دعا الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين الثقافات وأتباع الأديان فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، إلى المزيد من تفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية لمساندة صانعي السياسات في تعزيز التعايش واحترام التنوع وقبول التعددية وترسيخ المواطنة الشاملة والتصدي لتهديدات التعايش السلمي والتسامح من قبل الجماعات المتطرفة بين مختلف الطوائف الدينية والعرقية في العالم.
وطالب بن معمر بمساهمة المؤسسات الدينية في مجتمعاتها المحلية لتعزيز ثقافة المواطنة المشتركة، كما دعا إلى الاستفادة القصوى من المعتدلين من الأغلبية الصامتة من الذين يمتلكون القدرات والإمكانات الكبيرة في مكافحة خطاب التطرف تحت مظلة المواطنة المشتركة، فيما أكد أن الحوار يرسخ للمبادئ والقيم الإنسانية المشتركة، لا سيما «الرحمة والاحترام والتسامح والإحسان والسلم والتماسك الاجتماعي».
جاء ذلك خلال كلمة بن معمر على هامش الملتقى الإقليمي حول «التربية على المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة.. من النظرية إلى التطبيق»، الذي نظمه مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، ومركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم بالتعاون مع مكتب التربية العربي لدول الخليج خلال الفترة ممن 22 إلى 23 يناير الجاري.
وأكد بن معمر ضرورة دعم مسار غرس الثقافة العالمية المشتركة التي تدعو إليها منظمة اليونسكو لتعليم مفهوم المواطنة المشتركة في أذهان الناشئة دونما اشتراط لتخصيص وقت محدد لها أو تدريسها كمادة مستقلة، «لكن بدمج قيمها ومبادئها وأدبياتها ضمن النشاطات التربوية والتعليمية الصفية وغير الصفية في مؤسساتنا التعليمية».
وأشار إلى أن «ديننا الإسلامي أعطى أول دستور يرسخ فكرة المواطنة وحرية الأديان في العالم؛ حيث تضمنت وثيقة المدينة المنورة دستورًا شاملًا للعيش مع المكونات الدينية المتنوعة من خلال حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر وتعزيز قيم التعايش والإنصاف والأمن والسلام، متمثلًا كذلك في دعوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نصارى نجران إلى الحوار، وإنزالهم بالمسجد النبوي ليقيموا فيه، وكتابته عهد أمان لهم، وكذا استلهام بنود العهدة العمرية التي كتبها الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأهل إيلياء التي أمَّنهم فيها على كنائسهم وممتلكاتهم، وتعد من أهم الوثائق وأقدمها التي تنظم العلاقات بين أتباع الأديان، وتتضح فيها إنسانية المسلمين ومعرفتهم لقيمة المقدسات وحفاظهم على آثار الحضارات واحترامهم لجميع الأمم والملل».
ورأى أن شعوب العالم اليوم تتواصل وتترابط بشكل متسارع بعضها مع البعض جغرافيًّا وتقنيًّا «بعدما تخطى وعيها العالمي والإنساني الأطر والمسارات الرسمية، وابتكر أنماطًا من التواصل والتفاهم والتعاون لا تعترف بأي حدود من خلال الحوار وتطورات التقنية انطلاقًا من المصالح العامة والمصير المشترك، مع بيئات متنوعة ومتباينة ومتعددة الأديان والثقافات والأعراق لتؤكد ضرورة العيش في ظل المواطنة المشتركة».
واستعرض تجربة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات منذ تأسيسه في مجال المواطنة المحلية والعالمية المشتركة؛ حيث شكل هذا المجال إحدى المبادرات الرئيسية لبرامج ومنصات سواء في مناطق تركيزه في أوروبا أم المنطقة العربية أم آسيا أم إفريقيا التي تعاني من الاختلافات والنزاعات والصراعات الدينية أو المذهبية والعرقية، وخصوصًا ما يهدد العيش المشترك واحترام التنوع وقبول التعددية والمواطنة المشتركة، وأن المركز يؤمن -كغيره من المنظمات العالمية- بقيم المواطنة المشتركة القائمة على المعايير العالمية، وإسهامها في الإعداد السليم للأجيال الناشئة.
وقال: «لقد أثبت عمل مركزنا أنه ليس من المناسب دائمًا تصوير أولئك الذين ينتمون إلى أديان أو مذاهب أو أعراق مختلفة على أنهم (أقليات) بحاجة إلى حماية من مجتمعاتهم، بل مكونات مجتمعية متنوعة لها حقوق المواطنة كاملة ولها حق ممارسة أدوارها الفعالة باعتبارها مكونًا رئيسيًّا في مجتمعاتها بغض النظر عن هوياتها المتنوعة دينيًّا أو مذهبيًّا أو عرقيًّا. ويجب استنهاض كل الهمم والتوجهات الدينية والسياسية والتعليمية والقانونية لحماية ذلك».
وأوضح أن المواطنة المشتركة شكَّلت المبدأ الرئيسي الذي تستند إليه جميع مبادرات ومشاورات منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي، وتعزيز المشاريع المشتركة بينهم لتجاوز الحواجز النفسية وبناء الثقة وتهيئة المجتمعات المتنوعة للعمل معًا لترسيخ قيم العيش في ظل المواطنة المشتركة.
وكان بن معمر قد استهل كلمته بتهنئة الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ وزير التعليم رئيس مجلس إدارة مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم على إقامة هذا الملتقى الإقليمي حول التربية على المواطنة العالمية والقيم الإنسانية المشتركة واستثمار برامج ومبادرات مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم في المملكة العربية السعودية لإدراج التعليم ضمن أهداف التنمية المستدامة، وصولًا إلى تعليم يلبي متطلبات القرن الحادي والعشرين من خلال تمكين المتعلمين من تبني القيم العالمية المشتركة ومنها التعايش واحترام التنوع وقبول التعددية وترسيخ المواطنة المشتركة للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويأتي هذا اتساقًا مع الجهود التي تقودها اليونسكو في حقل أجندة التعليم 2030م، وهو ما تضمنته من غايات الهدف الرابع من أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حول التعليم، التي تناشد الدول التأكد من أن كل الدارسين قد تم تزويدهم بالمعرفة والمهارات، واستدامة التعليم وأساليب الحياة، والمواطنة العالمية وحماية التنوع الثقافي في التنمية المستدامة؛ لكونها معززة لمفهوم التعليم الذي يساعد على بناء عالم تسوده ثقافة السلام والاستدامة؛ ما يؤكدان أهمية تعزيز المعرفة والمهارات والقيم التي تمكن الأفراد والمجتمعات من اتخاذ قرارات واعية وبناء دور فاعل على محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا.