العساف في قبرص وتركيا مستنفرة.. «ضربة بين العينين» بصاروخ دبلوماسي

ردود الفعل أكدت مكانة المملكة وتأثيرها
العساف في قبرص وتركيا مستنفرة.. «ضربة بين العينين» بصاروخ دبلوماسي

وصفها البعض بـ«ضربة بين العينين»، ورآها آخرون «رسالة بتأثير القنابل»، فيما قالت وسائل إعلام غربية إنها دليل على أن الرياض تملك دائمًا خيارات تمكنها من تعزيز مكانتها الدولية، دون التخلي عن هدوئها الدبلوماسي المعتاد.

أكثر من ذلك، أحدثته زيارة وزير الخارجية إبراهيم العساف إلى قبرص، والتي حظيت بتفاعل شعبي كبير، باعتبارها رسالة جديدة للعالم، بأن المملكة لن تتوقف عن سياستها لتعزيز دورها الإقليمي، من خلال توسيع دوائر حركتها، وتنويع أدواتها السياسية والاقتصادية، دون النظر إلى من يسعون لجرها إلى دروب مظلمة احترفوا العيش فيها.

وبتقدير المتابعين، لم تكن الحفاوة التي حظي بها الوزير العساف من جانب كبار المسؤولين القبارصة، سوى تأكيد على الاحترام الكبير الذي تحظى به السياسة السعودية في سعيها لتعزيز التعاون العالمي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية في مختلف القضايا الدولية، بما في ذلك الأزمة القبرصية، التي تمثل صداعًا مستمرًا منذ أكثر من 50 عامًا؛ بسبب إصرار تركيا على النيل من وحدة الجزيرة المتوسطية وسيادتها.

وخلال زيارته، وهي الأولى لوزير خارجية سعودي إلى نيقوسيا، أكد العساف للمسؤولين القبارصة، الذين التقوه بترحاب يدل على تقديرهم الخاص للسياسة السعودية، على دعم المملكة لسيادة قبرص، ودعمها القوي للقرارات الدولية، فضلًا عن حرصها على تطوير العلاقة بين البلدين.

وزاد من أهمية زيارة الوزير العساف أنها جاءت بعد أسبوع واحد من تعيين المملكة أول سفير لها لدى قبرص، فاتحة بذلك الباب للتعاون في العديد من المجالات والقضايا، ذات الاهتمام المشترك، خاصة على صعيد تنسيق المواقف السياسية في مواجهة السياسات غير المسؤولة لبعض الأطراف الراغبة في تصدير مشاكلها الداخلية عبر افتعال أزمات خارجية.

وأظهرت لقاءات العساف مع نظيره القبرصي نيكوس خريستودوليديس، والرئيس نيكوس أناستاسياديس ورئيس مجلس النواب ديمتريس سيلوريس، التطور الكبير الذي تشهده العلاقة بين البلدين، وحرصهما على بناء سياسة مشتركة تدعم الاستقرار الإقليمي، وتعز فرص التعاون بين العالم العربي من جهة والاتحاد الأوروبي.

ووفق وكالة الأنباء القبرصية، حملت زيارة العساف دلالات كبيرة فيما يتعلق بالتعاون بين البلدين، مشيرة إلى أن الرياض أكدت تأييدها لسيادة قبرص وقرارات الأمم المتحدة بشأن المشكلة القبرصية، ونأمل في أن يتوصل الجانبان إلى حل سلمي للمشكلة القبرصية، مشيرة إلى اهتمام المملكة الكبير بتطوير العلاقات القبرصية السعودية في جميع النواحي.

ومعلوم أن جيرة قبرص تعرضت للتقسيم عام 1974، عندما قامت القوات التركية بغزو واحتلال الثلث الشمالي للجزيرة، دون اعتبار لقرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى انسحابها واحترام وحدة أراضي جمهورية قبرص وسيادتها.

وعلى مدار أكثر من 50 عامًا فشلت جولات متكررة من محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة في تحقيق نتائج إيجابية، في ظل تشبث الجانب التركي بمواقفه.

وكانت الجولة الأخيرة من المفاوضات قد انتهت في صيف عام 2017 في منتجع كران مونتانا السويسري دون التوصل إلى حل، لتبدأ نقرة بعدها محاولات التصعيد، وصولًا إلى إعلانها في الرابع من مايو الماضي عزمها بدء التنقيب قبالة سواحل قبرص؛ ما تسبب بغضب دول شرق المتوسط، لا سيما مصر صاحبة السيادة البحرية في هذه المنطقة.

وردًا على ذلك، أقر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 15 يوليو 2019 تدابير متعلقة بالتنقيب غير القانوني الذي تقوم به تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. وبناء على القرارات التي اصدرها المجلس الأوروبي في 20 يونيو 2019، دعا وزراء الخارجية أيضًا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والمفوضية الأوروبية إلى مواصلة العمل حول الخيارات لاتخاذ اجراءات معينة على ضوء أنشطة الحفر المستمرة التي تقوم بها تركيا في شرق البحر المتوسط.

 وقالت وكالة الأنباء القبرصية، إن الوزير القبرصي أطلع العساف على آخر التطورات المتعلقة بهذه القضية، معربًا عن تقدير بلاده الصادق لموقف المملكة العربية السعودية «في دعم جهودنا للتوصل إلى حل عادل وقابل للتطبيق وشامل للمشكلة القبرصية ولإعادة توحيد بلدنا».

 وأضاف: «إذا وضعنا في الاعتبار التطورات الأخيرة في منطقتنا الاقتصادية الخالصة، وبالأخص الأنشطة غير القانونية والسلوك العدواني لتركيا، فإن تضامن ودعم دولة مثل المملكة العربية السعودية أمر بديهي».

وتابع قائلًا: «لقد اتفقنا على أننا بحاجة إلى العمل سويًّا لتعزيز التواصل بين شعبينا والتركيز على قطاعي السياحة والاستثمار». وفي هذا السياق، نحن على استعداد للمضي قدمًا في تسهيل منتديات ثنائية لرجال الأعمال في بلدينا في إطار برنامج الدبلوماسية الاقتصادية.

 وقال خريستودوليديس: إنهما ناقشا بإسهاب التحديات الأكثر جدية وإلحاحًا في منطقتنا، مثل عملية السلام في الشرق الأوسط وسوريا وإيران واليمن، وقد بدا جليًّا خلال المناقشة أن هناك تفاهمًا مشتركًا بيننا يمكن من خلاله مواجهة التحديات المشتركة، من الإرهاب إلى صعود التطرف وإلى تغير المناخ - بشكل أكثر فعالية.

بالإضافة إلى ذلك، قال الوزير القبرصي إنه ناقش مع العساف العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والسعودية، مؤكدًا أن قبرص تؤمن بأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والسعودية أمر مهم في التصدي للتحديات المشتركة في المنطقة.

ووعد الوزير القبرصي بأن تواصل بلاده دعمها النشط في بروكسل (عاصمة الاتحاد)؛ لتعزيز هذه العلاقات بشكل كبير وفي مختلف الجوانب مختلفة.

من جانبه، أشار العساف، في تصريحات صحفية، إلى أن اللقاءات التي عقدها مع رئيس الجمهورية القبرصي ورئيس مجلس النواب شهدت بحث القضايا التي تهم البلدين. وأضاف: «أرى اهتمامًا كبيرًا بتطوير هذه العلاقة في كل النواحي».

وأشار إلى أنه تم الاتفاق على أننا بحاجة إلى الاستفادة من العديد من العناصر التي تجمعنا مثل الموقع الجغرافي وتاريخ العلاقة بين قبرص والعالم العربي والقضايا الاقتصادية والفرص التي توفرها بلدينا.

وأضاف: «لدينا قائمة جيدة من المجالات التي سنناقشها في المستقبل، ونحن سعداء بأن لدينا بالفعل اتفاقيتين مهمتين بين بلدينا أصبحتا ساريتين الآن»، مشددًا على أننا مصممون على الاستفادة من الفرص التي توفرها بلدانا.

وقال أيضًا إنهما ناقشا المشكلة القبرصية، وأضاف: «نحن نؤيد سيادة قبرص، كما نؤيد بشكل خاص القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، ونأمل أن يتوصل الجانبان إلى حل سلمي لهذه المشكلة. ونحن مستمرون في دعم قبرص».

وعلقت شبكة الأخبار الأمريكية «سي إن إن » على الزيارة، قائلة: إن السعودية وجهت «صاروخًا دبلوماسيًّا» على نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، من فوق الأراضي القبرصية، وذلك بإعلان الرياض صراحة دعم وحدة قبرص وسيادتها.

وبحسب الشبكة الأمريكية، فقد أثارت زيارة وتصريحات وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف، وتأكيده دعم مشروعية قبرص وسيادتها، تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرها البعض «قرصة لتركيا».

على جانب آخر، تابعت وسائل الإعلام التركية تفاصيل الزيارة بكثير من القلق، نظرًا للتأثير المتوقع للموقف السعودي من تطور الأزمة القبرصية.

وأظهر تقرير لوكالة «الأناضول» الرسمية التركية حالة الاستنفار التي تعيشها القيادة التركية، بسبب التطور السريع في العلاقة بين الرياض ونيقوسيا، محاولة إلقاء المسؤولية على الجانب القبرص في تعثر حل المشكلة التي تعيشها الجزيرة المتوسطية منذ عقود.

وبلغة لا تخلو من خبث سياسي، حرصت الوكالة التركية، على وصف الحكومة القبرصية بـ«الرومية»، متجاهلة قرارات الأمم المتحدة الخاصة باستقلال الجزيرة وضرورة احترام سيادتها من جانب جميع الأطراف.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa