محطات من رحلة كفاح الملك المؤسس في ذكرى توحيد المملكة

امتدت على مدار 32 عامًا
محطات من رحلة كفاح الملك المؤسس في ذكرى توحيد المملكة

تحتفي السعودية قيادة وشعبًا، باليوم الوطني الـ90، ذلك اليوم التاريخي الذي أعلن فيه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود توحيد المملكة تحت راية »لا إله إلا الله محمد رسول الله«، وأُطلق اسم (المملكة العربية السعودية) عليها في 19 من جمادى الأولى من سنة 1351هـ بعد جهاد استمر 32 عامًا، أرسى خلالها قواعد هذا البنيان على هدى كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - سائرًا في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود.

زيستذكر السعوديون 23 سبتمبر من كل عام يومًا مجيدًا أضحى فيه الإنسان السعودي شامخًا يعتز بدينه ووطنيته تحت ظل حكومة راشدة ارتأته ووضعته أول أهدافها نحو تطويره وتمكينه ليرتقي بين شعوب العالم بكل فخر وعزة، حاملاً لقب »المواطن السعودي«، ويستحضرون هذه المناسبة وهم يعيشون اليوم واقعًا جديداً حافلاً بالمشروعات التنموية الضخمة التي تقف شاهدًا على تقدم ورقي المملكة أسوة بمصاف الدول المتقدمة خاصة مع روية المملكة 2030.

وارتسمت على أرض المملكة العربية السعودية ملحمة تمكن فيها الملك عبدالعزيز من جمع قلوب أبناء وطنه لإرساء قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ قادته لنشر العدل والأمن ممضيًا من أجل ذلك سنين عمره.

ويرصد التقرير التالي محطات رحلة كفاح الملك المؤسس لتوحيد أراضي المملكة وجوانب من شخصيته الفريدة:

مولد الملك المؤسس

ولد الملك المؤسس في مدينة الرياض عام 1293هـ بحسب ما ورد في مجلد طبعته دارة الملك عبدالعزيز عن سيرة وشخصية الملك عبدالعزيز ومراحل بناء الدولة السعودية الثالثة، وخضعت الرياض لحكم الدولة السعودية الأولى والثانية، ثم عادت لحكم الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1319هـ.

تأثرت شخصية الملك عبدالعزيز بشخصية والده الإمام عبدالرحمن الفيصل حيث كان أبًا وُمعلمًا وأخًا وصديقًا لابنه، فضلاً عن شخصية والدته الأميرة سارة السديري التي كانت من أكمل النساء عقلاً وتدبيرًا، وكان محبًا لإخوته (خالد، فيصل، فهد، محمد ونورة)، لكن علاقته بالأميرة نورة -رحمها الله- كانت أكثر حميمية، واحتلت مكانة كبيرة في نفسه -رحمه الله- حتى أنه ينتخي بها بالقول: "أنا أخو نورة أنا أخو الأنوار"، ويحرص على زيارتها يوميًا في منزلها.

وللملك عبدالعزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، وفي المقابل كانت له صورة باسمة مشرقة بأسارير متهلّلة بما عُرف عنه - رحمه الله - من لين الجانب والتواضع والمرح، وعدم تكلّفه في الحديث مع أبناء شعبه ورعيته، فضلا عن كرمه وسخائه مع الجميع، فلم يكن ملكًا فقط، بل كان رب أسرة ومحبًا للجميع، ورجلاً قدوة في أفعاله وسلوكياته.

أبهرت شخصية المؤسس الكثير من المفكرين والمؤرخين في العالم، ومر بأحداث ومحطات متعددة في حياته كانت مؤثرة في بناء شخصيته الفذّة - رحمه الله - خاصة منذ أن بلغ سن 15، لكن هذه الأحداث أسهمت في صقل شخصيته حيث تعلّم منها الصبر والقوة والإقدام.

الحدث الأصعب في حياة الملك المؤسس

عدّ المؤرخون خروج الملك عبدالعزيز، مع والده الإمام عبدالرحمن – رحمهما الله – وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الحدث الأصعب في حياته، وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة »يبرين« في الأحساء ثم البحرين إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات ظل فيها الملك عبدالعزيز معلق القلب بالرياض، و »يبرين« - التي اتخذها الملك المؤسس مقرًا له لتنفيذ خطته في إعادة الرياض - تعد واحًة من واحات الأحساء بمحاذاة رمال الربع الخالي من الشمال.

وعندما بلغ الملك عبدالعزيز سن العشرين من عمره وهو في الكويت توجه في الخامس من شهر رمضان عام 1319هـ إلى الرياض في رحلة بطولية قاد مسيرتها بصحبة رجاله ليتمكنوا بفضل الله تعالى من اختراق جوف الصحراء التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحارة، صائمين رمضان لربهم، قبل أن يأتي عليهم يوم العيد وهم في موقع يطلق عليه »أبو جفان«.

»ضلع الشقيب«.. بطولة على مشارف الرياض

وفي اليوم الرابع من شهر شوال من عام 1319هـ وصل الملك عبدالعزيز ورجاله إلى "ضلع الشقيب" الذي يبعد عن مدينة الرياض نحو ساعة ونصف مشيًا على الأقدام، ومن الضلع تقدموا إلى الرياض التي دخلها الملك عبدالعزيز بذكاء القائد المحنك وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عملية بطولية حامية الوطيس لم تدم طويلًا، طوى خلالها الملك عبدالعزيز زمن العهد الغابر في الرياض، معلنًا بداية العهد الزاهر في نجد بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإمامًا لأهلها، وذلك عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض، فدبّ الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو الازدهار الحضاري.

وتمكن الملك عبدالعزيز عبر رحلة طويلة أضناه فيها طول المشي والتفكير من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح بمحبة الناس ملكًا لدولة سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبحت لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.

مرسوم ملكي.. المملكة العربية السعودية

واهتم الملك عبدالعزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق الأول من برج الميزان 23 سبتمبر 1932م.

ووجه الملك عبدالعزيز عند بداية تنظيم الدولة بالاهتمام بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلا عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة، بيد أن هذه الجهود كانت تتطلب توفير المال لتنفيذها.

وتماشيًا مع الرغبة في النهوض بالبلاد، بدأت في خريف عام 1933م عمليات التنقيب عن النفط في بعض أراضي المملكة، لكن مضت 4 أعوام عجاف لم تثمر أعمالها عن الوصول إلى نتيجة إيجابية مرضية لاكتشاف مكامن النفط، إلى أن قرّر الخبراء التنقيب حول بئر ماء في منطقة تسمى "عين جت" كان الملك عبدالعزيز قد توقّف عندها عام 1319هـ في طريقه من الكويت إلى الرياض، فكانت المفاجأة وجود النفط على عمق 5 آلاف قدم تحت الأرض.

وفي عام 1939م ضخ النفط أول بشائره في احتفال شهده الملك عبدالعزيز، ليستهل بعدها مشروعات الدولة التي خطط لها.

دبلوماسية رفيعة المستوى

وكان اهتمام الملك عبدالعزيز بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي، حيث كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى آخذًا بعين الاعتبار استقلال المملكة برأيها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية وهو ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، وأصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.

وفي شهر محرم من عام 1373هـ ترجل الفارس الملك عبدالعزيز عن صهوة جواده بعد أن اشتد عليه المرض أثناء إقامته في الطائف.

وفي فجر الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م فاضت روحه إلى بارئها، تُوفي بعد أن سار في رحلة طويلة عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة أسّست على التوحيد لتظل -ولله الحمد- في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر، وُوري جثمان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في مقبرة العود وسط مدينة الرياض.

اقرأ أيضًا:

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa