أكّدَ المشاركون في ندوة «تاريخنا الثريّ ومجدنا الأبيّ»، التي نظمتها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، مساء أمس الإثنين؛ بمناسبة احتفالية المكتبة باليوم الوطني 91 على أن الملك عبدالعزيز آل سعود قد قام بجهود جبارة في سبيل توحيد المملكة العربية السعودية.
وأوضح المشاركون، أن توحيد السعودية، استغرق ذلك مرحلتين بدأت أولاهما مع فتح الرياض في الخامس من شوال 1319هـ وبدأت الثانية بعد إعلان توحيد المملكة تحت اسم: المملكة العربية السعودية في الثالث والعشرين من سبتمبر 1932م؛ حيث استهل هذا التوحيد بملاحم التوحيد ثم تبعتها جهود البناء والتطوير.
وكانت الندوة التي شارك فيها عدد من المختصين البارزين في التاريخ السعودي وتاريخ شبه الجزيرة العربية، وهم: د. عبدالله المطوع، ود. بندر العصيمي، ود. فاطمة القحطاني، استهلت بتقديم من عبدالله المنيف مدير الندوة حول أهمية قراءة التاريخ السعودي ودراسته من مختلف جوانبه، والتعريف ببعض مؤلفات الدكتور عبدالله المطوع.
وقال المطوع، إن الاحتفال باليوم الوطني الحادي والتسعين مناسبة وطنية محفزة لقراءة التاريخ، وأن تأسيس الدولة السعودية يمتد إلى قبل ( 276) عام على يد الإمام محمد بن سعود، مشيرًا إلى أن المملكة سوف تحتفي باليوم الوطني المئوي بعد مرور ثمانية أعوام من الآن، ودعا إلى الاستعداد لهذا اليوم.
وأوضح المطوع الذي استعرض مراحل التاريخ السعودي وخطوات توحيد مناطق المملكة، أن الأمم تنتقي يومًا له دلالة تاريخية محددة وتسميه يوم الاستقلال، أو العيد الوطني، أو يوم الجلاء وهكذا، وتختلف المسميات وبعضها يحمل طابعًا ثقافيًا. ورأى أن الدولة السعودية لم تكتمل أطرافها بين ليلة وضحاها، وأنها استغرقت مراحل متعددة من الدولة السعودية الأولى والثانية حتى الدولة المعاصرة التي استغرقت نحو (32) عامًا في تأسيسها وتوحيدها ثم بدأت مرحلة البناء.
وفي ورقة بعنوان: الملك سلمان بن عبدالعزيز مؤرخًا للوطن، تحدث الدكتور بندر العصيمي عن نشأة الملك سلمان وحبه للتاريخ ودراسته له، وتميزه، حفظه الله، بمعرفة نسب القبائل في المملكة؛ حيث قرأ المناهج الدراسية واطلع على عدد كبير من المجلات القديمة منها مجلة الهلال المصرية التي كانت من أوائل قراءاته، وقد كان يكثر من قراءاته في تاريخ الشعوب والأمم، وقد سعى لتأسيس مكتبة خاصة تضم (60) ألف مجلد في (18) ألف عنوان، وكان مهتمًا بالقراءة في التاريخ الإسلامي.
وأضاف الدكتور العصيمي أن اهتمام الملك سلمان بالتاريخ كان ملهمًا لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ حيث دفعه ذلك للاهتمام بالتراث والآثار والحضارات العربية قبل الإسلام وبعده، كما دفعه لإطلاق رؤية 2030، وما تحويه من مضامين عن الاهتمام بالتاريخ والتراث، كذلك عنايته، أيده الله، بترميم المدن التاريخية والأماكن الأثرية.
وأشار الدكتور العصيمي إلى أن العناية بتدريس التاريخ في الجامعات السعودية كان بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كذلك اهتم، حفظه الله، بالمكتبات الوطنية، والدراسات التاريخية، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعتين، وقد كُتب عن سيرته الشخصية والعلمية واهتمامه بالتاريخ الكثير من الكتب، ويعد الملك سلمان المؤرخ الأول في بلادنا، ومصادره التاريخية كانت عبر الرواية الشفوية؛ حيث يقوم بنقل بعض الروايات الشفوية عن والده الملك المؤسس أو عن مستشاريه؛ حيث كان يملك الكثير من المعلومات عن تاريخ الوطن، وكان يعشق القراءة ويتابع الإصدارات الجديدة ولديه، أيده الله، عدد كبير من الكتب التاريخية والمخطوطات والوثائق؛ حيث يبلغ عدد الوثائق وحدها في مكتبته مليون وثيقة، كذلك تأريخه لمدينة الرياض التي كانت بلدة صغيرة، وأصبحت اليوم مدينة كبرى من أكبر مدن العالم.
ورصد الدكتور العصيمي العوامل التي شكلت الرؤية التاريخية للملك سلمان كمؤرخ، ورآها في ثلاثة عوامل تتمثل في: تأثره بشخصية والده الملك عبدالعزيز آل سعود، وحبه للقراءة؛ حيث شكلت المطالعة رافدًا معرفيًا مهماً، ورمزية المكان ما بين قصر الحكم والمصمك حيث كان الملك سلمان أميرا للرياض لمدة 55 عاما، فارتبط وجدانه بالتاريخ وهذا عامل من أهم العوامل، وقد كان ينشر بعض التعليقات والتعقيبات في الصحف فيما يتعلق بتاريخ المملكة، كما ألقى مجموعة من المحاضرات عن التاريخ السعودي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، خاصة محاضرته عن: الاعتدال عند الملك عبدالعزيز واعتداله في سياسته الخارجية؛ حيث أصبحت المملكة مع الأمن والاستقرار واحة سلام كبيرة تمد يدها لكل دول العالم بكل فخر واعتزاز.
وتحدثت الدكتورة فاطمة القحطاني عن دور الأمير محمد بن سلمان في العناية بالتاريخ والتراث، ورأت أن الملك سلمان هو أبوالتاريخيين في المملكة، وأن ما يقوم به سمو ولي العهد هو امتداد لما قام به والده الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ حيث يقوم بمبادرات دائمة للحفاظ على تاريخ المملكة وتراثها.
وأوضحت الدكتورة فاطمة أن لدى سمو ولي العهد إدراك تام بمكانة المملكة وتبرز مقابلاته الإعلامية هذه المكانة التاريخية ، وعلاقة سموه بالتاريخ.
وأشارت إلى أن هناك محورًا في رؤية 2030 يتضمن الإشارة إلى التراث والآثار بالمملكة ويدعم سموه كذلك جائزة التراث الوطني والمشاريع والفعاليات التراثية ووضع استراتيجية شاملة للتراث، كما أولى سموه الاهتمام بالتاريخ في المحافل الدولية عبر استضافة المملكة لقمة مجموعة العشرين ، كما قام الأمير محمد بن سلمان بالتوجيه لتطوير المدن التاريخية مثل مشروع جدة التاريخية، ومشروع تطوير المساجد التاريخية التي تتضمن تطوير (130) مسجدًا تاريخيًا، وترميم المباني التراثية في وسط الرياض، وتشمل قصورًا تاريخية، وإعادة منطقة (العلا) لواجهة التراث العالمي، وكذلك مشروع بوابة الدرعية وهو أكبر مشروع تراثي في العالم، ووجه بإقامة مشاريع كبرى خاصة بالتراث والعمران باعتبارهما من عوامل الجذب السياحي.
من جهته عقب المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة فيصل بن عبدالرحمن بن معمر بعد توجيهه الشكر للمشاركين الذين استعرضوا تاريخ الدولة السعودية بمختلف مراحلها واستعراض الرؤية التاريخية لدى الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد، عقب بالقول: إن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة شرفت بحمل اسم الملك عبدالعزيز الملك المؤسس، مضيفًا أن جيلنا ارتبط بالتاريخ الشفهي، وتأثر بالتاريخ الشفهي أكثر من الكتب، وتأثر بروايات الآباء والأجداد، وعلينا مسؤولية التأثير في الجيل الجديد ليعرف قيمة هذه الوحدة خاصة ما قام به الملك المؤسس رحمه الله.
وقال ابن معمر: علينا أن نحوّل هذا التاريخ الثري إلى الجيل الجديد بشكل يسير من مبدأ: الارتباط بالأصل والاتصال بالعصر، وقد تحققت إنجازات كثيرة في فترة وجيزة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، في مجالات متعددة، كما تبين رؤية 2030.
واختتم ابن معمر بالقول: هذا اليوم الوطني فخر أن نتذكره ونرويه للآخرين وأن نوجه الرسائل لأبنائنا والجيل الحالي وجيل المستقبل للتذكير بالأسس والقيم والمبادىء التي قام عليها بناء الوطن من وحدة وتوحيد ونوجه ذلك لأبنائنا وللباحثين عن الحقيقة.
وتحدث الدكتور عبدالكريم الزيد، نائب المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، معقبًا على مسألة تدريس التاريخ الوطني في المدارس العالمية والدارسين بالخارج، وأكد أنه لا بد من العمل على إيصال هذه الملحمة التاريخية للأجيال الجديدة، وأوضح أن المكتبة تقوم بذلك عبر مكتبات الأطفال وثقافة الطفل ونشر قصص تُحاكي تاريخ الوطن وقد تم توزيعها على مختلف المدارس. كما قامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بتأليف ونشر أول موسوعة عن الملك عبدالعزيز، مشيرًا إلى أن ما قام به الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في التعاون الدولي وكيفية أن تحظى المملكة بالاعتراف الدولي يعد في حد ذاته مدرسة يجب أن يتم نقلها إلى الأجيال القادمة.