تتواصل الدعاوى القضائية التي تتهم شركات منتجة للسجائر الإلكترونية العملاقة بالتسبب في العديد من المخاطر الصحية التي تبدأ بمشاكل التنفس والرئة وصولًا إلى الأمراض التنفسية الغامضة وجلطات المخ وأخيرًا الوفاة. ومنذ ذلك الحين والأخبار تتدافع في هذا الاتجاه، حتى أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أنها تحقق في العلاقة بين استخدام السجائر الإلكترونية وهذه المخاطر.
وبعيدًا عن أعداد الإصابات التي تتزايد بين الحين والآخر، يبدو أن الجدل الثائر حول السجائر الإلكترونية لن ينتهي قريبًا، فيما دخل الخبراء ومناهضو التدخين على الخط؛ حيث أثاروا ما أطلقوا عليه حيل شركات التدخين والتبغ في الالتفاف حول القوانين الأمريكية، أو حتى المساهمة في وضع قوانين للاستثناء، وهي القوانين التي تمنع مستويات الحكومة الأدنى من سن تشريع أقوى يحظر أو يحد تداولها كتكتيك دفاعي.
وحسب هؤلاء، فقد بدأت الموجة السابقة من قوانين الاستثناء عندما أدركت إحدى الشركات العملاقة أنها ليست محمية ضد المبادرات الشعبية في السبعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد عندما واجهت النشطاء المناهضين للتبغ حول أضرار التدخين السلبي، فيما لم تظهر أدلة المخاطر الصحية الخطيرة التي يتعرض لها غير المدخنين بسبب التدخين السلبي حتى عام 1986، عندما تحدثت التقارير الطبية المؤكدة عن عواقب هذا النوع من التعرض لدخان السجائر. ومن ثم، بدأ تجدد المطالبات بالحق في الهواء الخالي من التدخين في الأماكن العامة؛ فقد كانت الحجج في البداية مدنية وليست علمية في المقام الأول، لكنها سرعان ما أصبحت كذلك.
وبما أن الشركة كانت تمتلك نفوذًا واسع النطاق في واشنطن، فإن الناشطين ظنوا أن جهودهم ستكون أكثر نجاحًا إذا خاطبوا المشرعين المحليين القريبين من منازلهم. وبحلول منتصف العقد، نجحوا إلى حد ما، وأصدرت عشرات من مجالس المدن، قوانين تقيد التدخين في الأماكن العامة، فيما أدى التقاعس التنظيمي في واشنطن إلى تكثيف النشاط في جميع أنحاء البلاد، فأصدرت 64 مدينة قوانين تقيد التدخين في عام 1974 وحده. وعلى مدى عامين بعد هذا التاريخ حذت أكثر من مائة مدينة أخرى الحذو نفسه. وبحلول الثمانينيات، أصبح رد فعل الصناعة على هذا التحرك الشعبي واضحًا، وتمثل في تأمين تمرير قيود التدخين الضعيفة لمنع التدابير الأكثر صرامةً التي تصدرها المدن، من خلال توفير جماعات ضغط حكومي.
ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض، فقد كانت الفترة بين عامي 1992 و1998 تمثل ذروة الحدث، وخلالها أصدرت 31 ولاية قوانين التبغ الوقائية، ومعظمها منع المدن من كتابة قوانين أقوى تحد من جعل هذه المدن خالية من التدخين، لكن بعضها أيضًا فرض قيودًا على وصول الشباب وضوابط على الترويج والإعلان. ولكن وبمجرد إقرارها، كان من الصعب للغاية إلغاء قوانين الاستثناء هذه، وهو الأمر الذي استفادت منه صناعة التبغ لاحقًا؛ ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل في جميع أنحاء العالم؛ حيث استشهدت جميعها بالإجراءات الأمريكية دون دراسة دور جماعات الضغط هناك، وهي الجماعات المستفيدة ماديًّا من استمرار وتوسع هذه الصناعة بغض النظر عن أي مخاطر صحية، وعلى حساب صحة المجتمع.
لذلك يعتبر الكثيرون في مجال الصحة العامة، أن الاستباق هو أكبر تحدٍّ تواجهه قوى مكافحة التبغ؛ لذلك فإنهم يحاولون الآن منع هذه التجربة المكلفة صحيًّا من التكرار مع شركات أخرى، وعدم ترك جماعات الضغط المادية تحقق أهدافها التي تزيد المشاكل والأضرار الصحية الناجمة عن صناعة التدخين والأبخرة، بتعديل قوانين منع التدخين الحالية لتشمل السجائر الإلكترونية، في محاولة للتخفيف من آثار قانون الاستباق المحتمل، من خلال وضع معايير جديدة كخطوة من شأنها أن تبعث رسالة واضحة ضد التدخين وأضراره.