بينما تراجعت أسعار النفط العالمية خلال الأسبوع الماضي، يتفق الجميع تقريبًا على حاجة العالم إلى زيادة إمدادات النفط الخام في الأسواق لتلبية الطلب المتزايد في ظل التعافي الاقتصادي من تداعيات جائحة فيروس كورونا.
وفي حين يتفق الجميع تقريبًا على ضرورة سماح دول تجمع أوبك بلس المنتجة للنفط بزيادة إنتاجها لتحقيق التوازن في السوق خلال الشهور المقبلة، فإن التوافق بين الدول أقل بشأن الكمية الإضافية التي يمكن ضخها في الأسواق.
وتتفق وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك على أن الطلب العالمي على النفط سيواصل النمو حتى نهاية العام المقبل على الأقل، وفقًا لوكالة الأنباء الألمانية.
كما ترى المؤسسات الثلاث أن الاستهلاك العالمي للنفط سيتجاوز بنهاية العام المقبل مستوياته في 2019 قبل تفشي جائحة كورونا ثم يواصل الارتفاع.
ولكن هناك خلاف حول المسار الذي سيمضي فيه الاستهلاك حتى يصل إلى هذه النقطة بحسب جوليان لي الخبير الاقتصادي المتخصص في أسواق النفط.
وقال نقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تعد الأكثر تفاؤلًا بشأن المستقبل بين المؤسسات الثلاث.
وعلى عكس كل من وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك، لا تتوقع إدارة معلومات الطاقة تراجعًا موسميًا كبيرًا في بداية العام المقبل، في ضوء استمرار التعافي الاقتصادي بما يعوض أي تأثير سلبي للمتغيرات الموسمية التي عادة ما تدفع أسعار النفط إلى التراجع في النصف الأول من أي عام.
لذلك ترى الإدارة الأمريكية الحكومية أن الطلب العالمي على النفط سيعود إلى مستويات ما قبل الجائحة خلال الربع الثاني من العام المقبل.
في المقابل تتوقع أوبك الوصول إلى هذا المستوى خلال الربع الثالث من العام المقبل، ولكن وكالة الطاقة الدولية تتبنى نظرة أكثر حذرًا، وترى أن وصول الطلب إلى هذا المستوى لن يحدث قبل الربع الأخير من العام المقبل.
في الوقت نفسه ترى المؤسسات الثلاث أن معدل نمو الطلب على النفط سيتراجع إلى مستويات ما قبل الجائحة، مع تلاشي تأثير التراجع الكبير في الطلب خلال العام الماضي بسبب جائحة كورونا وهو ما ينعكس على أرقام المقارنات السنوية حاليًا.
ولا تتوقع أي من المؤسسات وصول الطلب على النفط إلى الذروة على أساس عالمي، ولكن وكالة الطاقة الدولية ترى أن الاستهلاك في الدول المتقدمة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سيقل خلال الربع الأخير من العام المقبل عن مستوياته قبل عام، حيث ستكون أوروبا أول منطقة تسجل هذا التراجع.
ولكن جوليان لي الذي عمل في وقت سابق كبير محللين في مركز دراسات الطاقة العالمية ، يرى أن عودة معدلات نمو الطلب على النفط إلى مستوياتها الطبيعية لا يعني عودة أسواق النفط إلى حالة التوازن، البعيدة عنها حاليًا. وبعد أن نجحت دول "أوبك بلس" في الالتزام القوي بحصص الإنتاج المقررة خلال المرحلة الأولى من التعافي الاقتصادي، فإنها تحتاج إلى إظهار نفس القدر من التماسك في المرحلة التالية.
وحتى الآن يتعين على التجمع الذي يضم 23 دولة نفطية بقيادة كل من السعودية وروسيا، التعامل مع التعافي الاقتصادي الذي جاء أبطأ مما كان متوقعا عند اتفاقها في نيسان/أبريل 2020 على خفض الإنتاج بشدة، وهو ما استلزم منها تأجيل السماح بضخ كميات إضافية إلى الأسواق، وتطوع السعودية بخفض إنتاجها بنحو مليون برميل يوميًا قبل شهور.
وكان الاتفاق الأصلي بين دول أوبك بلس يستبعد أي زيادات في الإنتاج حتى نهاية هذا الاتفاق بنهاية أبريل 2022 لكن هذا الموقف سيؤدي إلى نقص شديد في إمدادات الخام بالعالم مع تآكل أغلب المخزونات الضخمة التي كونتها الدول المستهلكة خلال فترة انهيار الاستهلاك في ذروة جائحة كورونا في العام الماضي.
وخلال اجتماع أوبك بلس بداية الشهر الحالي، تعثر تمرير اتفاق على زيادة تدريجية للإنتاج اعتبارا من أغسطس المقبل، عندما اعترضت الإمارات العربية المتحدة على اقتراح سعودي بتمديد الاتفاق حتى نهاية العام المقبل، حيث طلبت أبو ظبي رفع رقم الأساس لإنتاجها والذي على أساسه سيتم حساب حصة كل دولة من الزيادة المنتظرة في الإنتاج. ولكن العالم يحتاج إلى مزيد من نفط دول أوبك بلس خلال الـ 18 شهرًا المقبلة بحسب جوليان لي.
وتقول التقارير الاقتصادية إن إنتاج دول أوبك بلس حاليًا يقل بنحو مليوني برميل يوميًا عن المستويات المطلوبة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق العالمية خلال الربع الحالي من العام. وسيزيد هذا العجز إلى ثلاثة ملايين برميل يوميًا خلال الربع الأخير من العام الحالي إذا ظل إنتاج أوبك بلس عند مستوياته الحالي.
كما تتفق وكالة الطاقة الدولية وأوبك وإدارة معلومات الطاقة على أن العالم سيحتاج إلى ما بين 4 و5 ملايين برميل يوميًا إضافية من دول أوبك بلس خلال النصف الثاني من العام المقبل مقارنة بمستوى إنتاج التجمع خلال يونيو الماضي.
أخيرًا، فإنه لا جدال في الحاجة إلى زيادة إنتاج دول أوبك بلس، لكن الخلاف حاضر بوضوح بشأن حجم الزيادة المطلوبة، وفقًا لوجهة النظر التي يمكن تبنيها، سواء كان وجهة نظر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية المتفائلة بشأن استمرار نمو الطلب، أو وجهة نظر وكالة الطاقة الدولية وأوبك الأشد حذرًا.
ولكن يظل العجز في الإمدادات خلال الأشهر الستة المقبلة يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين برميل يوميًا. وهذا يتطلب إدارة رشيدة للإمدادات من جانب تجمع الدول المنتجة للنفط.
اقرأ أيضًا: