العلاقة بين ميكروبات الأمعاء والدماغ تبدو مثل الخيال العلمي، وقد يتساءل البعض: كيف يمكن لمثل هذه المخلوقات الصغيرة أن تؤثر على مزاجنا وسلوكنا؟ وفي عام 2003 لاحظ الباحثون بقيادة سودو أن الفئران الخالية من الجراثيم تتصرف بشكل مختلف عن الفئران العادية؛ حيث كان لديهم رد فعل شديد على الإجهاد وفضلوا اللعب بمفردهم، وكان كل ذلك يرجع إلى افتقارها الميكروبات.
وعندما أعطاها الباحثون مزيجًا من الميكروبات غير الممرضة، تعافى سلوكها، وبدا أن الميكروبات الصحية السليمة تمنح المرونة للتوتر وتجعل الفئران أكثر صحة، وقد أثارت النتائج آنذاك الباحثين في جميع المجالات المرتبطة بذلك: أمراض الجهاز الهضمي، أمراض الأعصاب، الطب النفسي، علم المناعة، الغدد الصماء وعلم الأحياء المجهرية.. فكيف يمكن للميكروبات عديمة التفكير أن تؤثر على العقل المتطور للحيوان؟
ونظرًا لأن البشر ليسوا بأي حال من الأحوال كائنات خالية من الجراثيم، فقد كانت لهذه الدراسة أهمية خاصة، بالرغم من أن الأطباء النفسيين كانوا مشغولين بالبحث في الأدوية ذات التأثير النفساني المصممة لمعالجة الاختلالات الكيميائية في الدماغ، إلا أن أول مضادات الاكتئاب كان مضادًا حيويًا يهدف إلى علاج مرض السل!
لقد عرف العلماء منذ زمن أبقراط أن مشاكل الأمعاء يمكن أن تسبب مشاكل طبية، وكان شعاره أن الموت يجلس في الأمعاء، وبعد وقت قصير من اكتشاف البكتيريا، أدرك الباحثون أن مسببات الأمراض البكتيرية كانت وراء العديد من الأمراض، بما في ذلك بعض أنواع الأمراض العقلية، وبدت فكرة البكتيريا المفيدة سخيفة، حتى رأى إيلي ميتشنيكوف الجانب الجيد من الميكروبات في أوائل القرن العشرين، عندما لاحظ صحة وطول عمر الذين يستهلكون اللبن.
وفي عام 2013، افترض الباحثون أن بعض البكتيريا يمكن أن تساعد في حل الأمراض النفسية، وانبثقت قناعتهم من الملاحظة المذهلة التي تقول إن الميكروبات يمكن أن تنتج ناقلات عصبية بشرية، ووجدوا أيضًا صلة بين الميكروبات ومحور الغدة النخامية الغدة الكظرية، وهو نظام الإجهاد الهرموني في الجسم.
والإجهاد عند الأطفال هو مقدمة معروفة للأمراض النفسية في وقت لاحق من الحياة، وقد أظهرت الدراسات أن التوتر يؤثر على ميكروبات الأمعاء لدى هؤلاء الأطفال أيضًا، وهنا كان السؤال: هل يمكن أن تكون مشاكل الأمعاء المبكرة عاملًا في اكتئاب البالغين وقلقهم؟ ومنذ طرح هذا السؤال استكشفت المئات من دراسات الفئران والجرذان محور الأمعاء ومساهمتها في الاكتئاب والقلق، بغض النظر عما وجه لبعضها من انتقادات، ومن بينها أنها تظهر ارتباطًا بين الميكروبات والمزاج، ولكن هذا لا يثبت أن الميكروبات يمكن أن تسبب تغيرات في الحالة المزاجية، فقد يكون هذا الاكتئاب هو الذي يسبب تغييرات في الميكروبات، وليس العكس.
وساعدت دراسة قام الباحثون خلالها بزرع براز من أمعاء مريض بالاكتئاب في الفئران، لتوضيح الصورة؛ حيث ظهرت المفاجأة، فبزرع البراز من المصابين بالاكتئاب أصيبت الفئران بالقلق وطورت نسخة من الاكتئاب، لتظهر أن الميكروبات يمكن أن تسبب تغييرًا في السلوك وتعمل عبر مختلف الأنواع، كما أنها قادرة على الانتقال بالعدوى!
ووجد العلماء منذ ذلك الحين، أن الشبكة العصبية التي تحيط بالأمعاء، وهي الجهاز العصبي المعوي، تتلامس مع البكتيريا الموجودة في الأمعاء من خلال خلايا الأمعاء الغليظة، وهو ما يسمح لرسائل القناة الهضمية بالوصول إلى المخ، ورغم أن الدراسة أظهرت أن عمليات زرع الميكروبات البرازية يمكن أن تغير الحالة المزاجية في الفئران، لكن الحالة بالنسبة للبشر لا تزال مثيرة للجدل، ولا تزال الأبحاث مستمرة حولها.