رغم فقرها ووحدتها لم تشتكِ يومًا ولم تعترض على قضاء الله بل إن المال الفائض منها تعطيه للفقراء، إنها الحاجة عطيات أو أم غريب، كما يطلق عليها جيرانها المصريون، رغم أنها لم تنجب.
تجدها عادة جالسة على وسادة من القش من صُنع يديها، تسند ظهرها إلى جدار عشّة صغيرة اتخذتها مسكنًا؛ لتقيم فيه منذ أكثر من خمسة عقود.
عجوز سبعينة، قُدِّرَ لها استكمال الحياة بمفردها، تعاني الوحدة والفقر والمرض، لكنّها مملوءة بعزة نفس وإباء اشتهرت بهما، كانت تتنقل بين المهن التي يمكنها العمل بها وفق ما تسمح به ظروفها الصحية، لتُدر لها دخلًا بالكاد تعيش منه، حتى أقعدها المرض.
كانت تتخفى في زي الرجال حتى لا تتعرض للأذى بعد وفاة زوجها. دافعت عن نفسها في شبابها حتى لا يستغل أحد فقرها وضعفها ووحدتها.
تحدثت أم غريب لسكاي نيوز، قائلة: إنها عاشت حياة مريرة، فلم تع لوالدها الذي توفي وهي صغيرة، وعاشت والدتها حياة شاقة، متنقلة بين أكثر من عمل من أجل تربيتها وأخيها، حتى وصلت أم غريب إلى سن الزواج، وتقدم لخطبتها شاب ليس له عمل ثابت، فتزوجت منه وعاشا معًا في تلك العشّة التي كانت منحة لها وزوجها من شخص ميسور الحال.
تزوجت الحاجة عطيات في تلك العشّة، وهي ابنة 19 عامًا، وظلّت فيها حتى الآن، قائلة: ليس لي مكان غيرها في الدنيا.
عشّة أم غريب عبارة عن غرفة بالطوب اللبن، مسقوفة بالقش والحطب الذي تسببت الشمس والأمطار في تآكله، فأضحت الغرفة شبه مكشوفة للسماء، ومخبئًا للفئران والحشرات. تحتوي العشة على وسادتين من القش وملابس قديمة مع قليل من الأواني المستخدمة في إعداد الطعام.
عقود طويلة قضتها الحاجة عطيات في مشقة وأسى، تتنقل بين عمل وآخر لجمع قوت يومها، كما أنها اضطرت -بعد وفاة زوجها- للعمل في أكثر المهن صعوبة.
قالت: لم أرزق بأبناء.. مات زوجي قبل 27 عامًا وتركني وحيدة بلا مال ولا عمل.. بموته فقدت شخصًا كنت أعتبره أهلي كلهم وسندي في الحياة، مشيرة إلى أنها منذ وفاة زوجها لم يعد لها أحد في الدنيا، وأدركت أنه لا سبيل أمامها سوى الاعتماد على نفسها في كل شيء، وألا تسمح لأحد بأن يستغلها بسبب وحدتها وفقرها.
عملت في الكثير من المهن بعد وفاة زوجها، في الزراعة وبيع الحلوى والتسالي، لكنَّ المهنة التي استمرت فيها طويلًا هي إعداد المشروبات الساخنة في الأفراح، كما عملت أيضًا كمسحراتي في قريتها والقرى المجاورة في شهر رمضان.
تقول: الشرف أهم حاجة في الدنيا.. لما كنت أذهب أعمل شاي في الأفراح كنت أحمل سكينًا معي لأني كنت أعود ليلًا في وقت متأخر، لو حد اعتدى عليَّ أقدر أدافع عن نفسي.. الفقر ليس عيبًا، لكن العيب إني أبيع نفسي وأتنازل عن أخلاقي وشرفي حتى لو لم أجد الأكل.
عندما كانت تخرج ليلًا لإيقاظ أهل قريتها والقرى المجاورة، كانت ترتدي زيًا رجاليًا لإيهام الناس أنها رجل، حتى لا يستضعفها أحد، كما تقول.
كانت في فترات سابقة تربي خرافًا وتبيعها حتى تجمع المال لزيارة بيت الله الحرام، وتمكنت من الاعتمار أربع مرات على سنوات متباعدة، بعد ذلك غلبها المرض ووصلت لسن كبيرة، لم تعد تستطع معه أن تعمل ما كانت تفعله سابقًا، فمكثت في عشتها تنتظر قضاء الله لها، تعاني أمراضًا ليست بهينة، ومع ذلك لم تتناول الدواء، ولم تزر طبيبًا.
اقرأ أيضًا: