعرف لماذا سيفشل مشروعك القادم؟ (تساؤل)

o       مهما حاولت.. كن على ثقة بأنك سـتموت قبل أن... (صدمة)

o       لست وحدك من يكره الوظيفة، ولكن ماذا فعلت بهذا الخصوص؟... (تهم القارئ)

o       لـن تشعر بقـوة الجاذبية حتى تسقط ذات يـوم على أنفـك... (نكتة لغوية)

44) أيضاً من الضروري أن تتضمن المقدمة جملة أو جملتين توضح طبيعة الفكرة والموضوع، ثم جملة أو جملتين تشرح (لماذا؟) اخترت الحديث عن هذا الموضوع بالذات، وفي حال كان الموضوع يهم القارئ شخصياً، أخبره بذلك مسبقاً في المقدمة.

وللمزيد حول كتابة المقدمة ابحث في غوغل عن مقال للكاتب بعنوان: "كيف تكتب المقدمة؟":

45) ومن الخطأ أن يوحي العنوان أو المقدمة بشيء لن تناقشه في المقال، فمهما بدا العنوان جذاباً لا يجب أن يقود القارئ إلى استنتاج خاطئ أو مسبق، أو لن تناقشه في صلب الموضوع.

46) وحين تدخل في مرحلة الشرح والتفصيل والتعقيد (في منتصف المقال غالباً) استعمل جملاً قصيرة، وكلمات واضحة، وأمثلة مفهومة ــ خصوصاً حين تشرح فكرة معقدة..

47) ولأن الإنسان يتذكر بدايات ونهايات الأشياء بشكل أفضل؛ ابدأ مقدمتك وكافة فقراتك بكلمات قوية، وأنهي فقراتك وخاتمة المقال بكلمات أكثر قــوة.

48) وخاتمة المقال مهمة جداً لدرجة يمكنها أن ترفع أو تُخفض من مستوى مقالك بعدة أضعاف. يمكنها أن تجعله كـفيلم ممتاز ينتهي بخاتمة سيئة، أو فـيلم رديء ينتهي بطريقة رائعـة، ولهذا السبب يجب أن توليها اهتماماً خاصاً، وتضعها في رأسك منذ البداية، وتعيد صياغتها مرات عديدة حتى تصل لإلى أفضل نتيجة ممكنة.

49) وبعد الخاتمة تأتي القفلة النهائية (حسب تسمية المؤلف)، وهي بمنزلة تعليق ختامي قصير جـداً، ومركز جداً، ومميز فعلاً. قـد يكون ساخراً أو لاذعاً أو طريفاً (المهم فعلاً) أن يعلق في الذاكرة أطول فترة ممكنة. يمكنك تشبيهها بالجملة "الخطاف" ولكن في نهاية المقال.

ــ مثال على خاتمة أتت في نهاية مقال خاص بالعـقارات:

وتذكر دائماً أن أفضل العقارات هي التي تملك ثلاثة شروط رئيسة:

ــ   الموقع..

ــ   ثم الموقـــــع..

ــ   ثم الموقــــــــــع.

ــ مثال على خاتمة في نهاية مقال خاص بصناديق الاستثمار: 

 إذا ؛ حان الوقـت ياعزيزي للتفكير داخـل الصندوق قبل التفكير بالبحث خارجه.

ــ مثال على خاتمة في نهاية مقال عن أهمية التقاعد في سن مبكرة: 

 أمـا أصحاب الخانة الثالثة فـيحاولون تسريع نجاحهم المالي لكي يتقاعدوا مبكراً ويتفرغون لما يحبون عـمله فعلاً...
... مثـل كتابة هذا المقال أمام الشاطئ...

50) وفي أثـناء مراجعتك للمقال يمكنك أن تختار من المحتوى نفسه (الجُمل) التي يمكن ضمها إلى المقدمة أو الخاتمة أو إقفال المقال بها، حتى العنوان يمكنك اختياره من جملة مميزة أو تعبير فريــد ورد في صلب المقال.

51) أيضاً؛ جرّب نقل الفقرات، وإعـادة ترتيبها، ومحاولة ربطها بفقرة بعيدة عنها. إعادة ترتيب فقراتك (في حال احتجت لذلك) يجعل مقالك أفضل من حيث التدرج، والتناسق، والتماسك، كما ستملك فرصة حذف الفقرات المكررة والمتشابهة اختصاراً للمقال.

52) ابدأ جُـملك بالأفعال إن كنت تريد التركيز على الحدث، وابدأها أيضاً بالأسماء إن كنت تريد التركيز على البطل أو الضحية:

مثال :

ــ "اغـتصب المتهم سارة بعد أن وضع لها المنوّم في الشراب"

(جملة تبدأ بفعل، والفاعل فيها معـلوم بهدف إبراز بشاعة الفعل)..

ــ "سـارة تم اغتصابها بعـد أن وُضع لها المنوّم في الشراب".. 

(جملة تبدأ باسم، الفاعل فيها مجهول لإبراز مأساة الضحية)

53) لاحظ أيضاً (في المثال السابق) أن الأفعال المبنية للمعلوم تُـبرز الفعل وتكشف الفاعل، والأفعال المبنية للمجهول تتجاهل الفاعل ولكنها تـبرز الضحية والمفعول به.

54) ولاحظ أيضاً أن استعمال الفعل المبنى للمجهول يخدم الكاتب حين لا يـود (أو يخشى) توجيه الاتهام للآخرين، أو حين يريد الدفاع عما يصعب الدفاع عنه، أو حين يريد ايصال رسالة عامة بمعزل عن فاعلها:

ومثال ذلك عدم تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يقومون بالفعل حين يسمع ما يغضبه منهم كـقوله:

ما بالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا

ما بال أقوام يؤذونني في نسبي

فرغم معرفته بالفاعل، يتحدث بصيغة المجهول لأن إيصال الرسالة أهـم من كشف الفاعل

55)  حاول دائماً كتابة جُـمل قصيرة ورشيقة تتوالى كقاطرة طويلة بعد الجملة الرئيسة، وفي حال تضمن مقالك جملة طويلة جــداً، قـسِّمْها (وأَعِدْ صياغتها) كجملتين قصيرتين.

أثبتت الدراسات أن  النساء يعشن أطول من الرجال، وسكان الجبال أكثر من السهول، وأهل القرى أكثر من المدن، وغير المدخنين أكثر من المدخنين، والمتزوجون أطول العزاب، والنحاف أكثر من السمان، والكائنات الكبيرة أكثر من الصغيرة.. واليابانيون أكثر من أي شعب آخر.

تمرين: ميّز الجملة الأساسية التي تتوالى بعدها الجمل القصيرة كقاطرة طويلة...

56) وفي أحيان أخرى؛ قــد تكتشف ضرورة فعل العكس تماماً. قد تكتشف أن دمج جملتين قصيرتين في جملة واحدة يقوّي المعنى ويعفيك من تكرار بعض الكلمات دون فائدة (خصوصاً حين تكتب ضمن مساحة محدودة).

57) ولأن مساحة المقالات محدودة (بعدد كلمات أو عمود صغير) تحاشَ منذ البداية الإسهاب وضرب الأمثلة الطويلة، وركز فقط على رأيك الشخصي ومناقشة صلب الموضوع.

58) فرّق بين التكرار المُـتعمّد والموجّه لهدف معين (ويعد من أوجه البلاغة لدى العرب)، والتكرار العفوي غير الموجه لهدف، ويُعـد مجرد حـشو وملء فراغ، فـرغم أن التكرار يزيد مساحة المقال؛ قــد يتم اللجوء إليه لتأكيد الفكرة والتركيز عليها:

ولعل أقوى مثال على بلاغة التكرار هو تكرار آيـة (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان) 31 مرة في سورة الرحمن،

وهو تكرار مقصود ويعد من طرق التأكيد لدى العرب، حيث تعود هذه الآية دائماً إلى تذكير القارئ بنعم الله الكثيرة على الإنس والجن ، وزادها بلاغة وجودها بصيغة استفهام يستدعي موافقة القارئ وإقراره بتلك النعـم.

59) علامات التشكيل (سواء حركات الضم والفتح والكسر، أو التنوين والشد والمد والقصر) هدفها إيضاح طرق نطق بعض الكلمات وعدم الخلط بينها. ورغم أن معظم الكُـتّاب يتجاهلونها هذه الأيام، تحتاج أحياناً إلى تشكيل كلمات معينة لأهميتها أو احتمال الخلط بينها ــ مثل الفرق بين كِتـاب وكُـتّاب، وبِـركة وبَرَّكـه، وجَـملك في الصحراء، وجُمـلك في النص...

معظم الكُتّاب يتجاهلون علامات التشكيل لصعوبة تشكيل كل جملة كما يتم تشكيل آيات القرآن مثلاً.. علامات التشكيل يصعب حالياً طبعها في المطابع أو على لوحة الكمبيوتر، فـيتجاهلها الكاتب معتمداً على فهم القارئ للمعنى من سياق النص.. الاستثناء الوحيد هو النصوص القرآنية، حيث يفضل دائماً (نسخ الآية) بكامل حركات التشكيل فيها، بـدل محاولة كتابتها وتشكيلها بنفسك...

60) لا تتجاهل أيضاً علامات الترقيم (كـالنقاط والفواصل والأقواس وعلامة التعجب والتنصيص) واقرأ كثيراً عن مواضع استخدامها، فعلامات الترقيم تنظم النص، وتخبر القارئ متى يتوقف، ومتى يستمر، وما يقصده الكاتب فعلاً. دونها سيبدو نصك متشابكاً، وكلامك متداخلاً، في حين أن استعمالها بطريقة خاطئة قد يخلّ بالمعنى كاملاً:

لاحظ أدناه كيف يتغيّر المعنى بحسب موقع الفاصلة:

عـفوُنا عنه، مستحيل ينفى إلى الخارج (في هذه الجملة إقرار بالعفو واستحالة النفي)

عـفوُنا عنه مستحيل، ينفى إلى الخارج (وفي هذه الجملة استحالة العفو، وتأكيد النفي)

المثال الثاني عن تغير المعنى بحسب موضع النقطتين الرأسيتين:

ــ قال أحمد أخي: ربما ذهب إلى السوق (والكلام عنا نقلاً عن أخيه أحمد)

ــ قال أحمد: أخي ربما ذهب إلى السوق (والكلام هنا عن المتحدث، أحمد)

المثال الثالث:

أستاذ في جامعة نيويورك طلب من الطلاب والطالبات وضع علامات الترقيم المناسبة للجملة التالية:

Woman without her Husband is nothing

المرأة دون زوجها لا شيء

فعمد الطلاب الذكور إلى وضع علامات الترقيم كالتالي:

  Woman without her Husband, is nothing    المرأة بدون زَوجُها، لا شيء

أما الطالبات فوضعن علامات الترقيم كالتالي:

   nothing Woman, Without her, Husband is   المرأة، بدونها، الزوج لا شيء

61) ولأن الاستعمال الصحيح لعلامات الترقيم يعتمد كثيراً على إحساس القارئ، جرب كتابة مقالك دونها، ثـم عُــد إلى قراءته بسرعة ودع إيقاع الكلمات (يرشدك)، وتناغم الجمل (يخبرك)، أين تضعـها.

62) ورغم أهمية علامات الترقيم، احذر من استخدامها بـإفراط أو بلا داعٍ.. فرغم أهميتها إلا أن المبالغة في استعمالها قد يمنع انسياب الكلام بشكل طبيعي وسلسل. قـلّل قـدر الإمكان من (الأقواس) ــ والجمل المعترضة ــ و"علامات التنصيص" وعُـد إلى حذف ما لايحتاجه إليه النص منها.

63) اختر بعناية مفردات الترجيح التي توحي بوجود نسب معينة، فهناك مثلاً فرق بين (دائماً) التي تعني 100% (وغالباً) ما بين 80 و99% (ومعظم) بين 60 و79% (وأحياناً) بين 40 و59% (وقليلاً) بين 20 و39% (ونادراً) بين 1و 19%، بحسب تقييم المؤلف.

نصائح بعـد الكتابة:

 

64) اقـرأ مقالك كـقارئ سريع الملـل، وتجاوز كل ما تعتقد أن القارئ المستعجل سيتجاوزه (وتذكر دائماً أن أسهل ما يفعله القارئ هو توقفه عن قراءة مقالك).

65)  قـبل نشر مقالك اعرضه على أصدقائك وأفراد عائلتك واطلب رأيهم فيه. صحيح أنهم غير خبراء في كتابة المحتوى، لكنهم يمثّلون (الجمهور العريض) الذي سيقرأ مقالك بعد نشره. استمع إلى كل شخص منهم على انفراد، وركز على الملاحظات المشتركة بينهم بالذات.

أما في حال كنت تعرف كاتباً كبيراً، وتستطيع عرض أعمالك عليه قبل نشرها، فأنت بلا شك إنسان محظوظ؛ لأن نصيحة رجل خبير (ليست فقط أفضل من قراءة مائة كتاب) بل وتختصر عليك سنوات من المحاولة والتجريب والوصول لمستواه.

66) لا تقع في حـب وتـكرار بعض الكلمات أو العبارات. معظم الكتّاب يقعون في حب كلمة أو عبارة معينة فيستعملونها بإفراط، قـد لا تكون سيئة أو خاطئة، ولكنها تكرارها في كل نص يجعلها بمنزلة (لزمة لغوية) لا يلاحظها الكاتب نفسه. خـفّف ما تكرره بكثرة، وحاول استخدام بدائل جــديدة.  

عبارة (على أي حال) كنت أستعملها كثيراً قبل ختم المقال.

كذلك كنت أستعمل كثيراً عبارة (وفي النهاية) لإخبار القارئ أننا اقتربنا من نهاية المقال.

ما زلت ألجأ إليهما، لكنني خففت كثيراً من استعمالهما هذه الأيام.

67) هناك دائماً مرادفات تعطي دقـة أكبر ومعنى أقوى. ابحث في أثناء مراجعتك النهائية عن بدائل أكثر قوة ووضوحاً، واستبدلها بالكلمات (الأقـل قوة ووضوحاً) ولا تكرر كلمتين مترادفتين في نفس الجملة.

أي من الكلمات التالية ستختار في مقالك؟

 سأل أم استفسر؟.. سافر أم ارتحل؟.. ربح أم انتصر؟.. قرر أم ارتأى؟.. فهم أم عرف؟.. يشمل أم يتضمن؟.. سمع أم استمع؟...

فالمعنى متقارب، والمقصد في رأس الكاتب. دقة الاختيار تعتمد على المعنى الذي تقصده حتى لو لم يعرف القارئ الفرق، فكلمة "سمع" و"استمع" قد تُـفهما بنفس المعنى، ولكن الأولى تشير إلى سماع الصوت دون قصد، في حين تشير الثانية إلى محاولة الاستماع عمداً.

عـد لتأمّل المترادفات السابقة وحاول استشعار الفرق بين كل كلمتين، ثم استعمل كل منهما في جملة مستقلة...   

 

ــ افتح الإنترنت وتعرّف من خلال هذا الرابط على أهمية استخدام المترادفات بحسب قـوة معانيها رغم الفوراق الضئيلة بينها:

68) ولاحـظ في المقابل وجود فوارق حقيقية بين كلمات تبدو متشابهة. فمعظمنا مثلاً لا يفرق بين كلمتي جلس وقعد، وعقل وذهن، وصحة وعافية، ودولة وحكومة. ابحث دائماً عن الفوارق لأن عدم ملاحظة الفرق قـد يوقعك في خطأ يخـلّ بالمعنى والقصد (كأن تنتقـد الدولة وأنت تعني الحكومة)..

اطّلع على كتاب "الفروق اللغـوية" لأبي هلال العسكري، حيث يعطي أمثلة على الفوارق بين كلمات نظنها متشابهة، مثل: "الغضب والسخط، الفطنة والذكاء، الخطأ والغلط، الكمال والتمام، الحسن والجمال، العام والسنة".

69) والبلاغة في لغة العرب تعني إيصال المعنى بأقل قدر من الكلمات. تعني اختصار محتواك دون التضحية بـرأيك وسلامة شرحك، ولهذا السبب اختصر، ثم اختصر، ثم اختصر (وكأن ذلك شرط لنشر مقالك)، ولكن لا تختصر شيئاً من موقـفك وقـوة فكرتك.

70) والاختصار في النص يعـني: حذف الكلمات الزائدة والجمل المتشابهة، والتي لا يُخـلّ غيابها بالمعنى، يعني التخلّص من كل فقرة لا تخدم الفكرة، وكل مـثال واستشهاد يمكن الاستغناء عنه. لا تترك هذه المهمة لرئيس التحرير، لأن مقالك سيظهر ناقصاً مبتوراً.

71) ورغم أن السجع يمنح النص انسيابية كبيرة، لا أنصحك بالإكثار منه، ولا تجعل منه أسلوباً خاصاً تُعرف بـه (خصوصاً في المقالات المنهجية)، استعمله فقط حين يأتي بطبيعته ضمن جملتين أو ثلاثة دون تصنّع أو تكلّف أو إكثار، خصوصاً أنك لا تريد شغل القارئ ببلاغة النص على حساب الفكرة.

النص التالي ورد من قصة قصيرة للكاتب:

استوعب الخليفة حال القوم وفكّر بما يزيح عنه اللوم، وحين لم ينصحه أحد، وجـدها الوزير فرصة لجمع الذهب. قال يا سيدي لما لا تشتري لهم زيـراً يتقبله منك الله كـبيراً.

72) ولاحظ دائماً أن هناك فرقاً بين سرعة الكتابة وسرعة القراءة، فالكاتب قـد يكتب مقاله خلال ساعات، ينتهي منه القارئ خلال دقائق. وكي تصل إلى سرعة (تلقي القارئ) تخلَّ عن دور الكاتب واقـرأ مقالك بسرعة كبيرة (خلال دقائق) لتكتشف مواقع العقبات ونشوز النص الذي يربك القارئ أو يجعله يتوقف لفهم الجملة.

73) أيضاً اقـرأ مقالك (بطريقة خطابية مسموعة) بغرض دوزنة النص كما تُـدوزن الآلـة الموسيقية. لا تحتاج إلى كتابة قطعة نثرية جميلة، ولكن تحتاج إلى كتابة نص سلسل ومـنزلق لا يشعر معه القارئ أنه يقرأ أصلاً.

74) وكل ما سبق يمكنك تحقيقه من خلال مراجعة ما كـتبت مرتين وثلاثة (وعشرة وعشرين).. فـالهدف (من كثرة المراجعة) ليس فقط جعـل مقالك أفضل، بــل كي تتعـلم بطريقة ذاتية وتصقل موهبتك بنفسك. لا حدود لعدد مراجعاتك إن كان الهدف منها التعلّم من أخطائك، والارتقاء بمستواك، وظهور أثر ذلك في كتاباتك القادمة.

75) وفي كل مراجعة منفردة، حاول تحقيق هدف واحد فقط من الأهداف (الثمانية) التالية:      المزيد من الاختصار، وتبسيط المفردات، والوحدة الموضوعية، والتركيز على الفكرة، وسلاسة الـنص، واختيار مرادفـات أقـوى؛ وضبط علامات الترقيم، والتأكد من عدم وجود أخطاء إملائية ونحوية.

76) لا تتردد في ابتكار الكلمات والمصطلحات التي تحتاج إليها، ولا تعثر عليها في اللغة الدارجة بين الناس، فـاللغة اختراع بشري، والنص الذي تكتبه ليس قرآناً مُنزلاً، ومن مهامّ الكاتب ابتكار كلمات ومصطلحات جديدة (أو إحياء كلمات قديمة ومنسية كما فعلنا مع كلمتي دوزن ويدوزن).

وليام شيكسبير ابتكر أكثر من 2000 كلمة وتعبير دخلت اللغة الإنجليزية، من بينها العبارة الشهيرة "الحب أعمى" Love is Blind

وفي كتاب (الاقتصاد الذي يهمك) يوجد الكثير من المصلحات الاقتصادية الجديدة مثل:

مكعب المال، والجشع الحميد، وخط الرفاهية، وعقلية الشح، وقرار السينباي، والعشوائيات السعـيدة، والكتلة الحرجة للمال، واستثمار مرضاف (مركب ومضاف) وعـقـارتوني (عـقاري يستعمل منصة الكترونية) ...

77) وفي المقابل؛ تحاشَ استخدام الكلمات النمطية المستهلكة العتيقة؛ وحاول ابتكار بدائل لها. لجوؤك لاستخدام قوالب مستهلكة (مثل: الجمل سفينة الصحراء، والقناعة كنز لا يفني) ليس فقط مملاً للقارئ بــل ويُـظهرك بمظهر العاجز عن التعبير والإضافة.

والأسوأ من الكلمات المستهلكة، التهم النمطية والشتائم الجاهزة التي يستعملها البعض تحت غطاء النقد مثل (رويبضة، وألقمته حجراً، وكلامك مردود عليك)، مثل هذه العبارات لا تسيئ فقط لسمعة الكاتب، بــل تكشف للقارئ سطحية صاحبها وعجزه عن النقاش ومقارعة الحجة بالحجة!!

نصائح معـنوية وأخلاقية:

78) كن واثـقاً من رأيك ومتمكناً من فكرتك؛ فـالكاتب بمثابة معلّم في أكبر فصل دراسي يمكنك تصوره، والطلاب يريدون التأكد بسرعة من تمكنه وخبرته ومستوى ثقته بنفسه (وإلا سيتجاهلونه ويشككون في قدراته)!

79) سمعة الكاتب تتحول بسرعة إلى "ماركة تجارية"، والقرّاء "عـملاء" لا يجربون الماركة السيئة مرتين. ولأن سمعـتك أغلى ما تملك، ليس من مصلحتك أن تكذب أو تنحاز أو تبالغ أو تسرق أفكار الآخرين. وقوعك في خطأ كهذا قـد يُفقدك القارئ للأبد.

80) ولبناء سمعة حسنة، لا تكتب شيئاً تندم عليه لاحقاً، ولا تترك عواطفك تـتغـلب على حياديتك وحكمك المجرد. والسمعة الحسنة تـبدأ بكتابة محتوى يحمل قيمة وهدفاً ورسالة سامية. لتكن مهمّتك القادمة بناء سمعة حسنة وليس كتابة مقال جديد.

81) لا تتحدث من برج عاجيّ، ولا تتصرف كأستاذ يتوقع تنفيذ طلبه دون سؤال. هناك فرق كبير بين أن تفكر مع القارئ (وتشاركه الرأي) وأن تتعامل معه كطالب تطرح عليه الأوامر.

لاحظ مثلاً الفرق بين الجملتين الآتيتين؛ حيث يبدو الكاتب في الأولى ديكتاتوراً يفرض رأيه، وفي الثانية متواضعاً يشارك غيره الرأي:

وسنتابع اليوم بقـية النصائح التي يجب عليكم اتباعها ...

82) في حال استعنت بـمصدر معين اذكره بأمانة ووضوح، واجعله في متناول يد القارئ (من خلال الإشارة إليه بين قوسين). تكرار هذا الفعل يزيد القارئ ثـقه بمعلوماتك ومصادرك وآرائك بمرور الأيام.

83) وبالمثل؛ في حال استعنت بنصوص أو مقولات أو آراء تخص أشخاص آخرين، اذكـرها بأمانه (دون تحريف أو تغيير) بين علامتي تنصيص، أو كفقرة مستقلة، وتغلّب على إغـراء تحريفها ونسبتها إلى نفسك.

84) لا تستهن بذكاء القارئ، ولا تعتقد أنك أذكى ممن يقرؤون لك. لا تغـترّ بقدراتك ولا تستخفّ بقدرة القارئ على اكتشاف الحقيقة والتوصل لما توصلت إليه، قد تنجح في خداعه مرتين أو ثلاثة، ولكنك ستقع لا محالة، وحينها سيحيلك على التقاعد في وقت مبكر.

85) لا تخلط بين الانتشار والشهرة، فـالانتشار يعني تقبّل الناس أفكارك، في حين قـد تأتي الشهرة من خلال تصرفات مسيئة للسمعة. لا تغرّنك أضواء الشهرة على حساب الانتشار والسمعة الحسنة.

86) حين تملك موقفاً شجاعاً لن تسيئ إلى سمعتك حتى لو كان رأياً مختـلفاً. الكاتب الجبان، كاتب ممـل لا يثير الانتباه كونه يساير الـتيار ويتفق أصلاً مع غالبية القرّاء. في كل مرة تكتب فيها شيئاً (مخالفاً لـرأي الأغلبية) حكِّم ضميرك واسأل نفسك: هل كتبت عن قناعة؟ أم تحقيقاً لمبدأ "خالف تُعرف"؟

87) ولأن الكاتب ابن مجتمعه؛ قـد يضطر أحياناً إلى ملامسة (الخطوط الحمراء) بهدف الإصلاح والانتقاد وكشف الأخطاء. نصيحتي هي: كــن ذكياً ومتوازناً واعتمد على شعرة معاوية في تعاملك مع القرّاء (إن لم تعرف كيف، قـل فقط كلمة الحق ثم امضِ في طريقك).

من المقالات التي لامست الخطوط الحمراء، وعارضت الأفكار السائدة في المجتمع؛ إنكار الكاتب لـقدرة الجن على التلبّس في الإنسان (في مقال: من يعرف جنياً يتلبسني) ورأيه في أن البنوك الإسلامية أشد ظلماً على الفرد من البنوك التقليدية (في مقال: اقتصاد التقوى) ومطالبته بـنيل المطلقة تعويضاً يعادل فترة بقائها مع الرجل (في مقال: لماذا لا تحصل مطلقاتنا على تعويض)!؟

ـــ اقـرأ هـذه المقالات على الإنترنت، واكتشف أين خالف الكاتب مسلّمات المجتمع.     

88) استمع جيداً إلى النقاد؛ لأننا نتعلم من الانتقاد أكثر من الإشادة. قد تشعر بالغضب والإهانة من الانتقادات القاسية، ولكن مفعول الصدمة هو ما يدفعك إلى مراجعة نفسك وتقييم ما انتُـقدت لأجله. خلال 33 من التأليف وكتابة المقالات تعلمت من النقاد الغاضبين أكثر من المتابعين المهذبين.

89) تمتع بروح رياضية؛ فـمن الطبيعي أن لا يتفق معك كل الناس في كل ما تكتب. تذكّر دائماً أن لكل قصة جانبين، ما يقوله الكاتب وما يفهمه القارئ؛ وبالتالي مهما كان قصدك وغايتك (ونبل رسالتك) سيتفاوت القراء في فهم فكرتك وتقـييم كلامك وتقبّل رسالتك.

90) ولاحظ أيضاً أن معظم القرّاء لا يقيمونك على أساس هل أنت على خطأ أم صواب، بـل على أساس هل أنت متوافق معهم أم مختلف عنهم (وما تربوا عليه منذ طفولتهم). سيفعلون ذلك في كل مرة مهما بلغت صحة أدلتك وقـوة حجتك، واعترافهم بمصادرك.

91) وفي المقابل؛ هناك فرق بين النقد والتجريح، ونقـد الرسالة وحاملها. غير أن عامة الناس لا يفرّقون للأسف بين الاثنين فتوقع تجريحاً بثياب النقد، واتهاماً بدعوى النقاش. لا تعاملهم بالمثل وترفّع عن المشاحنات الشخصية واكتفِ بطريقة المصطفى e (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا).

 

نصائح عـامة:

92) لا يمكنك تطبيق كل النصائح السابقة دفعة واحدة، أو ضمن عمل واحد.. ولهذا السبب حاول تطبيق ما تستطيع منها بالتدريج، وعلى مدى طويل ومستمر. وكي لا تنساها عُـد لقراءتها والاحتكام إليها بين الحين والآخر.

93) النصائح السابقة ليست قوانين ملزمة (وقـد لا تناسب كلها أسلوبك الفريد في الكتابة)، ولكن يجب أن تتـعـرف عليها لـتتعـلم ــ على الأقـل ــ كيفية كسرها والتفوق عليها.

94) ولأن الكتابة موهبة تحتاج إلى صقل، تعلّم من نفسك من خلال مراجعة ما كـتبته قبل عامين أو ثلاثة. لاحـظ مواضع ضعفك القديمة، هل تحسنت؟ وطريقة سردك، هل تطورت؟ إن كان الجواب (لا) حاول معرفة الأسباب، أو ابحث عن عمل آخر.!

95) تعلّم أيضاً من أعمال الكتّاب والإعلاميين الكبار. حـلّل النصوص التي تقرأها في الصحف والكتب والمواقع الإخبارية، ولاحظ مكامن القوة والضعف فـيها. اقـرأ المقالات واستمع إلى التقارير الإعلامية وحاول إعادة صياغتها بطريقة أفضل.

96) ورغم أهمية التعلّم من الخبراء، حـاول اكتشاف (وربما ابتكار) أسلوبك الخاص. وإن لم تعرف كيف؛ اكـتب على سجيتك فقط (فالناس تقلل من قيمة المقلّدين حتى لو نجحوا في تقليد الآخرين).

97) كي تتعلّم بشكل أفضل اكـتب كثيراً، ثم حاول التفوق على ما كـتبته مؤخراً. لا يوجد سرّ في مهنة الكتابة، ولا يمكن لأحد أن يصنع منك كاتباً عظيماً، والكتّاب الكبار اكتشفوا أنفسهم من خلال ممارسة فعل الكتابة بشكل مكـثف ومتواصل.

98) ولأن الكُتّاب الغارقون في ثقافتهم المحلية نادراً ما يصلون إلى العالمية؛ يحتاج الكاتب (الذي يطمح للعالمية) إلى معرفة لغـة أجنبية تمنحه انتشاراً ورؤية أكثر اتساعاً، تمنحه فرصة الكتابة لجمهور مختلف، والاطلاع على ثقافات مغايرة، والارتقاء بما يكـتبه لمستوى عالمي.

99) ولو سألتني في النهاية عن أهـم ثلاث نصائح لكتابة محتوى إبداعي رائع سأقول:

راجع، وراجع، وراجع، ثم راجع قبل إرسال مقالك إلى النشر. فالهدف من (كثرة المراجعة) ليس فقط اكتشاف الأخطاء ورفع مستوى النص؛ بــل التعلّم الذاتي، والتطوير الشخصي، وجعل كتاباتك القادمة أكثر إتقاناً وإبداعاً، وجميعها مكاسب لا يوفرها أي كتاب أو تخصص جامعي.

100) أما ثاني أعظم نصيحة فهي: اختصر ثم اختصر ثم اختصر حتى لا يتبقى غير (العـظم).. بهذه الطريقة فقط تصل إلى مستوى عالٍ من البلاغة والتركيز وقوة الصياغة. الشرط الوحيد أن لا يكون اختصارك على حساب وضوح رأيك وقوة فكرتك.

101) أما النصيحة الثالثة فهي: اقـرأ ثم اقرأ ثم اقرأ كي ترفع حصيلتك الثقافية والأدبية واللغوية. اقرأ كثيراً لتحسين أسلوبك في الكتابة، واكـتب كثيراً لتحسين طريقتك في التفكير والتحليل واكتشاف الحقيقة.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa