رحلة لا تخلو من الإثارة والإعجاب، بدأت بأحلام صغيرة وانتهت إلى كيان اقتصادي كبير وعملاق.. إنها رحلة رئيس شركة هواوي ومؤسسها رن تشنج.
وبدأ تشنج عام 1987 بتأسيس شركة صغيرة بقيمة 6600 دولار، لكنه لم يكن يعلم أنها ستنمو وتصبح عملاقة الاتصالات حول العالم، وأنه سيصبح من أغنى أغنياء العالم؛ إذ تُقدر ثروته الشخصية بنحو 1.7 مليار دولار، ويعمل في شركته 180 ألف موظف موزعين في جميع أنحاء العالم.
رغم كونه من أقوى رجال الاقتصاد بالعالم، فإن تشنج يميل أحيانًا إلى العزلة، لكنه بدأ يتحدث إلى الصحفيين مؤخرًا للدفاع عن شركته، وسط ازدياد الضغوطات عليها من الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب المخاوف الأمنية حول دور هواوي في بناء شبكات 5G حول العالم، وطبيعة علاقة الشركة بالحكومة الصينية.
ويتوقع أن تصل أرباح الشركة السنوية لهذا العام إلى 125 مليار دولار، أي ما يعادل 96 مليار جنيه إسترليني.
وقال تشنج: «نفضّل إيقاف عمل شركة هواوي على أن نضر بمصالح عملائنا»، وأضاف: «على الرغم من دعمي للحزب الشيوعي الصيني، لكنني لن أفعل أي شيء قد يضر بأي دولة أخرى».
وأردف قائلًا: «يعتقد البعض في الدول الغربية أن منتجات هواوي لديها طابع أيديولوجي معين. وهذا أمر سخيف؛ فنحن نزود شركات الاتصالات بالمعدات، والمعدات لا تملك أيديولوجية».
درس رن تشنج (مواليد 1944) الهندسة في جامعة تشونجكينج في الصين، ثم التحق بمعهد أبحاث جيش التحرير الشعبي الصيني في ذروة الاضطرابات التي سببتها الثورة الثقافية في البلاد في ستينيات القرن الماضي. وكانت هناك فوضى في كل مكان تقريبًا حتى في قطاعي الزراعة والصناعة.
وفي تلك الفترة، كان يُخصص لكل شخص ثلث متر فقط من القماش، وبالكاد كانت كافية للترقيع؛ «لذلك لم أكن أرتدي ملابس خالية من الرقع عندما كنت يافعًا».
وعندما أصبح مهندسًا، أُرسل للمساعدة في بناء مصنع للملابس الجاهزة في لياويانج شمال شرق الصين.
وقال تشنج: «كانت ظروفًا قاسية، كان بيتنا متهالكًا؛ لذا كنا نشعر بالبرد باستمرار، وكانت درجات الحرارة تهبط إلى 28 درجة دون الصفر، ولم تكن الخضراوات متوافرة على الإطلاق، وكذلك كانت اللحوم وزيت الطهي محدودًا للغاية.
ويتابع: «ومع ذلك كنت سعيدًا.. كانت قراءة الكثير من الكتب تعرض صاحبها للانتقاد في الكثير من أجزاء البلاد، وكان المصنع واحدًا من الأماكن القليلة التي كان يمكن القراءة فيه. كان ينبغي لنا القراءة لنتمكن من فهم كيفية عمل المعدات».
في عام 1978، بعد عامين من وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونج، انضم تشنج إلى الحزب الشيوعي بعد أن كان قد اخترع أداة أساسية للاستخدام في اختبار المعدات المتقدمة في مصنع الملابس؛ الأمر الذي لم يكن مسموحًا له من قبل بسبب ارتباط والده بالجانب القومي الخاسر في الحرب الأهلية الصينية على حد تعبيره.
وقد سُجن والده في ستينيات القرن الماضي بسبب «انسياقه إلى الرأسمالية»، وهو مصطلح تحقيري كان يستخدم للإشارة إلى الذين كانوا يحاولون استعادة الرأسمالية.
وكان تشنج يأمل أن يصل إلى ما يعادل رتبة مقدم في الجيش، لكن حدث العكس وسُرِّح من الجيش عام 1983 عندما قلَّصت الصين أعداد الضباط المهندسين.
وبعد انتقاله إلى شنزن جنوب الصين والعمل في القطاع الإلكتروني الوليد، تمكن أخيرًا من جمع ما يكفي من المال لتأسيس شركة هواوي.
رن تشنج لديه ابنتان من زواجه الأول: منج وانزو ومنج بينج، وكلتاهما تعمل في شركة هواوي، واستخدمتا اسم عائلة الأم لتجنب لفت الانتباه غير الضروري إليهما.
أما ابنته أنابيل ياو التي رُزق بها من الزوجة الثانية، فتدرس علوم الكمبيوتر في جامعة هارفارد، كما أنها راقصة باليه، ونشِطة على موقع التواصل الاجتماعي إنستجرام.
أما زوجة تشنج الثالثة «سو وي» فكانت تعمل سكرتيرة سابقة لديه.
في ديسمبر 2018، ألقت السلطات الكندية القبض على ابنة تشنج الكبرى منج وانزو المسؤولة المالية في الشركة بطلب من الولايات المتحدة وسط مزاعم طالت الشركة بسبب علاقتها بشركات تجارية في إيران.
وقال تشنج إنه يثق بأن الأنظمة القضائية في كندا والولايات المتحدة ستتوصل إلى نتيجة عادلة، وأضاف أنه كأب لمنج وانزو، يفتقدها كثيرًا.
وربما يبدو مفاجئًا في ضوء الحرب الكلامية حول التجارة بين واشنطن وبكين، أن تشنج من معجبي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إذ قال: «لا أزال أعتقد أنه رئيس عظيم من حيث جرأته في خفض الضرائب.. الأمر الضروري لتطوير الصناعات في الولايات المتحدة».
وأضاف تشنج: «إن الشركة مملوكة للآلاف من الموظفين في القطاع الخاص؛ ما يعني أنه قد يخدم أفكارنا ويخدم مصالح المجتمع بشكل كبير».
وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية على الدول بعدم استخدام منتجات هواوي، فإنه يقول إنه متفائل بالمستقبل. وقال تشنج: «ما دمنا نطور منتجات تحظى بالقبول، سيكون هناك زبائن يرغبون في الشراء».